أولا: ماهية الخريطة الذهنية:
1 - لفظا:
هي صورة تحتوي على رسومات ومعلومات توضح المناطق الجغرافية على سطح الكرة الأرضية، باستخدام مقياس رسم مناسب ورموز معتمدة، مع وجود مفتاح موضح لها.
وللخرائط أنواع مختلفة مثل الخرائط الطبيعية على شاكلة التضاريس أو المناخ، وقد تكون خرائط بشرية مثل خرائط توزيع السكان وكثافتهم.
2 - اصطلاحا:
انسحبت كلمة (خريطة) من معناها اللغوي المتعارف عليه إلى معنى آخر في السنوات القليلة الماضية، كترجمة حرفية لها من الإنجليزية (Mind map) أو الفرنسية (Carte heuristique/carte mentale) لذلك نجد الاختلاف في الترجمة للعربية بين (الخريطة الذهنية) و (الخريطة العقلية)، وحتى (الخريطة المفاهيمية).
والخريطة الذهنية هي وسيلة حديثة وأسلوب مبتكر نعبر فيها عن أفكارنا عبر مخطط نقوم برسمه باستخدام الكتابة والصور والرموز والألوان عوض الاقتصار على الكلمات فقط، فنربط معاني الكلمات بالصور، ونربط المعاني المختلفة بعضها ببعض.
إذن: كونها خريطة فلأنها تشبه الخريطة في التوضيح العام، وكونها ذهنية لأنها تشبه في طريقة عملها عمل الذهن.
ثانيا: مبتكر الخريطة الذهنية:
نتوقف عند أهم محطات حياة أستاذ الذاكرة توني بوزان (Tony Buzan) مبتكر الخريطة الذهنية:
• من مواليد عام (1942م) بلندن.
• تخرج من (University of British Columbia) في تخصصات هي: علم النفس والإنجليزية والرياضات سنة 1964م.
• ألف أكثر من مائة كتاب حول الذاكرة والعقل والدماغ والتعلم، ومن أشهر كتبه التي لها علاقة بموضوع بحثنا كتاب خريطة العقل أو (The Mind Map Book: How to Use Radiant Thinking to Maximize Your Brain's Untapped Potential) وكتاب كيف ترسم خريطة العقل (how to mind map).
• مستشار على أكثر من صعيد ومحاضر عالمي، اختير عام 1994م من طرف مجلة فوربس (Forbes) كواحد من أفضل خمسة محاضرين على مستوى العالم.
• مؤسس بطولة الذاكرة العالمية.
• مؤسس بطولة القراءة السريعة العالمية.
• رئيس تحرير سابق للمجلة الدولية (MENSA).
• كانت له برامج على (BBC) تحدث فيها عن ابتكاره الجديد (الخريطة الذهنية) سنة 1970م.
• ثالثا: فوائد استخدام الخريطة الذهنية:
• الخريطة الذهنية تمكننا من قراءة المعلومة بكامل الدماغ، بفصيه الأيمن والأيسر، فترفع بذلك من كفاءة التعلم والاستيعاب[3]، ومن ثمة يتم تخزين المعلومات في الدماغ لأطول مدة ممكنة، لأنها جمعت بين الصور والكلمات، وربطت المعاني المختلفة بعضها ببعض عن طريق الفروع المستخدمة في رسمها.
ولهذا السبب نجد تشابها كبيرا بين شكل خلية عصبية وشكل الخريطة الذهنية مثلما هو موضح في (الشكل:1) الذي يمثل عصبونا و (الشكل:2) الذي يمثل خريطة ذهنية فارغة.
• سهولة الوصول للمعلومة، وسرعة مراجعتها بشكل أسهل عن طريق الرجوع للخريطة الذهنية بدلا من الرجوع لمعلومات مكدسة في عشرات الأوراق.
• تعطينا صورة شاملة عن الموضوع الذي نريد دراسته أو التحدث عنه، فمستخدم الخريطة الذهنية يكون محيطا بالموضوع من جميع جوانبه، ويضمن بذلك تغطية جميع نقاط الموضوع بشكل منظم.
• تمكننا من وضع كل أفكارنا وما يدور في أذهاننا وأكبر قدر ممكن من المعلومات عن الموضوع في ورقة واحدة.
• تساعدنا على ترتيب المعلومات وتصنيف المفاهيم.
• تسهل لنا معرفة النقطة التي وصلنا إليها سواء في الحفظ أو البحث أو التخطيط دون نسيانها.
• تمكننا من ربط المعرفة الجديدة بالمعارف السابقة، بطريقة تمكننا من الاطلاع عليها دفعة واحدة وبشمولية.
• توالي الأفكار في ذهنك بعد قيامك بأول خطوات رسم الخريطة الذهنية، أفكار قد لا تظهر لك لو اعتمدت على الكتابة المباشرة، والسبب أنك قمت تعمل بنفس طريقة عمل دماغك!
• القدرة على إضافة المعلومات أو حذفها.
• وأخيرا: الخريطة الذهنية تنمي فيك النشاط الإبداعي ومهاراتك العقلية.
رابعا: تطبيقات الخرائط الذهنية:
كل واحد منا بإمكانه الإفادة من الخريطة الذهنية وتوظيفها لصالح تنمية مكتسباته القبلية، واستخدامها لا يقتصر على الدراسة فحسب، وإنما نستطيع توظيفها في كل أمور حياتنا باختلاف توجهاتنا وأعمارنا واهتماماتنا، ونلخص ذلك فيما يلي:
• تلخيص الكتب والمستندات والمحاضرات المكتوبة.
• حوصلة نتائج المحاضرات السمعية.
• التخطيط للمشاريع العلمية والاجتماعات العملية والمقابلات الصحفية.
• الإلمام بنقاط الحوار عن بعد في المكالمات الهاتفية أو الدردشات.
• التفاوض مع الطرف الآخر بغية إقناعه والتأثير فيه.
• التخطيط للمناسبات الاجتماعية والرحلات السياحية والأسفار.
خامسا: الخريطة الذهنية وسيلة تربوية فعالة:
كثيرة هي الوسائل المساعدة على الفهم والاستيعاب والحفظ، أحيانا تتعلق بالمعلم بغية إيصال الفكرة للمتعلم، وأحيانا يستخدمها المتعلم للحفظ والمراجعة والتلخيص.
فيمكن للمعلم أن يضرب مثلا أو أن يسرد قصة أو يحكي موقفا، أو يستخدم حركة أو عرضا سمعيا أو بصريا، أو يدعو طلبته لزيارة ميدانية، أو يدربهم عمليا، ويمكنه أيضا أن يستخدم رسما توضيحيا.
بالمقابل يمكن للمتعلم أن يعزز الدروس التي تلقاها بالاستماع إلى مقاطع صوتية أو مرئية، ويمكنه أن يستعين بمراجعة جماعية، ويمكنه أيضا أن يلخص الدرس الذي تلقاه في شكل رسم توضيحي.
والرسم التوضيحي هو من القواسم المشتركة بين المعلم والمتعلم، وإن لم نكن من المعلمين فنحن متعلمون!
وليس الأمر جديدا، إذ يشد انتباهي وأنا أتحدث عن الخريطة الذهنية موقف تربوي نبوي يتقاطع بشكل ما مع الأهداف المتوخاة من العمل بها، وكيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرص على حاسة البصر علاوة على السمع في توصيل الفكرة.
ومعلوم أيضا أن زيادة عدد حواس الإنسان المشتركة في التعلم تساعد على زيادة الإدراك والفهم واستيعاب المعلومة لمدة أطول.
أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: « خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا، وخط خطا في الوسط خارجا منه، وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: «هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به - أو: قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا»[4].
والرسم الموسوم بـ (الشكل: 3) حاولت أن أوضح به ما ورد في الحديث النبوي على شكل مخطط، أو لنقل خريطة ذهنية مصغرة للمفهوم الوارد في الحديث النبوي.
سادسا: طريقة رسم الخريطة الذهنية:
1 – الوسائل:
يعتمد رسم الخريطة الذهنية على طريقتين، هما: الطريقة اليدوية، والطريقة الحاسوبية، وفي ما يلي تفصيل للطريقتين:
اليدوية:
• ورقة بيضاء - أو أي لون آخر إن رغبت في ذلك - من نوع (A4) غير مسطرة ولا مؤطرة، نستخدمها بشكل أفقي (عرضي).
• أقلام متعددة الأحجام والألوان والأنواع.
• قلم رصاص.
• أقلام ملونة من اختيارنا.
الحاسوبية:
• برنامج لرسم الخرائط الذهنية، مثل برنامج (FreeMind) أو (MindMapper)
2 - خطوات رسم خريطة ذهنية:
• تحديد الموضوع.
• استخراج المفاهيم الأساسية.
• نحدد وسط الورقة كمركز للانطلاق، ثم نرسم دائرة صغيرة مثلا، ونضع موضوعنا في شكل كتابة أو رمز أو رسم بسيط يعبر عن الموضوع الرئيس ويمثل الفكرة بحيث يسهل تذكره.
• نختار الاتجاه الذي نريد أن نرسم فيه التفرعات، شريطة الحفاظ على الاتجاه كل مرة نود فيها رسم خريطة ذهنية.
• نقوم بوضع تفرعات تنطلق من مركز الورقة -الكلمة التي تختصر الموضوع الرئيس- لتمثل الأفكار الأساسية، ونحدد لكل فرع كلمة مفتاحية - نكتبها فوق الفرع- باستخدام الألوان المختلفة للفروع، على أن تكون هذه الفروع عبارة عن خط منحن عريض من جهة المركز، ليصبح أكثر دقة عند نهايته، مع إمكانية رسم خط أو دائرة حول الفكرة المهمة لإبرازها بشكل لافت.
• يمكن وضع صور رمزية على كل فرع من الفروع السابقة تعبر عن معناه، أما الهدف من استخدام هذه الصور وكذا الألوان فهو تحبيب الرسم للنفس وتوضيحه وتصنيف الأفكار.
• يمكن تفريع كل فرع من الفروع الرئيسة إلى فروع ثانوية، مع وضع ما يمثلها من كلمات أو كلمات مع رسوم أو رموز.
• نواصل التفريعات الجزئية إلى غاية إنهاء الأفكار التي تولدت عن الفكرة الرئيسة.
•ن حصل في النهاية على شجرة بها تفرعات تمثل أفكار الموضوع ومختلف جوانبه، بطريقة متسلسلة منظمة.
سابعا: انتبه لهذه الأمور قبل رسم الخريطة الذهنية:
• لا تكرر الكلمة أثناء رسمك للخريطة الذهنية، واستخدم الضمير الذي يعود على الموضوع الرئيس كقولك -مثلا- طريقة رسمها، عوضا عن طريقة رسم الخريطة الذهنية، لأنك قد وضعت في الوسط كلمة (الخريطة الذهنية) التي تمثل موضوع الرئيس.
• ترتيب المفاهيم من العام إلى الخاص.
• أفضل الطرق على الإطلاق لعمل الخريطة الذهنية هي عمل النسخة الأولى باليد، لأن انشغال العقل بالتعامل مع الجهاز قد يشتت تدفق الأفكار قليلا، ولكن بعد الانتهاء من هذه الخطوة يمكنك استخدام برامج التخطيط الذهني لتنسيق وترتيب خطتك.
• لا ترسم تفرعات في شكل خطوط مستقيمة، بل ارسمها في شكل خطوط منحنية.
ثامنا: أسئلة شائعة حول الخريطة الذهنية:
لا أحسن الرسم، ماذا أفعل؟
• الجواب: ليس مطلوبا أن ترسم لوحة فنية! وإنما مجرد رسمك لشكل تميزه وتربط به الفكرة فإنك بذلك تكون قد حققت الهدف.
هل يمكنني أن أستغني عن الرسومات أثناء تصميم خريطة ذهنية؟
• الجواب: يستحسن أن ترفق الكلمات بالصور لما مر ذكره من فائدة، إلا أنه يمكن الإفادة من مبدإ الخريطة الذهنية والاقتصار على رسم مخطط معبر خال من الرسومات.
إذا كان الدرس المراد تلخيصه -مثلا- كثير العناصر ولا تحتويه ورقة (A4) كيف أتصرف؟
• الجواب: الأمر سهل يسير، ما عليك سوى أن تستخدم ورقة أكبر!
هل يمكن رسم خرائط ذهنية لسور القرآن الكريم؟
• الجواب: نعم، يمكن استخدام الخريطة الذهنية في حفظ القرآن الكريم وتدبره معا، وقد ظهر هذا في عدة تجارب على شاكلة ما قام به الدكتور إبراهيم بن عبد الله الدويش الذي اعتبر الخريطة الذهنية أفضل وأسهل طريقة لتدبر القرآن وحفظه معا، في زمن بات يعاني فيه الكثير من حفظة كتاب الله من قلة الضبط وتفلت زمام الحفظ؛ نتيجة قلة الاهتمام بجانب الفهم والتدبر، ومن ثم التطبيق والعمل، وقد جعل الدكتور الدويش لهذه التجربة الرائدة سورة البقرة أنموذجا[5].
هل يمكن أن نستخدم الخرائط الذهنية في تصميم دروس ومحاضرات ومراجعات خاصة بالدراسات الإسلامية؟
• الجواب: أكيد، وقد ثبت ذلك بالتجربة، ويمكن الرجوع في هذا المجال لتجارب الدكتور حمزة عبد الكريم حماد: تدريس الفقه الإسلامي وأصوله في الجامعات وفقا لاستراتيجيات تربوية حديثة (الخرائط المفاهيمية نموذجا)، وكذا: استخدام خرائط المفاهيم في تدريس أحكام التلاوة والتجويد (أحكام النون الساكنة والتنوين نموذجا).
هل هناك برامج مساعدة على رسم الخرائط الذهنية حاسوبيا؟
• الجواب: يمكننا رسم الخرائط الذهنية يدويا باستخدام الورقة والأقلام، ويمكننا أيضا الاستعانة ببرامج حاسوبية متخصصة برسم الخرائط الذهنية، منها ما يحمل مجانا، على شاكلة برنامج (FreeMind) ومنها ما يتطلب دفعا للحصول عليها.
هل الخريطة الذهنية متسعة الانتشار؟
• الجواب: تستخدم الخريطة الذهنية من قبل أكثر من (250 مليون) شخص في العالم، حسب ما رصده توني بوزان عبر موقعه الرسمي، وربما يزيد العدد بك إذا قررت استخدامها!
هل يمكن أن أنوع في كتابة الأرقام بين الروماني والهندي والعربي –مثلا- وكذا بين الحروف المتصلة والمنفصلة بالنسبة للغات الأجنبية؟ أم علي أن أعتمد نمطا واحدا؟
• الجواب: يمكنك استخدام كل الأنماط من أجل تنظيم أفكارك على خريطتك الذهنية.
هل أعتمد ترتيب التفرعات الرئيسة من اليمين إلى اليسار أم من اليسار إلى اليمين؟
• الجواب: لك الاختيار، إما مع اتجاه الطواف أو اتجاه عقارب الساعة، والأهم أن تتبع نفس النمط في كل مرة ترسم فيها خريطة ذهنية.
تاسعا: تطبيق عملي:
إن إعداد هذا المقال خضع قبل كتابته لخريطة ذهنية -يدوية- ارتأيت أن أدعم بها المقال، كي تتضح الصورة جيدا، وهي الممثلة في (الشكل: 4)