المدارس الأدبية الأوربية وأثرها في الأدب
تعريف بالمذاهب
المذهب الأدبي هو اتجاه في التعبير الأدبي يتميز بسمات خاصة ويتجلى فيه مظهر واضح من التطور الفكري , وهو لا ينشأ عادة من تباين الآراء حوله حقبة من الزمن , وإن كان ذلك من شأنه أن يؤدي إلى بلورة هذا الاتجاه الجديد في التعبير , وإنما يكون وليد ما يضطرب في عصر بعينه من تغيرات في أوضاع المجتمع وطابع الحياة .
المذهب الأدبي يظهر إذن في عصر معين كثمرة لظروف ومقتضيات خاصة فيطغى على غيره من المذاهب ويظل سائدا حتى إذا فترت دواعيه رأيناه يتخلى تدريجيا عن سيطرته أمام مذهب أدبي جديد تهيأت له أسباب الوجود , وإن كان ذلك لا يعني بحال أن آثار المذهب القديم تختفي كلية من الأدب .
والمذاهب الأدبية على اختلاف ألوانها هي تعبيرات أدبية متميزة تقوم على دعائم من العقل والعاطفة والخيال , وقد يتاح لإحدى هذه الدعائم في عصر من العصور غلبة وسلطان , فإذا هي مذهب أدبي سائد يستعلي على غيره من مذاهب التعبير , وعلى هذا تتعاقب المذاهب الأدبية بتعاقب العصور , ويأخذ اللاحق ما ترك السابق مع النقص منه أو الزيادة عليه تبعا لأوضاع المجتمع في عصره .
وقد ظهرت كثيرا من المذاهب ولكن لم ينتشر إلا أربعة مذاهب وهي على الترتيب :
1- المذهب الكلاسيكي
2- المذهب الرومانسي
3- المذهب الواقعي
4- المذهب الرمزي
قد ظهرت بعض المذاهب في وقت متقارب ولكن لم تسد على الساحة الأدبية إلا بعد فتور دواعي المذهب الذي قبله , وهذا لا يعني نهاية المذهب الذي قبله بل هو لا زال موجودا ولكنه لا يعتبر المذهب السائد , وقد نجد بعض الأدباء يجمع في أدبه مذهبين أو أكثر.
المذهب الكلاسيكي:
الكلاسيكية مذهب أدبي، ويطلق عليه أيضاً "المذهب ألإتباعي" أو المدرسي.. وقد كان يقصد به في القرن الثاني الميلادي الكتابة الأرستقراطية الرفيعة الموجهة للصفوة المثقفة الموسرة من المجتمع الأوروبي.
أما في عصر النهضة الأوروبية، وكذلك في العصر الحديث: فيقصد به كل أدب يبلور المثل الإنسانية المتمثلة في الخير والحق والجمال "وهي المثل التي لا تتغير باختلاف المكان والزمان والطبقة الاجتماعية" وهذا المذهب له من الخصائص الجيدة ما يمكنه من البقاء وإثارة اهتمام الأجيال المتعاقبة. ومن خصائصه كذلك عنايته الكبرى بالأسلوب والحرص على فصاحة اللغة وأناقة العبارة ومخاطبة جمهور مثقف غالباً والتعبير عن العواطف الإنسانية العامة وربط الأدب بالمبادئ الأخلاقية وتوظيفه لخدمة الغايات التعليمية واحترام التقاليد الاجتماعية السائدة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
● يعد الكاتب اللاتيني أولوس جيليوس أول من استعمل لفظ الكلاسيكية على أنه اصطلاح مضاد للكتابة الشعبية، في القرن الثاني الميلادي.
● وتعد مدرسة الإسكندرية القديمة أصدق مثال على الكلاسيكية التقليدية، التي تنحصر في تقليد وبلورة ما أنجزه القدماء وخاصة الإغريق دون محاولة الابتكار والإبداع .
● وأول من طور الكلاسيكية الكاتب الإيطالي بوكاتشيو 1313-1375م فألغى الهوة بين الكتابة الأرستقراطية والكتابة الشعبية، وتعود له أصول اللغة الإيطالية المعاصرة.
● كما أن رائد المدرسة الإنكليزية شكسبير 1564-1616م طور الكلاسيكية في عصره، ووجه الأذهان إلى الأدب الإيطالي في العصور الوسطى ومطالع عصر النهضة .
● أما المذهب الكلاسيكي الحديث في الغرب، فإن المدرسة الفرنسية هي التي أسسته على يد الناقد الفرنسي نيكولا بوالو 1636 – 1711م في كتابه الشهير فن الأدب الذي ألفه عام 1674م. حيث قنن قواعد الكلاسيكية وأبرزها للوجود من جديد، ولذا يعد مُنظر المذهب الكلاسيكي الفرنسي الذي يحظى باعتراف الجميع.
● ومن أبرز شخصيات المذهب الكلاسيكي في أوروبا بعد بوالو:
- الشاعر الإنكليزي جون أولدهام 1653 – 1773م وهو ناقد أدبي ومن المؤيدين للكلاسيكية.
- الناقد الألماني جوتشهيد 1700 – 1766م الذي ألف كتاب فن الشعر ونقده.
- الأديب الفرنسي راسين 1639 – 1699م وأشهر مسرحياته فيدرا والإسكندر.
- والأديب كورني 1606 – 1784م وأشهر مسرحياته السيد – أوديب.
- الأديب موليير 1622 – 1673م وأشهر مسرحياته البخيل – طرطوف.
- والأديب لافونتين 1621 – 1695م الذي اشتهر بالقصص الشعرية وقد تأثر به أحمد شوقي في مسرحياته.
الأفكار والمعتقدات:
● يقوم المذهب الكلاسيكي الحديث، الذي أنشأته المدرسة الفرنسية مؤسسة المذهب على الأفكار والمبادئ التالية:
تقليد الأدب اليوناني والروماني في تطبيق القواعد الأدبية والنقدية وخاصة القواعد الأرسطية في الكتابين الشهيرين: فن الشعر وفن الخطابة لأرسطو.
- العقل هو الأساس والمعيار لفلسفة الجمال في الأدب، وهو الذي يحدد الرسالة الاجتماعية للأديب والشاعر، وهو الذي يوحد بين المتعة والمنفعة.
- الأدب للصفوة المثقفة الموسرة وليس لسواد الشعب، لأن أهل هذه الصفوة هم أعرف بالفن والجمال، فالجمال الشعري خاصة لا تراه كل العيون.
- الاهتمام بالشكل وبالأسلوب وما يتبعه من فصاحة وجمال وتعبير.
- تكمن قيمة العمل الأدبي في تحليله للنفس البشرية والكشف عن أسرارها بأسلوب بارع ودقيق وموضوعي، بصرف النظر عما في هذه النفس من خير أو شر.
- غاية الأدب هو الفائدة الخلقية من خلال المتعة الفنية، وهذا يتطلب التعلم والصنعة، ويعتمد عليها أكثر مما يعتمد على الإلهام والموهبة.
الجذور الفكرية والعقائدية:
● ارتبط المذهب الكلاسيكي بالنظرة اليونانية الوثنية، وحمل كل تصوراتها وأفكارها وأخلاقها وعاداتها وتقاليدها.
● والأدب اليوناني ارتبط بالوثنية في جميع الأجناس الأدبية من نقد أدبي وأسطورة إلى شعر ومسرح.
● ثم جاء الرومان واقتبسوا جميع القيم الأدبية اليونانية وما تحويه عن عقائد وأفكار وثنية.
● وجاءت النصرانية وحاربت هذه القيم باعتبارها قيماً وثنية، وحاولت أن تصبغ الأدب في عصرها بالطابع النصراني، وتستمد قيمها من الإنجيل إلا أنها فشلت، وذلك لقوة الأصول اليونانية وبسبب التحريف الذي أصابها.
● وبعد القرن الثالث عشر الميلادي ظهرت في إيطاليا بداية حركة إحياء للآداب اليونانية القديمة، وذلك بعد اطلاع النقاد والأدباء على كتب أرسطو في أصولها اليونانية وترجماتها العربية، التي نقلت عن طريق الأندلس وصقلية وبلاد الشام بعد الحروب الصليبية.
● وازدهر المذهب الكلاسيكي في الأدب والنقد بعد القرن السادس عشر والسابع عشر الميلادي.
الكلاسيكية الحديثة
تطورت الكلاسيكية في الوقت الحاضر إلى ما أطلق عليه النقاد (النيوكلاسيكية) أو الكلاسيكية الحديثة، والتي حاولت أن تنظر إلى الأمور نظرة تجمع بين الموضوعية الجامدة للكلاسيكية القديمة والذاتية المتطرفة للرومانسية الجديدة. وقد بدأت هذه المدرسة في الظهور على يد كل من ت. س. اليوت الكاتب والأديب الأمريكي، وأ. أ. ريتشاردز وغيرهم من النقاد المعاصرين.
الانتشار ومواقع النفوذ
● تعد فرنسا البلد الأم لأكثر المذاهب الأدبية والفكرية في أوروبا، ومنها المذهب الكلاسيكي، وفرنسا – كما رأينا – هي التي قننت المذهب ووضعت له الأسس والقواعد النابعة من الأصول اليونانية.
● ثم انتشر المذهب في إيطاليا وبريطانيا وألمانيا.. على يد كبار الأدباء مثل بوكاتشيو وشكسبير.
ويتضح مما سبق :
أن الكلاسيكية مذهب أدبي يقول عنه أتباعه إنه يبلور المثل الإنسانية الثابتة كالحق والخير والجمال، ويهدف إلى العناية بأسلوب الكتابة وفصاحة اللغة وربط الأدب بالمبادئ الأخلاقية، ويعتبر شكسبير رائد المدرسة الكلاسيكية في عصره، ولكن المذهب الكلاسيكي الحديث ينسب إلى المدرسة الفرنسية، حيث تبناه الناقد الفرنسي نيكولا بوالو 1636 – 1711م في كتابه الشهير علم الأدب. ويقوم المذهب الكلاسيكي الحديث على أفكار هامة منها، تقليد الأدب اليوناني والروماني من بعض الاتجاهات، واعتبار العقل هو الأساس والمعيار لفلسفة الجمال في الأدب، فضلاً عن جعل الأدب للصفوة المثقفة الموسرة وليس لسواد الشعب مع الاهتمام بالشكل والأسلوب وما يستتبع ذلك من جمال التعبير، على نحو تتحقق معه فكرة تحليل النفس البشرية والكشف عن أسرارها بأسلوب بارع ودقيق وموضوعي.
● ومن أهم الجوانب التي تستحق التعليق في الكلاسيكية أنها تعلي من قدر الأدبين اليوناني والروماني مع ارتباطهما بالتصورات الوثنية، ورغم ما فيهما من تصوير بارع للعواطف الإنسانية فإن اهتماماتهما توجه بالدرجة الأولى إلى الطبقات العليا من المجتمع وربما استتبع ذلك الانصراف عن الاهتمام بالمشكلات الاجتماعية والسياسية.
المذهب الرومانسي:
اشتق مصطلح الرومانسية من كلمة رومان , وكانت تعني في العصور الوسطى حكاية المغامرات شعرا ونثرا وقد دخلت هذه الكلمة إلى اللغة الانجليزية بهذه الدلالة ثم أصبحت مصطلح يدل على مجموعة هذه الصفات ثم أصبحت تتصف بها بعض الأعمال الأدبية كالعاطفة الشديدة والغرابة ثم أصبحت اسما لهذا المذهب الأدبي الذي يضم هذه الصفات وصفات أخرى .
خلال سيطرة الكلاسيكية على الأدب ونتيجة لتشددها في تطبيق قواعدها المقررة ظهرت في أنحاء متفرقة من أوربا دعوات إلى التحرر منها والتفلت من قيودها العقلية الصارمة مثل الدعوة إلى العقلية المتشددة وظهرت أعمال أدبية لا تنضبط بقواعدها وفي أواخر القرن الثاني عشر الميلادي كثرت الانتقادات الموجهة إليها وتهيأت عوامل أخرى تشجع الاتجاه المناقض لها وأهمها عاملان
1- ظهور تيار فلسفي يدعو إلى الانطلاق بالفكر والتحلل من جميع الضوابط والمفهومات كالتقارير الاجتماعية والقواعد الدينية مع نقد الأسس الفلسفية والاجتماعية التي تقوم عليها الكلاسيكية ويقوم على هذا التيار فلاسفة منتشرون في أوربا وأهمهما جان جاك روسو وهيجل و شاهتور و داليان
2- اضطراب الظروف الاجتماعية والسياسية وما خلفه هذا الاضطراب من أثر فما شهدته أوربا في هذا القرن أي الثاني عشر من أحداث كثيرة أهمها الثورة الفرنسية والحروب الطاحنة بين الدول الأوربية والصراع على المستعمرات وحروب نابليون بونا برت ونتيجة عن هذه الحروب من اضطرابات فكرية زادت من حدتها موجات الإلحاد المتزايدة وقد ترك ذلك في نفوس الأوربيين قلقا شديدا وشعورا بالمرارة وخيبة الأمل وانتشر بينهم ما يسمى اصطلاحا مرض العصر وهو إحساس حاد بالكآبة وضيق شديد من الواقع المعاش وبحث عن مخرج منه , وقد تفاوتت آثارها في هذه الشعوب واختلفت كذلك في أدبهم وظهرت رومانسيات مختلفة ولكنها تجتمع على عدد من الخصائص المشتركة تجعل من الممكن أن نظر إلى رومانسية غربية موحدة
مبادئ الرومانسية :
1- رفض المبادئ الكلاسيكية للأدب ومخالفتها على وجه العموم ويتمثل ذلك في التالي :
• رفض تفوق الأدبين اليوناني والروماني أو اعتبارهم النموذج الأعلى للأدب والدعوة إلى الاهتمام بالآداب القومية واستيحاء التراث المحلي
• رفض الانضباط والتقيد بالقواعد الكلاسيكية أو المقررة كقاعدة الوحدات الثلاث ومنع الفعل العنيف في المسرح وقاعدة فصل الأجناس الأدبية
• رفض النزعة العقلية وما يترتب عليها
• رفض الأسلوب الكلاسيكي المتأنق والدعوة إلى الأسلوب السهل المرسل
• رفض ارتباط الأدب بالمبدأ الأخلاقي
2- ربط الأدب بالعاطفة والوجدان وإعلان المشاعر الذاتية والذوق الفردي وإرجاع مصدر الجمال إلى الذوق وليس إلى العقل كما هو عند الكلاسيكيون.
3- تعظيم شان الخيال وإطلاق حريته في ارتياد الأفاق التي يريدها .
4- الهروب من الواقع ومشكلاته السياسية والاجتماعية
5- الافتتان بالطبيعة والعوالم الغريبة والأحلام
6- التعلق بالحزن والتلذذ بالألم واعتباره فلسفة تطهر النفس وتنشر الإحساس بالكآبة أو مكان يطلقون عليه مرض العصر .
7- التعلق بمعتقد تأليهي غامض يجعل محور التدين الأساسي هو العاطفة والقلب الطيب ويقلل من أهمية الإثم الفردي ويخفف المسؤولية الفردية ويحملها المجتمع وقد كثرت لهذا في أدبه صور البغي الفاضلة واللص الشريف والمجرم الطيب السريرة .
المذهب الواقعي
ترتبط نشأة المذهب الواقعي الذي أعقب الرومانسية انتشار الفلسفات الوضعية والتجريبية والمادية الحديثة في أوربا , وقد أمتد تأثير هذه الفلسفات إلى الفنون والآداب في أبان القرن التاسع عشر الميلادي ومن ثم ظهرت الدعوة إلى الاستفادة من معطيات العلم الحديث والى الاهتمام بالواقع وتطويره وتطبيق النظريات العلمية في إصلاحه وفي فهم الإنسان وفضائله وتوجيه الفن إلى خدمة المجتمع وتقوية روح التعاون بين الناس .
ونتيجة لذلك أهتم عدد من الأدباء بتصوير الحياة الاجتماعية وبالطبقات الدنيا التي أعرض عنها الكلاسيكيون ونسيها الرومانسيون , وتكون من أعماله الأدبية ومن الدراسات النقدية التي نشأت حولها ما سمي بالمذهب الواقعي بمدارسه النقدية المتعددة , وذلك لان رواد هذا المذهب يتفقون في مبادئ رئيسية محددة ومبادئ وأخرى الأمر الذي جعل الواقعية تنتسب إلى واقعيات حديثه وأهمها
الواقعية الإنتقادية ـــ و الواقعية الطبيعية ـــ والواقعية الاشتراكية . وسوف نتناولها إنشاء الله بالتفصيل
الواقعية الإنتقادية
تهتم هذه الإنتقادية بقضايا المجتمع وتركز اهتمامها بشكل خاص على جوانب الفساد والشر والجريمة فهي تنتقد المجتمع في إظهار تناقضاته وعيوبه وعرضها على الناس وتميل هذه الواقعية إلى التشاؤم وتعتبر الشر عنصرا أصيلا للحياة ولذلك تبحث عنه وتتخذ مادتها من واقع الحياة الاجتماعية , وتختار لها هذه الشخصيات وترتيبها وفق معطيات العمل الأدبي , وتعد القصة مجال الواقعية الإنتقادية الأكبر وتليها المسرحية فمعظم إنتاج الواقعيين الإنتقاديين قصص وروايات , ومن أشهر قصصهم رواية الملهاة الإنسانية .
الواقعية الطبيعية
تتفق هذه الواقعية مع الواقعية الإنتقادية في مبادئها وتزيد عليها في تأثرها الشديد بالنظريات العلمية ودعوتها إلى تطبيقها في المجلات الإنسانية وإظهارها في العمل الأدبي , فالإنسان في تصور هذه الواقعية حيوان تسيره غرائزه وحاجاته العضوية ولذلك فإن سلوكه وفكره ومشاعره هي نتائج حتمية لبيئته العضوية ولما تقوله قوانين الوراثة وأما حياته الشعورية والعضلية فظاهرة طفيلية تتسلق على حقيقته العضوية , وكل شيء في الإنسان يمكن رده إلى حالته النسبية وإفرازات غدده وفي هذا التصور نفهم الواقعية الطبيعية وغرضهم في الأدب .
ويعد القصاص الفرنسي ابن زولا رائد هذه الواقعية , وقد كتب قصته الشهيرة الحيوان البشري وليطبق نظريات الطب في الوراثة على أبطال القصة من أجل أن يثبت أن سلوك الإنسان ومشاعره وفكره نتيجة طبيعية , ومن كتبها أيضا فروبير , صاحب القصة الشهيرة مادام موفاري وقد ترجمها إلى العربية دكتور محمد مندور.
الواقعية الاشتراكية
تجسد هذه الواقعية الرؤية الماركسية و الفلسفة المادية ويرى أنصارها أن الأدب مبني على الجانب المادي الاقتصادي في نشأته وميوله ونشاطه وأنه يؤثر في المجتمع بوجه خاص , ولذلك ينبغي توظيفه في خدمة المجتمع وفق الماركسيات الجديدة وتقوية هذه المفاهيم وأن يهتم الأديب في أثاره ومؤلفاته بطبقات الدنيا لاسيما طبقة العمال والفلاحين وأن يصور الصراع الطبقي بينهم وبين الرأس ماليين والبرجوازيين , وأن يجعل الرأس ماليين والبرجوازيين مصدر الشرور في الحياة , فيبينها ويكشف عيوبها وينتصر لطبقة العمال والفلاحين ويظهر ما فيها من جوانب الخير , ومن هذه الزاوية يعد الواقعيون الاشتراكيون مذهبهم متفاعلا وأنه مرجحا لجوانب الخير ويتصورون أن ماركسيتهم سوف تحكم العالم وتحل تناقضاته ويطالبون الأدباء أن يبثوا هذا التصور في الأعمال الأدبية , وبديهي أنهم يرفضون أي تصورات ترتبط بالعقائد السماوية ويعدونها متخلفة وينشرون هذا التصور في قصصهم ومسرحياتهم .
وقد قرر الإتحاد السوفيتي والصين وبقية الدول الشيوعية اعتبار هذا المذهب هو المذهب الرسمي للأدب فيها وكان ميدان هذا المذهب الأساسي هو القصة ثم دخل إلى المسرحية و إلى الشعر ثم بقية الأجناس الأدبية كلها وطالب الأدباء أن يلتزموا في كتاباتهم بالمضمون والأهداف الاشتراكية
المذهب الرمزي
التعريف :
● الرمزية مذهب أدبي فلسفي ملحد، يعبر عن التجارب الأدبية والفلسفية المختلفة بواسطة الرمز أو الإشارة أو التلميح.
- والرمز معناه الإيحاء، أي التعبير غير المباشر عن النواحي النفسية المستترة التي لا تقوى اللغة على أدائها أو لا يراد التعبير عنها مباشرة.
- ولا تخلو الرمزية من مضامين فكرية واجتماعية، تدعو إلى التحلل من القيم الدينية والخلقية، بل تتمرد عليها؛ متسترة بالرمز والإشارة.
- وتعد الرمزية الأساس المؤثر في مذهب الحداثة الفكري والأدبي الذي خلفه.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
● رغم أن استعمال الرمز قديم جداً، كما هو عند الفراعنة واليونانيين القدماء إلا أن المذهب الرمزي بخصائصه المتميزة لم يعرف إلا عام 1886م حيث أصدر عشرون كاتباً فرنسيًّا بياناً نشر في إحدى الصحف يعلن ميلاد المذهب الرمزي، وعرف هؤلاء الكتّاب حتى مطلع القرن العشرين بالأدباء الغامضين. وقد جاء في البيان: إن هدفهم "تقديم نوع من التجربة الأدبية تستخدم فيها الكلمات لاستحضار حالات وجدانية، سواء كانت شعورية أو لا شعورية، بصرف النظر عن الماديات المحسوسة التي ترمز إلى هذه الكلمات، وبصرف النظر عن المحتوى العقلي الذي تتضمنه، لأن التجربة الأدبية تجربة وجدانية في المقام الأول".
● ومن أبرز الشخصيات في المذهب الرمزي في فرنسا وهي مسقط رأس الرمزية:
- الأديب الفرنسي بودلير 1821 – 1967م وتلميذه رامبو.
- ومالارراميه 1842 – 1898م ويعد من رموز مذهب الحداثة أيضاً.
- بول فاليري 1871 – 1945م.
- وفي ألمانيا ر.م. ريلكه وستيفان جورج.
- وفي أمريكا يمي لويل.
- وفي بريطانيا: أوسكار وايلد.
الأفكار والمعتقدات :
من الأفكار والآراء التي تضمنتها الرمزية:
● الابتعاد عن عالم الواقع وما فيه من مشكلات اجتماعية وسياسية، والجنوح إلى عالم الخيال بحيث يكون الرمز هو المعبر عن المعاني العقلية والمشاعر العاطفية.
● البحث عن عالم مثالي مجهول يسد الفراغ الروحي ويعوضهم عن غياب العقيدة الدينية، وقد وجد الرمزيون ضالتهم في عالم اللاشعور والأشباح الأرواح.
● اتخاذ أساليب تعبيرية جديدة واستخدام ألفاظ موحية، تعبر عن أجواء روحية، مثل لفظ الغروب الذي يوحي بمصرع الشمس الدامي والشعور بزوال أمر ما، والإحساس بالانقباض. وكذلك تعمد الرمزية إلى تقريب الصفات المتباعدة رغبة في الإيحاء مثل تعبيرات: الكون المقمر، الضوء الباكي، الشمس المرة المذاق.. الخ.
● تحرير الشعر من الأوزان التقليدية، فقد دعا الرمزيون إلى الشعر المطلق مع التزام القافية أو الشعر الحر وذلك لتساير الموسيقى فيه دفعات الشعور.
الجذور الفكرية والعقائدية:
● لقد انبثقت الرمزية عن نظرية المثل لدى أفلاطون، وهي نظرية تقوم على إنكار الحقائق الملموسة، وتعبر النظرية عن حقائق مثالية، وتقول: إن عقل(*) الإنسان الظاهر الواعي عقل محدود، وأن الإنسان يملك عقلاً غير واعٍ أرحب من ذلك العقل.
● وفي أواخر القرن التاسع عشر تجمعت عوامل عقدية واجتماعية وثقافية لولادة الرمزية على يد: بودلير وغيره من الأدباء:
العوامل العقدية: وتتمثل في انغماس الإنسان الغربي في المادية(*) التي زرعتها الفلسفة(*) الوضعية، ونسيان كيانه الروحي، وقد فشلت المادية والإلحاد(*) في ملء الفراغ الذي تركه عدم الإيمان بالله.
العوامل الاجتماعية: وتتمثل في الصراع الاجتماعي الحاد بين ما يريده بعض الأدباء والمفكرين من حرية مطلقة وإباحية أخلاقية، وبين ما يمارسه المجتمع من ضغط وكبح لجماحهم، مما زاد بتأثرهم بنظرية المثل الأفلاطونية وكتابات الكاتب الأمريكي ادجار الآن بو – الخيالية المتميزة.
العوامل الفنية : وذلك باعتقادهم أن اللغة عاجزة عن التعبير عن تجربتهم الشعورية العميقة، فلم يبق إلا الرمز ليعبر فيه الأديب عن مكنونات صدره.
الانتشار ومواقع النفوذ:
● بدأت الرمزية في فرنسا حيث ولدت أكثر المذاهب(*) الأدبية والفكرية، ثم انتشرت في أوروبا وأمريكا.
● ويكاد يكون هذا المذهب نتيجة من نتائج تمزق الإنسان الأوروبي وضياعه بسبب طغيان النزعة المادية وغيبة الحقيقة، والتعلق بالعقل البشري وحده للوصول إليها، من خلال علوم توهم بالخلاص عند السير في دروب الجمال، ولا شك أن الرمزية ثمرة من ثمرات الفراغ الروحي والهروب من مواجهة المشكلات باستخدام الرمز في التعبير عنها.
ويتضح مما سبق:
أن الرمزية مذهب أدبي يتحلل من القيم الدينية، ويعبر عن التجارب الأدبية الفلسفية من خلال الرمز والتلميح، نأياً من عالم الواقع وجنوحاً إلى عالم الخيال، وبحثاً عن مثالية مجهولة تعوض الشباب عن غياب العقيدة الدينية، وذلك باستخدام الأساليب التعبيرية الجديدة، والألفاظ الموحية، وتحرير الشعر من كافة قيود الوزن التقليدية. ولاشك في خطورة هذا المذهب على الشباب المسلم إن درسه دون أن يكون ملماً سلفاً بأسسه المتقدمة والتي تهدر القيم الدينية.