حرية الإنسان حق أم واجب؟؟*
بقلم: الشيخ محمد علي الحاج
إن مفهوم الحرية الإنسانية في الإسلام يشكل موضوعاً هاماً جداً، وكذلك موضوع كرامة الإنسان حيث يمكن القول بأن الشريعة الإسلامية جاءت من أجل تأمين حرية الإنسان وتكريمه... وجعله حراً كريماً عزيزاً. كما وهناك ترابط وثيق بين الحرية والكرامة، فلا يمكن للإنسان غير الحر أن يعيش بكرامة، وكل إنسان يعيش من دون كرامة فإنه يعيش خارج نطاق الحرية، وبالتالي فهناك تلازم بين الحرية والكرامة.
مفهوم الحرية في الإسلام:
تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات بأنه حر، وأراده الله أن يعيش كذلك، وورد عن الإمام علي بن أبي طالب (ع) أنه قال: «لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً». وحرية الإنسان ليست حقاً له بل هي واجب عليه، ولا شك في أن الإسلام أراد للبشر وللمسلمين أن يعيشوا خارج نطاق الاستعباد والأسر لبعض الحكام والدول والقبائل.. وأراد لنا أن نعيش أعزاء أحرار. ولا شك بأنه لو كان المسلمون سائرين على تعاليم الدين الإسلامي لما وصل الأمر بنا لأن تحتلنا وتتحكم بنا أمريكا وإسرائيل وفرنسا.
وسعياً لأن يكون الإنسان عزيزاً حراً فقد وضع الله سبحانه وتعالى شريعة كاملة، حددت طبيعة العلاقة بين الإنسان وخالقه، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الإنسان والطبيعة وباقي المخلوقات. فطلب الإسلام من الإنسان عبادة الخالق العظيم ما لا يتنافى مع حريته، بل على العكس، فإن الإنسان يؤكد حريته بعبادته لله، وذلك حينما يخرج من العبودية للبشر، ومن الأسر لجميع المخلوقات، ومن الانجرار وراء الشهوات والملذات والماديات... فإنه يسمو فوق جميع ذلك، متوجهاً إلى مَنْ مَنَّ عليه بالحياة ووهبه إياها، ولمن يفيض عليه نعمة وجوده واستمراره، وبذلك يكون قد حصر العبادة بالله دون سواه.
وهناك فرق بين عبادة الله والعبودية للبشر، بأن البشر هم مخلوقون ضعفاء محتاجون لرحمة الله، بخلاف الله عز وجل الذي هو الغني والقادر على كل شيء، مضافاً لكونه خالقنا وبارئنا، ما يجعل أبسط واجباتنا اتجاهه الخضوع له وعبادته.
فالدعوة للدين هي دعوة لتحرير الإنسان من العبودية، وشعار الدين الإسلامي «لا إله إلا الله» بمعنى أننا نرفض عبادة غير الله. وقد قال الله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه)(1).
فعلى الإنسان أن يحدد، إما عبادة الله تعالى، أو عبودية الهوى والشهوة والباطل... وبذلك نعرف حالة هذا الإنسان، فإما أن يكون حراً بحالة توجهه للخالق القوي القادر الصانع... الذي بعبادتنا له نكون قد رفضنا العبودية لالهة الأرض، ولجميع من يشعر الإنسان أنه مأسور له ومقيد به، وحينها يكون الإنسان قد وضع حجر الزاوية في تحرره واستقلاله وعزته...
وفي هذا المجال، فقد سمح الإسلام بحرية إبداء الرأي، وبالحرية السياسية وحرية التعاطي في الشأن العام، وبالحرية الاقتصادية، وبحرية المعارضة، وبحرية الإنسان في السكن حيث يشاء، وبالعمل في أي مهنة شاء... ولكن كل ذلك ضمن ضوابط، وبشرط أن لا تناقض الحرية حقوق الآخرين.
وبالنسبة لحرية المعارضة، فقد سمح الإمام علي (ع) لجميع خصومه ممارسة هذا الحق، فعندما ظهر الخوارج، وكفَّروا الإمام علي (ع) واعترضوا عليه... فلم يتعرض لهم الإمام (ع) بسوء وبقي يعطيهم حقوقهم من بيت مال المسلمين، وعندما أراد أصحاب الإمام علي (ع) أن يقتلوا الخوارج لتكفيرهم الإمام، رفض (عليه السلام) ذلك، وقال لهم: «إن سكتوا تركناهم، وإن تكلموا حاججناهم، وإن أفسدوا قاتلناهم». فبمقتضى هذا الحديث يتبين أن المعارضة بالكلمة مسموح بها، حتى للحاكم الإسلامي، ولكن المحذور يكمن في إفساد المجتمع، كما يقول الإمام علي (ع). وقد شُرّع الجهاد أيضاً، من أجل حماية حرية المسلمين، وعدم السماح لأحد التعدي على كرامتنا وحريتنا واستقلالنا.
قضية الرساليين: الحرية
حافل تاريخ البشرية، وتاريخ الإسلام بأروع الأحداث والوقائع البطولية في مواجهة أعداء الحرية، وكل من يعمل لاستعباد الأمم والشعوب.. وقد ورد ذكر عدد من الأنبياء الذين قاموا بهذا الدور، منهم نبي الله إبراهيم (ع) الذي وقف في وجه النمرود، كذلك فقد كسر الأصنام داعياً للتحرر من العبودية. كما وحدثنا القران الكريم عن النبي موسى (ع)، الذي وقف في مواجهة فرعون وحلفائه، وذلك بهدف وقف استعباد الناس، وتأمين حريتهم وكرامته. ونفس الشيء فعل السيد المسيح (ع) الذي واجه أعداء كثيرين، وقد كان ظرف السيد المسيح (ع) في فترة استشراء عبودية المادة والشهوات.
وكذلك فعل رسول الله (ص) الذي كسر الأصنام ورفض الانصياع للطواغيت، وطالب الناس بالتخلص من عبودية زعمائهم ووجهائهم... الذين تحولوا لطواغيت استعبدوا الناس. وأبرز حادثة تجلّت فيها البطولة بأبهى صورها هي واقعة كربلاء، حيث إن رفض الاستعباد وسلب الحريات كلّف بذل الأرواح والدماء.
فهذا الحسين (ع) رفض الحياة في ظل نظام لا يُؤَمِّنُ حداً أدنى من الحرية، لذلك قال (ع): «ألا وإن الدعي قد ركز بين اثنين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة». وقال في مورد آخر: «لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد».
مفهوم كرامة الإنسان في الإسلام:
قال الله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم)(2). فقد فضل الله بني آدم على غيرهم من المخلوقات، وكرمهم بأن جعل لهم الدنيا وما فيها تحت تصرفهم، وقد خلقها من أجلهم... كما وخلق الله الإنسان بصورة حسنة وجعل له عقلاً يفكر ويتدبر به، ما أوصل الإنسان لأن يتطور ويتقدم ويقوم باكتشافات مهمة جداً، واختراعات كثيرة.. كما وكرم الله الإنسان بإرسال الكثير من الأنبياء لكي يوجهوا البشر ويرشدوهم ويصوبوا مسارهم حاملين معهم شريعة الله تعالى، هذه الشريعة التي تضمن للإنسان حريته وكرامته واستقامة أمره. كذلك فقد كرم الله بني البشر بأن جعلهم مخيرين في أفعالهم وأقوالهم، وجعل البشر أسياد هذا الكون من خلال قوله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة)(3).
فالإنسان في الإسلام هو الأساس في المخلوقات، والمخلوقات كلها كانت من أجله بما فيها الأرض والشمس والقمر والبحار والأنهار والحيوانات والنباتات، وكذلك الأمر بالنسبة للجنة والنار والملائكة، حيث خلقت الدنيا والآخرة وما فيهما ليكونا مكاناً للإنسان وموطناً له.
المساواة في الإسلام
جاء الإسلام في ظرف تسيطر عليه الروح القبائلية والعشائرية والعرقية ويسوده الاستعباد والاسترقاق، مضافاً للمفاضلة بين البيض والسود. بداية نادى الإسلام بالمساواة، ورفض أي معيار للمفاضلة بين البشر إلا على أساس العمل الصالح والتقوى، وقال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)(4). فلا ميزة بالانتساب لأي قبيلة، ولا مكان للعصبية العائلية والعشائرية، ولذا قال (ص): «من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه». وقال أيضاً (ص): «وإن ولي محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وأن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته». وفي نفس الوقت الذي ورد في القران الكريم: (تبت يدا أبي لهب وتب). فقد ورد عن رسول الله (ص): «سلمان منا أهل البيت».
وهذا النظام الطبقي الذي كان في الجزيرة العربية بين العبد والسيد والأسود والأبيض والذكر والأنثى وبين العربي والعجمي.. لم يقتصر على هذه المنطقة في العالم، بل تعداها حتى شمل معظم أرجاء العالم، في ذلك الزمن، وفي أزمنة سابقة ولاحقة. وفي أوروبا (في العصور الوسطى) كان هناك نظام الطبقات الذي يميز بين طبقة النبلاء وطبقة رجال الدين، وطبقة الشعب الكادح الفقير، وفي مناطق أخرى كان الملوك ورؤساء القبائل والسادة والأشراف يشكلون طبقة، وكان هناك تفاضل بين قبيلة وأخرى وبين فخذ من قبيلة وفخذ آخر. ودعوة المساواة بين بني البشر نادى بها الإسلام، وقال رسول الله (ص): «إن الله تبارك وتعالى قد أذهب بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها، إلا إن الناس من ادم وادم من تراب، وأكرمهم عند الله أتقاهم». وقد ركّز هذا المفهوم رسول الله (ص) في نفوس المسلمين، حتى أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) بعد أن ضربه عبد الرحمن بن ملجم على رأسه قال(ع): «يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون في دماء المسلمين خوضاً تقولون: قتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلنّ بي إلا قاتلي، أنظروا إذا أنا مت من ضربتي هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا يُمثل بالرجل، فإني سمعت رسول الله(ص): إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور». فنجد أن علياً في آخر ساعاته وهو في وضع صعب، يطلب أن يقتصر الأمر على عبد الرحمن بن ملجم دون غيره، لذا يقول: «لا يقتلنّ بي إلا قاتلي» ثم يطلب(ع) التأكيد من أن موته كان من جراء الضربة حين يقول: «أنظروا إذا مت من ضربتي هذه فاضربوه ضربة بضربة» وبعد ذلك يطلب(ع) أن لا يمثل به وأن تحترم جثته. فما أعظم هذه التربية وما أعظم هذا المسلك، أمير المؤمنين على فراش موته ويطلب من أبنائه وأقاربه الرحمة بقاتله والرأفة به، وعدم التمثيل.
ولم يكن ذلك إلا لأن الإسلام جعل لكل شيء عقاباً وثواباً، وقدّر الأمور ووضع ضوابط وحدوداً. وفي مورد آخر جعل الإسلام حدوداً للرق وشرّع العديد من تشريعاته لمحاولة تقليصه ومن ثم القضاء عليه، والاسترقاق سابق على الإسلام بزمن طويل، وكان منتشراً في جميع بقاع العالم، في الصين والهند وبلاد فارس، وفي مصر والسودان واليونان.
وأما بالنسبة للشريعة اليهودية فقد أجازت لأتباعها الاسترقاق، والمسيحية لم تحرك ساكناً.. إلى أن جاء الإسلام فوضع حدوداً لم تكن موجودة، من قبل وذلك في سبيل الوصول لمرحلة خالية من الرق والعبودية.. وبالفعل فقد نجح الإسلام في القضاء على العبودية.
وزيادة في تكريم الإنسان، فقد قال رسول الله (ص): «سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه»(5). فقد حرّم الإسلام غيبة الإنسان وشتمه والكلام عليه، وكل ما يؤدي لانتهاك كرامة الناس، والسخرية منهم. كذلك كرّم الإسلام الإنسان حتى بعد وفاته، فأوجب تجهيز الميت وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه. كما وأن تشريع الحدود والديات، كان من أجل حفظ أرواح الناس وأموالهم، ومنعاً للاستهانة وإلحاق الضرر بهم.
الوحدة الإسلامية طريق للحرية والكرامة:
وأخيراً، فإن الوحدة الإسلامية، بين جميع المسلمين سنة وشيعة، هي طريق لحريتنا ولتحررنا من جميع دول الاستكبار والهيمنة، وطريق نصل عبرها للكرامة والعزة، فقوتنا بوحدتنا، ويد الله مع الجماعة، وتشتت المسلمين وتفرقهم لن يلحق بنا إلا الخسائر والضعف والتراجع والانحطاط، وتمزقنا سيجعلنا ضعفاء يلعب بنا أعداء الإسلام وأعداء الإنسانية، لذا فإنه بالإتحاد قوة، وبالإتحاد نمنع تسلط القوى الكبرى علينا
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
اسمي مهدي مرغاد ادرس في وقاد لخميسي السنة الثالثة متوسط 3م1 وشكرا