مصطفى محمد كريم(أثناء العام الثاني من دراستي الجامعية جُبت أنحاء المكتبة بحثًا عن موضوع بعينه، ثم سألت أمينة المكتبة عن المكان الذي يمكن أن أجد فيه كتاب يبحث في العقل، وكيفية استخدامه، فدلتني مباشرة الي القسم الطبِّي، وحينما شرحت لها أنني لا أريد أن أتعرف علي تشريح العقل، وإنما أريد أن أعرف كيفية استعماله، أجابتني في أدب بأنه لا يوجد كتب كهذه)، لقد كانت تلك الشرارة الأولى التي جعلت أحد رواد التنمية البشرية في العصر الحديث، وهو توني بوزان يفكر في وسيلة مبتكرة للاستفادة من العقل على الوجه الأكمل.
نعمة منسية:
وقبل أن نلقي الضوء على تلك الوسيلة الذهبية التي اخترعها توني بوزان، دعنا ـ عزيزي القارئ ـ نتحدث عن تلك النعمة المنسية، وهي العقل.
لقد منحنا الله تبارك وتعالى نعمة هي من أعظم نعمه علينا، وكل نعمه عظيم، ألا وهي تلك النعمة المنسية، نعمة العقل الذي يقول عنه د.عبد الكريم بكار أنه (أعظم ما وهبه الله تعالى لبني آدم بعد نعمة الإيمان، لكنهم لا يستفيدون منها على الوجه الصحيح، فقد دلت بحوث كثيرة في مجالات مختلفة على أن العقل البشري لم يستخدم إلا في حدود 1% من طاقته الحقيقية).
ومن هنا كان لابد لك ـ عزيزي القارئ ـ أن تعمل على زيادة استغلالك لطاقات عقلك الكامنة، فأنت كلما تعلمت كيفية استخدام عقلك بصورة أفضل فيما هو نافع ومفيد، كان ذلك أكثر شكر لنعمة الله تعالى عليك، ومن أبرز الأدوات الحديثة التي تساعدنا على استخدام عقولنا بطريقة أكثر فعالية هي الخرائط الذهنية.
الوسيلة الذهبية:
إن الخرائط الذهنية هي الطريقة الأسهل لتخزين المعلومات في مخك، واستخراجها منه، إنها وسيلة إبداعية فعالة؛ لتدوين الملاحظات التي ترسم الخرائط لأفكارك وهي طريقة في غاية البساطة.
والخريطة الذهنية تشبه إلى حد كبير خريطة المدينة؛ فمركز الخريطة الذهنية يقابله مركز المدينة، ويمثل ذلك فكرتك الأهم، بينما تجد الطرق المتشعبة من المركز تمثل الأفكار الرئيسية في عمليتك الفكرية، أما الطرق الثانوية فتمثل أفكارك الثانوية.
والسبب الذي دفع "توني بوزان" لاختراع لتلك الوسيلة الذهبية، هو قصة معاناته مع الدراسة بداية من المدرسة ومرورًا بالجامعة, إلا أنه كان دائم البحث عن حل لهذه المشكلة, فمنذ الصغر كان يحب تدوين الملاحظات لكن كلما ازدادت هذه الملاحظات أصبحت مذاكرته أسوأ وأصبح تفكيره مشوشًا, فبدأ في محاولة لتلافي هذه المشكلة وذلك بوضع الكلمات والأفكار المهمة داخل إطار وتحديدها بألوان, لاشك أن هذا مثَّل فارقًا في تحسن التفكير والذاكرة.
ومع ذلك يقول "توني بوزان": (في السنة الأولي لي في الجامعة ـ وكنت لا أزال أعاني من التفكير المشوش ـ أعجبت بالإغريق القدماء لأنني عرفت أنهم قد أكتشفوا أساليب مكنتهم من تقوية الذاكرة حيث كان بإمكانهم استرجاع مئات وآلاف الحقائق بصورة دقيقة، وكانت نظم تخزين المعلومات في الذاكرة عند الإغريق تقوم على تخيُّل العديد من الأمور والربط بينها ذهنيًّا, الأمر الذي اكتشفت عدم وجوده في ملاحظاتي).
من هنا خرجت فكرة "خريطة العقل" والتي تعد الوسيلة الذهبية لاستخدام العقل والتي نستطيع أن نعرفها بأنها هي تلك الأداة الرائعة البسيطة في تنظيم الفكر.
فوائد الخرائط الذهنية:
1
. تنظيم التفكير:حيث تسمح الخرائط الذهنية بتنظيم الحقائق والأفكار بنفس الطريقة الفطرية التي يعمل بها العقل، وبنفس شكل الخلية العصبية؛ ومن ثم يكون تذكر واستحضار المعلومات في وقت لاحق سيصير أمرًا أسهل، وأكثر فاعلية مقارنة بالأساليب التقليدية لتدوين الملاحظات، وهذا ما يؤكده توني بوزان مخترع هذه الوسيلة حين يقول: (خريطة العقل هي تلك الأداة الرائعة في تنظيم التفكير).
2. زيادة التركيز:
حيث تسمح الخرائط الذهنية بتجميع كميات كبيرة من المعلومات والأفكار في مكان واحد؛ مما يوضح الصورة الإجمالية لما تقرأه أو تذاكره، كما أنها تمكنك من ربط العناصر المختلفة ببعضها البعض، وإيجاد علاقات بينها، مما يعمل على تركيز المعلومة في الذهن، وربطها بغيرها من العناصر.
3. السرعة:
حيث تسمح الخرائط الذهنية لك بإلقاء نظرة سريعة شاملة على موضوع كبير، أو مسألة متشعبة في وقت قصير، وبالتالي تعمل على توفير وقت أطول؛ من أجل مراجعة تلك الموضوعات.
4. مزيد من الإبداع:
خصوصًا في حل المشكلات، أو استنباط الأفكار الجديدة؛ حيث تقدم لك الخرائط الذهنية سيلا من الأفكار والعناصر الفرعية والتفاصيل الجزئية، وبالتالي تمنحك وفرة من الأفكار والمعلومات، تستطيع أن تساعدك في إيجاد حلول بديلة ومبتكرة.
5. المتعة والتسلية:
حيث تقوم باستخدام الألوان، والخطوط المتعرجة، والرموز، والكلمات، والصور، والرسومات، مما يعينك على تحويل المعلومات من الصورة التقليدية المملة إلى شكل ملون منظم يسهل تذكره.
مفتاح الخريطة:
"فاكهة"، عندما تقرأ كلمة فاكهة وتغمض عينيك فهل أول ما يطرأ على ذهنك الحروف المتقطعة لكلمة: ف ا ك هـ ة ؟
بالطبع لا, فلعل ما طرأ على ذهنك كان عبارة عن شكل إحدى أنواع الفاكهة المفضلة لديك, وربما سلة فاكهة أو محل بيع فاكهة... وهكذا.
بهذه الطريقة يعمل ذهنك؛ تكوين مجموعة من الصور المتخيَّلة عن أفكار وعناصر الموضوع ثم الربط بينها فيما يسمى بشبكات الربط الذهني.
وهذه هي الخطوات السبع التي تساعدك علي تكوين خريطة العقل المثلى:
1- قم بإحضار ورقة بيضاء وابدأ في منتصفها؛ لأننا عندما نبدأ في المنتصف فإننا بذلك نعطي الحرية لذهننا ليتحرك في جميع الاتجاهات ويعبر عن نفسه بمزيد من الحرية.
2- استخدم أحد الأشكال أو إحدى الصور للتعبير عن الفكرة المركزية والعناصر, فالصورة أفضل من ألف كلمة, وهي تشكل إثارة أكبر وتجعلك تحافظ على مواصلة انتباهك وتساعدك على التركيز.
3- استخدم الألوان أثناء رسم الخرائط؛ لأن الألوان تعمل على إثارة الذهن.
4- أوصل الفروع الرئيسية بالشكل المركزي, وفروع المستويين الثاني والثالث بفروع المستويين الأول والثاني... وهكذا, واحرص على أن تكون الخطوط منحنية لأن الخطوط المستقيمة وحدها قد تصيبك بالملل, وهكذا تحدث عملية الربط الذهني على أكمل وجه.
5- استخدم كلمة رئيسية واحدة في كل سطر بحث تكون معبرة عن الفكرة, فهذه الكلمة الواحدة تكون قادرة على التحفيز وسهلة الحفظ أكثر من الجمل.
6- اجعل الخطوط المتفرعة متعرجة وليست مستقيمة؛ لتسهل على ذهنك تذكرها.
7- استخدم أقل عدد ممكن من الكلمات التي تعبر عن الأفكار الفرعية والثانوية؛ لأن ذلك يجعل الخريطة الذهنية أكثر تركيزًا فلا تشتت ذهنك، ويمكنها أن تحتوي أكبر قدر ممكن من الأفكار والمعلومات.
فتظهر الخريطة على النحو المبين بالشكل التالي:
Valider
مجالات استخدام الخرائط:
تستطيع أيضًا أن تستخدم هذه الخرائط لتنظيم حياتك فيمكنك من خلالها أن تستخدمها في:
1-جدولة أعمال اليوم:
فيمكنك أن تستخدم الخرائط الذهنية لتنظيم حياتك اليومية وتحقيق أهدافك المحددة, فتستطيع مثلًا أن تذكر نفسك كل صباح برسالتك في الحياة وتنطلق منها كفكرة مركزية في أهدافك اليومية, ثم تحدد هذه الأهداف التي تصب جميعها في خدمة هذه الرسالة, ولكل هدف يمكنك أن تحدد الوسائل التي توصلك إليه والوقت المتاح له وأهميته بالنسبة لباقي الأهداف.
فمن خلالها تستطيع أن تقلل الوقت المهدر في يومك وتستفد منه استفادة كبيرة, كما أنك برسم هذه الخريطة تستطيع أن تسهل عملية تذكر الأهداف والوسائل وبالتالي تستفيد من يومك أفضل استفادة.
2- تلخيص الأفكار:
فيمكنك تلخيص كتاب في صفحة واحدة، ومن ثم تستطيع أن تفهم من خلالها بعض الأمور التي تكون في ثنايا الكتب وذلك بالنظرة الشاملة لهذه الخريطة, وبالتالي تصل إلي الهدف الرئيسي للكتاب ومعرفة خلفية كتابته والأفكار المحورية فيه.
3-وضع خطة لحياتك:
وذلك في جميع المجالات، بداية من العلاقات الاجتماعية والوظيفة والرياضة والتطوير الشخصي والعلمي وحتى العلاقات الأسرية, وذلك بوضع أحلامك وأهدافك المثالية والسبل الموصلة لها.
4-زيادة القدرة على الاستيعاب:
فإذا تخيلنا مكتبة مفهرسة نحاول أن نضيف كتابًا فيها, فلاشك أنه من السهل علينا عمل ذلك, وهكذا يكون مع العقل إذا كان منظمًا ومرتبًا.
وماذا بعد الكلام؟
1. ابحث عن موضوع صعب لا تستطيع تذكر ما فيه، وقم باستخدام الخرائط الذهنية في تلخيص هذا الموضوع.
2. قم بتعليق الخريطة الذهنية على جدران غرفتك، فوق مكتبك، أو أي مكان آخر تكرر النظر إليه.
3. قم بقراءة الخريطة الذهنية قبل النوم مباشرة فهذا يقوي من ذاكرتك.
وختامًا:
لاشك أن تغيير طريقة تفكيرك وإدارتك لعقلك سيتحول إلي تغيير كبير في نمط حياتك، تستطيع معه أن تنجز الكثير من الأهداف في وقت قليل.
وفي الختام لا نستطيع أن نصف مثل هذه الطريقة في التفكير ـ التي تتميز بكل هذه الحلول لكثير من المشكلات التي تواجهنا في حياتنا ـ بأقل مما قال "توني بوزان" عنها حيث وصفها بأنها (أداة التفكير الخارقة التي ستغير وجهة حياتك).
أهم المراجع:
1- كيف ترسم خريطة العقل, توني بوزان.
2- 50 شمعة لإضاءة دروبكم، د.عبدالكريم بكار.
3- الخريطة الذهنية .. خطوة خطوة، د.نجيب الرفاعي.
4- خريطة العقل, توني بوزان.