ملخص البحث:
تتجلى في سورة يوسف عدة مواضيع نفسية هامة، تشكل دروساً وعبراً لمن أراد التعلم والاعتبار؛ فالسورة حافلةٌ بمشاهد تتجلى فيها انفعالات الغيرة، والحزن، والغضب، والخوف، والسرور، وبمشاهد الابتلاء للنبي يوسف - عليه السلام - ابتلاء بغيره الإخوة، وابتلاء بالفتنة، وابتلاء بالسجن، وابتلاء بالملك والقوة، وفي السورة أيضاً مشهد لابتلاء النبي يعقوب - عليه السلام - بفقدان ابنه، وفقدان بصره، ومشهد لصبره الطويل، وعدم تسرب اليأس إلى قلبه رغم معاناته الشديدة. وتبين السورة أن طول الابتلاء - مهما طال - لا يعني اليأس من روح الله، والسورة حافلة أيضاً بمشاهد تتحقق فيها الرؤى؛ رؤيا صاحبَيْ يوسف في السجن، ورؤيا الملك، ورؤيا يوسف - عليه السلام.
تعليق على الرؤى الثلاث في سورة يوسف:
1- الملاحَظ أن كل الرؤى رمزية في مضمونها وأشخاصها، ويتطلَّب فهمها تأويل الرموز الواردة فيها.
2 - أن للرؤى دلالات ثقافية مرتبطة بالبيئة الجغرافية؛ وبدون فهم الثقافة السائدة؛ لا يمكن فهم وتأويل الرؤيا، فالرؤيا الأولي: (ليوسف - عليه السلام -) تتعلق برموز فلكية (الشمس، والقمر، والكواكب)، وهي رمز للعلوّ، وتتضمن تلك الرؤيا موضوع السجود؛ والسجود لا يكون إلا لعظيم (الله، الملك). والرؤيا الثانية: (لأصحاب يوسف في السجن)، تتضمن (الخمر، والخبز، والطير). والرؤيا الثالثة: (للملك) ذات مضمون زراعي (سنبلات، وبقرات).
3 - أن الرُّؤَى ذات قيمة تنبُّئيَّة؛ أي: القدرة على استكشاف ما سيجري في المستقبل، سواء كان هذا المستقبل قريباً أم بعيداً.
4 - أن الرُّؤَى قد لا تتحقق إلا بعد مرور سنوات عديدة، كما هو الشأن في رؤيا يوسف.
5 - أن الرُّؤَى تؤثر في الجانب الوجداني في الإنسان، فغالباً ما تحيره وتقلقه، وقد تدهشه وتحزنه، كما قد تسرُّه!! فالرؤيا قد تحمل بُشْرَى كما قد تحمل نذيراً؛ وبالتالي فهي تؤثر في أبعاد الإنسان: الوجدانية، والعقلية، والسلوكية.
6 - ليس كل ما يراه الإنسان في الأحلام عبارة عن رُؤَى؛ فقد يكون بعض ما يراه الإنسان في المنام أضغاث أحلام، وبالرغم من ذلك؛ فإن لهذه الأضغاث معاني وأهدافاً، ولكنها لا تحمل بالضرورة قيمة تنبُّئيَّة.
7 - قد تدل الأحلام على الصراعات، وإشباع الرغبات التي لا يستطيع الفرد إشباعها في اليقظة، ولكن الرؤيا غير ذلك؛ إذ أن قيمتها تتمثل في التنبُّؤ أساساً.
8 - تأتي الرؤيا واضحةً، وإن كانت بصفة رمزية، وقد تتكرر نفس الرؤيا عدة مرات، بينما تأتي الأحلام غير واضحة، ويقع فيها خلط، ولذا تسمَّى بالأضغاث؛ فالأضغاث جمع ضِغْث، وهي حزمة من الحشيش التي تخلط فيها الأعشاب الطرية بالأعشاب اليابسة؛ وكذلك تكون الأحلام مختلطة في أغلب الأحيان.
يوسف القائد:
بالإضافة إلى ما اتصَّف به يوسف - عليه السلام - من حسن الخَلْق والخُلُق، وما آتاه الله من العلم والحكمة؛ فقد برزت صفة القيادة في شخصيته؛ إذ بمجرد ما شعر بتقريب الملك له، ورغبة هذا الأخير في تحميله مسؤوليةً ما، ومكافأته على صبره، وعلى ما أبداه من الحكمة والمعرفة، تبرَّع بعرض خدماته لتحمُّل مسؤولية الخزينة والاقتصاد.
لقد أدرك يوسف أن البلاد ستعرف سبع سنين من الرخاء، تعقبها أزمةٌ اقتصاديةٌ تدوم سبع سنوات أيضاً، يسودها القحط والجفاف والمجاعة، مما يستدعي قيادةً تتميز بالأمانة والعلم؛ وهاتان خاصَّتان أساسيتان في القيادة، وخاصةً في المجال الاقتصادي، أمانةٌ وعلمٌ خلال سنوات الرخاء؛ حتى لا يحدث الإسراف والتبذير، والمحاباة وخدمة المصالح الشخصية، وعلمٌ بفنون التسيير، والتقويم، والتخطيط، والتنظيم، والتنفيذ، والإنتاج، وكذلك الأمانة والعلم خلال سنوات الأزمة؛ حتى يتحمَّل الناس عواقبها الوخيمة بالعدل، وتحقيق حسن التوزيع، وترشيد الاستهلاك، والتخطيط للخروج من الأزمة بتجنيد القوى العاملة إلى أقصى الحدود، وتشجيع الناس على الإنتاج أكثر من الاستهلاك؛ لتحقيق النمو الاقتصادي.
وهكذا مُكِّن ليوسف - عليه السلام - في الأرض؛ فأصبح يتبوَّأ منصباً رفيعاً، تحيطه العناية الإلهية في جهوده القائمة على إتقان العمل والإخلاص فيه، والسعي حثيثاً لتحسين فنون الزراعة، وما يرتبط بها من سقي، وتعهُّد، ورعاية، وحصاد، وجمع، وتخزين، وتوزيع. ولابد أن يكون الإنتاج في سنوات الرخاء أعلى من الاستهلاك، ولابد أن يكون احتياطي الموارد الغذائية كبيراً، ومبنيّاً على حسابات دقيقة؛ بحيث يغطي هذا الاحتياطي حاجة المجتمع خلال سنوات الأزمة.
ومما يستخلص من هذا الموقف:
أولاً: حاجة التنمية الاقتصادية - وتنمية المجتمع بصفة عامة - إلى قيادة رشيدة، من خصائصها الرئيسة: العلم، والأمانة، وإتقان العمل، وما ينضوي تحتها من خصائص فرعية.
ثانياً: ينبغي أن يكون السلوك الإنتاجي مدروساً؛ بحيث يحقِّق فائضاً في الإنتاج؛ فلا يمكن أن تتحقق تنميةٌ اقتصاديةٌ إذا كان الإنتاج مساوياً للاستهلاك، ويزداد الأمر سوءاً إذا كان الإنتاج أقل من الاستهلاك، كما هو الحال في الدول المتخلفة. وقد أفاض مالك بن نبي - مثلاً - في شرح العلاقة بين الحقوق والواجبات، والإنتاج والاستهلاك [10].
ثالثاً: يتطلب التمكُّن والتمكين في الأرض خصائص قيادية، كنتيجة للعلم والحكمة، والتمحيص والابتلاء، والخبرة والممارسة.
رابعاً: تتطلب القيادة المرتبطة بالوحي والإيمان والتقوى الاعتقاد الجازم في الحصول على الأجر في الآخرة، وأنه أحسن من كل أجر، بالإضافة إلى الخصائص الأخرى المشار إليها أعلاه.
ومسَّ القحط والجدب مصر والمناطق الأخرى، وبدأت القوافل تتوافد على خزينة الملك للحصول على المواد الغذائية - (الحبوب خاصةً) - التي تولى يوسف - عليه السلام - الإشراف على توزيعها، وجاء أخوته ضمن مَنْ جاء، فعرفهم، ولكنْ لم يعرفوه، وكيف يعرفونه وهم قد تخلصوا منه، وباعوه بثمن بخس، وتوقعوا له مصيراً سيئاً؟! ولاشك أن يوسف قد اندهش لرؤية إخوته، ولكنه لم يُبْدِ دهشته؛ بل ونجح في التحكم في انفعالاته، وضبط سلوكه كما ينبغي؛ فوفَّاهم الكيلَ، وعاملهم بإحسانٍ، وأنزلهم منزلاً حسناً.
ويتطلب منَّا هذا السلوك وقفة تأمل؛ لنرى أن يوسف الذي أُلقي في الجُبِّ، ويوسف الذي تعرض للفتنة، ويوسف الذي سُجن بضع سنين، ويوسف الذي تولى خزائن الأرض، قد أُرشد بالوحي خلال كل هذه المراحل من جهة، وأُنضج بالتجارب والخبرات المتعددة والمثيرة من جهة أخرى، وهذا ما جعل سلوكه مع إخوته وغيرهم يتَّسم بالنضج، والرُّشد، والاتِّزان الوجداني.
بالإضافة إلى هذا؛ فإن ليوسف هدفاً هاماً، وهو الإتيان بأخيه الشقيق إلى مصر؛ لكي يراه ويطمئن على أبيه. قد استعمل يوسف الترغيب والترهيب للحصول على هذا الهدف، فقال: {ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} [يوسف:59]. ولا يخفى أن استعمال الترغيب أهمُّ من استعمال الترهيب للحصول على الهدف؛ ولذلك فقد عمد يوسف - عليه السلام - أولاً إلى استقبال إخوته استقبالاً جيداً، وإنزالهم منزلاً طيباً، وجهَّزهم أحسن تجهيز.
وبعد ذلك عمد إلى الترهيب، وذلك بتهديدهم بعدم الكيل لهم، وعدم الاقتراب منه إذا لم يحضروا أخاهم من أبيهم المرة القادمة، وقد نجحت خطة يوسف - عليه السلام - في إقناع إخوته بضرورة إحضار أخيهم، وزيادةً في الضغط على إخوته، فقد أمر بإرجاع بضاعتهم لكي يستخدموها كحجة عند أبيهم حتى يقتنع بضرورة إرسال شقيق يوسف معهم بالفعل؛ فقد قالوا لأبيهم بأنهم قد مُنعوا من الكيل؛ إلا أن يرسل معهم أخاهم، واعدينَ بأنهم سيحمونه: {فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [يوسف:63]. ولكنَّ أباهم لم يصدِّق وعدهم، وكيف يصدِّقهم وقد وعدوه من قبل حمايةَ يوسف، ثم ادَّعوا بأن الذئب قد أكله؟! وطافت ذكرى يوسف الحزينة بذهن النبي يعقوب - عليه السلام - فذكَّر نفسه وأبناءه بأن الله هو {خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 64].
وعندما فتح الأبناء متاعهم اكتشفوا أن بضاعتهم قد رُدَّت إليهم مع الكيل؛ فأصيبوا بالدهشة، وبشيءٍ من الغضب والحزن على ذلك؛ فراحوا يستخدمون ردَّ البضاعة كورقة ضغط نفسيٍّ على أبيهم؛ فقالوا: {يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} [يوسف:65]. لكنَّ أباهم الذي هزته ذكرى يوسف الحزينة لم يقتنع بسهولة، وهذا أمر طَبَعِيٌّ؛ لأن تغيير اتجاه شخص ما نحو أشخاص آخرين كان قد اتخذ موقفاً سلبيًّا ضدهم، يتطلب جهداً كبيراً في التأثير على جوانبه العقلية والوجدانية مجتمعة، وبالفعل؛ فإن أباهم لم يقتنع حتى أعطوه عهداً ومَوْثِقاً من الله بحماية أخيهم، وعدم التفريط فيه، وأَشْهَدَهم الله - تعالى - على ما قالوا.
وكشأن الآباء المهتمين بأبنائهم؛ راح النبي يعقوب - عليه السلام - يوصي أبناءه بعدم الدخول من باب واحد عند وصولهم إلى مصر؛ بل ينبغي لهم الدخول من أبواب متفرقة، فلماذا أوصاهم أبوهم بذلك؟ وما هي الحاجة التي أخفاها يعقوب في نفسه؟
يقال أن عدد إخوة يوسف هو أحد عشر أخاً، وتفسَّر نصيحة أبيهم بأن يدخلوا من أبواب متفرقة بخوفه عليهم من الإصابة بعيون الحاسدين، ورغم دخول أبناء يعقوب من أبواب متفرقة، "إلا أنهم أصابهم ما أصابهم من تفرُّق وافتضاح" كما قال الزَّمَخْشَرِيُّ في "تفسيره". ويقول الزَّمَخْشَرِيُّ في تفسيره "الكشاف" عن الإصابة بالعين، إنه: " يجوز أن يُحْدِثَ اللهُ - عزَّ وجلَّ - عند النظر إلى الشيء والإعجاب به نقصاناً فيه وخللاً من بعض الوجوه، ويكون ذلك ابتلاءً من الله، وامتحاناً لعباده؛ ليتميز المحقِّقون من أهل الحشو؛ فيقول المحقِّق: هذا فعل الله، ويقول الحَشَوِيُّ: هو أثر العين، كما قال – تعالى -: {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا} [المدثر : 31]. وعن النبي - صلي الله عليه وسلم - أنه كان يعوِّذ الحسنَ والحسينَ، فيقول: ((أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل عين لامَّة، ومن كل شيطان وهامَّة)) [6، ص333].
وقد يُردُّ على رأي الزَّمَخْشَرِيِّ هذا برأي أهل السنة والجماعة، الذين يرون أن العين حقٌّ، وأن تأثير العين من قبيل ربط الأسباب بالمسبِّبات، كربط الإحراق بالنار، وأن الفاعل الحقيقي هو الله تعالى [ 11، ص488].
ومهما يكن؛ فإن موضوع (الإصابة بالعين) في حاجة إلى مزيد من الدراسات الشرعية والنفسية والثقافية؛ لتوضيح حقيقتها، وكيفية إحداث التأثير في الآخرين، وسبل علاجها بالرُّقية الشرعية مثلاً.
ورغم احتياط النبي يعقوب - عليه السلام - بهدف حماية أبنائه، فقد كان يعلم تماماً بأن ذلك الاحتياط - الدخول من أبواب متفرقة - لن يغني عنهم من الله شيئاً؛ فلله الحكم، وعليه فليتوكل المتوكلون. وهنا حكمةٌ بالغةٌ تتجلى في إيمان يعقوب - عليه السلام - بضرورة التوكل على الله - تعالى - واعتقاده الجازم بأن الحكم بيده – تعالى - ورغم اعتقاده الجازم، فإن ذلك لم يمنعه من اتخاذ الأسباب الضرورية، واعتماد الاحتياطات المناسبة لحماية أبنائه مما قد يصيبهم إن دخلوا من باب واحد، وفي هذا الموقف تمييزٌ واضحٌ بين التوكل والتواكل.
لم تكن نصيحة النبي يعقوب - عليه السلام - لأبنائه صادرةً من قلب أبٍ رحيمٍ شفيقٍ على أبنائه فحسب؛ بل إن نصيحته قائمةٌ على علمٍ أيضاً، وهذا العلم مما آتاه الله إيَّاه، حيث وصفه الله تعالى بقوله: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف:68]. وتشير الآية الكريمة إلى أن هذا العلم مما يجهله أكثر الناس، ولذلك لم يخبر أبناءه لماذا ينبغي لهم الدخول من أبواب متفرقة؛ بل كتم حاجته من وراء ذلك، ولاشك أن الأبناء قد قبلوا نصيحة أبيهم، وعملوا بها؛ ففرح لذلك، وانشرح صدره.
وأقبل إخوة يوسف مع أخيهم غير الشقيق؛ فانفرد يوسف - عليه السلام - بأخيه الشقيق، فكشف له عن شخصيته الحقيقية، فقال: {إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [يوسف:69]. لقد أراد يوسف أن يدخل السرور إلى قلب أخيه، وطرد الحزن منه جرَّاء ما كان يرتكبه إخوته الآخرون من حماقات، وكانت لحظاتٍ رائعةً، سادتها الدهشة والمفاجأة السارَّة، وفرح اللقاء بعد أحزان الفراق. ولكم أن تتصوروا سرور أخوَيْن شقيقَيْن التقيا بعد عدة سنوات من الحزن وانعدام بارقة أيِّ أمل، ويشاء الله ويمهد الأسباب للقاء الأخوَيْن في مكانٍ لم يخطر لهما من قبل على بال، ولكم أن تتخيلوا دهشة شقيق يوسف عندما يكشف له شقيقه عن شخصيته، وكيف لا يندهش وقد أُخبر من طرف إخوته أن الذئب قد افترس يوسف، وجاؤوا بقميصه ملطخاً بالدماء؟! كيف لا يندهش، وقد رأى بأمِّ عينيه دماً على قميص شقيقه؟! والآن يرى بأم عينيه يوسفَ وقد تبوَّأ مكانةً عظيمةً في قصر الملك؟! كيف لا يفاجأ، بينما لم يكن طموحه في مجيئه مع إخوته إلى مصر يتعدى الحصول على كيل بعير من الحبوب، والرجوع به إلى أبيه سالماً مع إخوته؟!.
وتتوالى المفاجآت، حيث ينادي المنادي إخوة يوسف، ويتهمهم بالسرقة، فيصابون بالدهشة والتعجب، فيقبلون على المنادي يستفسرون عمَّا ضاع، ويتعجب إخوة يوسف أكثر عندما يسمعون أن صِوَاع الملك قد سُرق، وأنه قد رُصدت مكافأةٌ لمَنْ يجده، وأن المنادي متحمسٌ جداً للحصول على المكافأة، ونلاحظ هنا قوة الدَّافعية عند المنادي، وتأثيرها في سلوكه بفعل المكافأة المغرية (حمل بعير). وتحت تأثير المفاجأة الشديدة والاتهام القوي، راح إخوة يوسف يحلفون لدفع التهمة عنهم، بأنهم ما جاؤوا إلى مصر ليفسدوا في الأرض، أو ليسرقوا، وإنما جاؤوا تجاراً، يستبدلون سلعة بسلعة.
ولكن ما هو جزاء إخوة يوسف إن وُجد صِوَاع الملك في رحالهم؟ لابد أن يعترفوا بجرمهم، وأن يقبلوا حكم الملك - أو من ينوب عنه – فيهم، كيف لا يقبلون بحكم الملك وهم ينكرون أنهم سارقون، وأنهم مفسدون، أو أنهم كاذبون؟!.
وبدأ التفتيش، ولتضليل إخوة يوسف بأن الأمر غير مدبَّر؛ بدأ في تفتيش أوعية إخوته غير الأشقاء قبل وعاء أخيه الشقيق، ولكنَّ الصِّوَاع لم يوجد إلا في رَحْل أخيه، وبهذا الإجراء الذي اتخذه يوسف؛ تمكَّن من أن يضمن بقاء أخيه معه بطريقة قانونية، وهذا يتطلَّب علماً، وفوق كل ذي علم عليم.
واندهش إخوة يوسف، وأخذتهم المفاجأة؛ فأصيبوا باضطراب شديد ظهر على وجوههم، وفي حركاتهم، وبعد استيعاب الصدمة تفطَّنوا إلى ضرورة الدفاع عن أنفسهم، وتبرير ما حدث بأيِّ شكل من الأشكال، فلم يجدوا عذراً ولا مبرِّراً مقبولاً إلاَّ أن يتهموا أخاهم بالسرقة، مضيفين إلى ذلك اتهام يوسف نفسه بالسرقة؛ وكأن لسان حالهم يقول: إن أخانا غير الشقيق قد سرق مثلما سرق أخوه الشقيق من قبل، بينما نحن الإخوة الأشقاء لسنا سارقين؛ فالعيب في الأخوَيْن الشقيقَيْن - يوسف وأخوه - وليس فينا.
ورغم صدور هذا الاتهام الخطير من طرف شبانٍ ثبتت عليهم السرقة؛ فلم يكن في وسع يوسف - عليه السلام - إلا أن يكون حليماً معهم، ولم يظهر ما شعر به بسبب هذا الاتهام، بل أخفى انفعالاته. ورغم ذلك؛ فإنه لم يتمالك نفسه في وصف إخوته بأنهم أشراراً {شَرٌّ مَّكَاناً} [يوسف:77]، وأنه يترك ما يصفون به يوسف وأخاه لله – تعالى- الذي يعلم كل شيء، وكأن يوسف بهذا القول يريد أن يوقظ الضمير عند أخوته، ويشعرهم بالذنب لما اقترفوه في حقِّ يوسف عند إلقائه في الجُبِّ، وبيعه مثل العبيد، وأكل ثمنه، ثم اتهامه بالسرقة.
ورغم صعوبة الموقف الذي وجد أخوه يوسف أنفسهم فيه أمام حاكم قوي، أقام عليهم الحجة بالسرقة، فقد تذكروا وعدهم لأبيهم بالحفاظ على أخيهم؛ فراحوا يستعطفون العزيز – يوسف - أن يأخذ أحدهم مكان أخيهم، مبرِّرين استعطافهم من جهةٍ بكبر سنِّ أبيهم {شَيْخاً كَبِيراً} [يوسف:78] الذي لن يتحمل صدمة ضياع ابنه الثاني، وبمدح العزيز ووصفه بالإحسان من جهةٍ أخرى، ونلاحظ هنا أن حجة إخوة يوسف في استعطافهم للعزيز قائمةٌ أساساً على تجنيد الجانب الوجداني عند العزيز؛ لعله يلين ويستجيب لاستعطافهم، ولكنَّ ردَّ العزيز كان منطقياً وعقلانياً؛ إذ رفض استعطافهم مبرِّرا ذلك بإقامة العدل؛ إذ ليس من العدل أن يأخذ شخصاً ما بجريرة شخصٍ آخر، وكيف يقام العدل إذا أُطلق (المجرم) الذي ثبتت عليه (السرقة)، وسُجن (البريء)؟!.
ألجم منطق العزيز ألسنة الشبان الذين أصيبوا بإحباط شديد، وفقدوا الأمل في إقناع العزيز واسترجاع أخيهم؛ فأخذوا يتناجون فيما بينهم ويتشاورون، فالموقف صعبٌ ومحرجٌ بالنسبة إليهم للغاية، سواءٌ أمام العزيز، أم أمام أبيهم الذي أخذ منهم مَوْثِقاً في عدم التفريط في أخيهم؛ وقد ذكَّرهم بهذا المَوْثِق أخوهم الأكبر، كما ذكَّرهم بتفريطهم في يوسف من قبل؛ إذ إن التفريط في أخيهم هذا سيضاف إلى تفريطهم في يوسف من قبل، مما سيُفقد مصداقيتهم عند أبيهم، ولذا أصرَّ أخوهم الأكبر على البقاء في مدينة العزيز؛ حتى يتلقى إذناً من أبيه بالمغادرة، أو يجعل الله له أمراً، وهو خير الحاكمين. ويطلب منهم أخوهم الأكبر بشيءٍ من الغضب الممزوج بالحزن أن يرجعوا إلى أبيهم، ويرووا له ما حدث بالضبط؛ قولوا لأبيكم: إن ابنك قد سرق ونحن نشهد على ذلك فقد أُخرج الصِّوَاع من رَحْلِه أمام أعيننا. وقولوا له: إن لم تصدِّقنا فاسأل القافلة التي جئنا فيها، واسأل أهل المدينة. وقولوا له أيضاً: لقد آتيناك مَوْثِقًا من الله أن نحافظ على أخينا، ولكنَّنا لم نكن نعلم الغيب، ولم نكن ندري بأنه سيسرق صِوَاع الملك، واشرحوا له أن هذه الحقائق كلها شهادات على صدقنا، وأنني قد بقيت هنا في انتظار أوامره؛ التزاماً بالعهد الذي عاهدناه عليه.
فكيف كان ردُّ فعل النبي يعقوب - عليه السلام - أمام هذا الخَطْب الجليل؟ ها هو ابنه الثاني يضيع منه كما ضاع يوسف من قبل، وسبب الضياع تهمة السرقة، وأي سرقة؟ سرقة صِوَاع الملك الذي أخرج من رَحْلِه أمام الملأ. ولا شك، أن الخبر طارت به الركبان، وانتقل من فاهٍ إلى فاهٍ، ومن قافلةٍ لقافلةٍ، ومن قبيلةٍ إلى أخرى.
ورغم تأكيد أبنائه لصدقهم؛ فإن النبي يعقوب - عليه السلام - لم يصدِّقهم، واتهمهم بأن أنفسهم قد دفعتهم ليدبِّروا مكيدةً لأخيهم، كما دبَّروا مكيدةً ليوسف من قبل، ولكن النبي يعقوب - عليه السلام - لم يجد دليلاً على اتهامهم؛ فاكتفى بالإشارة ملتجِأً إلى الصبر الجميل، متيقِّناً بأن الله - تعالى - سيجمعه مع ابنَيْه، كما يقتضي علمه وحكمته.
لم يجد النبي يعقوب - عليه السلام - بُدّاً من الابتعاد عن أبنائه؛ فقد أصبح لا يطيق الموقف، واستولى عليه الحزن الشديد (الاكتئاب)؛ بل أصيب بصدمة شديدة من الإحباط والاكتئاب أثرت في عينيه؛ فكُفَّ بصره، لعجزه عن التعبير الصريح عن ألمه، وتفريغ شحنات غضبه وحزنه جرَّاء تصرفات وأقوال أبنائه، وقد أدَّى به كبت انفعالاته إلى إصابته بكفِّ البصر، وفي هذا دليلٌ واضحٌ على كيفية تأثير الجانب الانفعالي في الجانب الجسمي - الحزن الشديد والعمى في هذه الحالة. وفي هذه الحالة إشارة إلى أن كبت الانفعالات قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية - جسمية ( اكتئاب، عمى، قرحة ... الخ)، وليس الكبت الجنسي فقط هو الذي يؤدي إلى الاضطرابات النفسية، مثل العمى الهستيري، أو الشلل الهستيري، كما ادَّعى ذلك فرويد في (نظرية التحليل النفسي).
وفي الواقع؛ فإن حزن يعقوب - عليه السلام - كان شديداً وطويلاً إلى حدٍّ بَالَغَ فيه بعض المفسرين؛ فقال الزَّمَخْشَرِيُّ في "تفسيره" – مثلاً - يصف حزن النبي يعقوب، وطول مدته:
"الحزن كان سبب البكاء الذي حدث منه البياض؛ فكأنه حدث من الحزن. قيل: ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاماً، وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب. وعن رسول الله - صلي الله عليه وسلم – : أنه سأل جبريل - عليه السلام –: ((ما بلغ من وجد يعقوب على يوسف؟)) قال: وَجْدُ سبعين ثكلى. قال: ((فما كان له من الأجر؟)) قال: مائة شهيد، وما ساء ظنُّه بالله ساعةً قطُّ" [6، ص339]. وبعد أن يورد الزَّمَخْشَرِيُّ هذه الرواية دون مناقشة مدى صحتها عقلاً ونقلاً، وخاصةً فيما يتعلق بعدد سنوات الحزن، انتقل إلى مناقشة الحالة النفسية للنبي يعقوب؛ فقال: "فان قلتَ: كيف جاز لنبيِّ الله أن يبلغ به الجزع ذلك المبلَغ؟ قلتُ: الإنسان مجبولٌ على أن لا يملك نفسه عند الشدائد من الحزن، ولذلك حُمد صبره، وأن يضبط نفسه؛ حتى لا يخرج إلى ما لا يحسن.
ولقد بكى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ولدَه إبراهيم، وقال: ((القلب يجزع، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الربَّ، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون)). وإنما الجزع المذموم ما يقع من الجهلة من الصياح والنياحة، ولطم الصدور والوجوه، وتمزيق الثياب" [6، ص497].
ومما جاء في "الكشاف" أيضاً بخصوص موقف الرسول - صلي الله عليه وسلم - من الانفعالات: أنه قيل له - عليه الصلاة والسلام -: تبكي وقد نهيتنا عن البكاء؟ قال: ((ما نهيتكم عن البكاء، وإنما نهيتكم عن صوتَيْن أحمقَيْن: صوت عند الفرح، وصوت عند التَّرَح)) [6، ص498].
وقد تفطَّن أبناء يعقوب لما يعانيه أبوهم من حزنٍ شديدٍ، ولما قد ينجرُّ عن ذلك من اضطرابات؛ بل ومن هلاك: {قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} [يوسف:85]. فما كان جواب يعقوب - عليه السلام - على تعليق أبنائه؟ لم يرد النبي يعقوب - عليه السلام - أن يشكو حزنه وألمه الشديد لأبنائه، مقتصراً في ذلك على الله – تعالى - ذلك لأنه قد علم من الله - تعالى - ما لم يكن أبناؤه يعلمون، فماذا كان يعقوب - عليه السلام - يعلم من الله – تعالى -؟
أمر يعقوب - عليه السلام - أبناءه أن يذهبوا يتحسَّسوا أخبار يوسف وأخيه، مما يدل على اعتقاده الجازم بأن يوسف ما يزال حيّاً، وأن الله - تعالى - سيجمعه معه ومع أخيه؛ ولم يكتف النبي يعقوب - عليه السلام - بإصدار الأمر؛ بل أوصى أبناءه ألاَّ يصيبهم اليأس في البحث عن يوسف وأخيه، والحصول عليهما؛ إذ ليس من صفات المؤمنين اليأس من رَوْح الله؛ فالله رحيم كريم. وهنا يفتح النبي يعقوب - عليه السلام - أمام أبنائه باب التفاؤل بدلاً من التشاؤم، وطريق الخير بدلا من الشر، وسبيل الأخذ بالعزيمة والأسباب بدلاً من التخاذل، والإحباط، وروح الهزيمة والتواكل، رغم ما كان يعانيه.
وجهز أبناء يعقوب - عليه السلام - بضاعتهم ليقصدوا عزيز مصر مرةً أخرى للمقايضة، والحصول على صدقاته، ودخلوا على العزيز على خجلٍ واستحياء، وهم يشكون إليه الضُّرَّ الذي مسَّهم وأهلهم جرَّاء الجدب والقحط، وعرضوا عليه بضاعتهم، راجين منه أن يتصدَّق عليهم، وهم يدعون الله له أن يجزيه خير جزاء.
وحان الوقت الذي ينبغي أن يكشف فيه العزيز عن سرِّه لأبناء يعقوب - عليه السلام - ففاجأهم بقوله: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ} [يوسف:89]. لم تكن المفاجأة في سؤال العزيز عن يوسف وأخيه فقط؛ بل في صيغة السؤال؛ حيث وجَّه إليهم سؤالاً استنكاريّاً، قرن العزيز فيه بين يوسف وأخيه من جهة، ووصف فيه سلوكهم بالجهل من جهة أخرى، ولعل صيغة السؤال ومؤشرات أخرى - قد تكون غير لفظية - هي التي نبَّهت أبناء يعقوب - عليه السلام - إلى أنهم بحضرة أخيهم يوسف.
ورغم المفاجأة الشديدة التي صعقتهم، فقد راحوا يتأملون بتمعن وجه العزيز، ويتبادلون النظرات وهم يهمسون، و{قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ} [يوسف:90]!!! ولمراقب هذا المشهد أن يتصور مدى الانفعال الشديد الذي أصاب إخوة يوسف جرَّاء المفاجأة، وجرَّاء انكشاف الحقيقة أمامهم، ولا شك أن ألسنتهم قد شُلَّت للحظات، وانسحب الدم بسرعة من وجوههم الشاحبة، ودقَّت قلوهم بسرعة فائقة، وارتجفت أوصالهم فَرَقاً وخجلاً من فعلهم الشنيع مع يوسف، وترقُّباً للخطر الذي أحدق بهم؛ فطأطؤوا رؤوسهم خوفاً وخجلاً.
احتفظ العزيز بهدوئه المعتاد، وأكدَّ لهم أنه هو يوسف ومعه أخوه، شاكراً نعم الله عليهما، مذكرا إياهم بأن التقوى والصبر هما وسيلتان للحصول على الأجر والثواب من عند الله، وتنبغي الإشارة هنا إلى اقتران التقوى بالصبر، مما يدل على الارتباط القوي بين الصفتين، وتأثيرهما في السلوك عند ارتباطهما.
وهذا الارتباط يدلنا على أن الصبر الحقيقي هو القائم على التقوى والإحسان، وليس الصبر القائم على الانهزام النفسي، والإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنك تعتقد اعتقاداً جازماً بأنه يراك، وإذا كنتَ في موقف البلاء والامتحان؛ فإنك تعتقد جازماً بأنه يراك ويرعاك. ويعضد هذه الحقيقة قوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3].
ويدلنا أيضاً هذا الارتباط بين التقوى والصبر على كيفية تأثير الجانب الروحي – التقوى - في الجانب السلوكي – الصبر - وقد تجلى تقوى يوسف في سلوكه مع امرأة العزيز، ونسوة المدينة، وصاحبيه في السجن، وفي تأويله لرؤيا الملك، وفي تسييره لشؤون اقتصاد البلد خلال سنوات الرخاء، وخلال سنوات الكساد الاقتصادي، ويتجلى أيضاً في سلوك يوسف مع إخوته الذين كانوا في موقف ضعف شديد؛ بل وفي موقفٍ مخجلٍ ومخْزٍ، لم يكن أمامهم فيه بُدٌّ إلا الاعتراف بخطئهم، والإقرار بأن الله - تعالى – قد فضَّل يوسف عليهم، وأن هذا الفضل والإيثار ليس من طرف أبيهم؛ بل هو من فضله - تعالى - على يوسف، الذي حباه – تعالى - بأجمل الصفات والسمات الخَلْقِيَّة والخُلُقِيَّة؛ إعداداً له لمواقف صعبة، ومواقع قيادية عالية، ليست المسؤولية فيها هينة.
لم يعمد يوسف إلى تجريح شعور إخوته، كما لم يستغل الضعف الشديد الذي كانوا عليه أمامه؛ بل عمد إلى رفع اللوم عنهم، والدعاء بأن يغفر الله لهم زلاَّتهم، وهو أرحم الراحمين. فانظر كيف قابل القائد العظيم الخطأ بالعفو، و"العفو عند المقدرة"، وكيف بدَّل انفعالاتهم السلبيَّة الشديدة - خوف وخجل - بالدعاء والاستغفار لهم؛ لتطمئن قلوبهم، وتسكن جوارحهم، مذكِّراً إيَّاهم برحمة الله، وهو أرحم الراحمين.
وبعد أن يسكن روعهم، وينالوا قسطاً من الراحة، يطلب يوسف من إخوته أن يذهبوا بقميصه إلى أبيهم، ويرموه على وجهه؛ ليرتدَّ إليه بصره، كما يطلب منهم أن يحضروا أهلهم أجمعين؛ ليكرمهم ويقرِّبهم إليه، لما في ذلك من صلةٍ للرحم، ولنا وقفةٌ هنا مع قميص يوسف - عليه السلام -.
قميص يوسف:
ما هي العلاقة بين قميص يوسف واسترداد البصر؟ قد يقال: إن القضية كلها تتعلق بمعجزة، وعليه؛ فلا داعي للبحث: لماذا شُفي بصر النبي يعقوب - عليه السلام - بعد إلقاء قميص يوسف - عليه السلام - على وجهه.
ولكنَّ التفسير بالمعجزة وتصديق المعجزات لا يمنع المرء من البحث والاستكشاف؛ فقد حاول مثلاً مختصٌّ في طب العيون بمصر أن يجيب عن هذا السؤال، من خلال إجراء بحث تجريبي؛ لاستكشاف تأثير العَرَق في علاج بعض أمراض العيون، فعزا استرجاع البصر إلى عَرَق يوسف، الذي كان جافًّا على القميص، ولقد وجد هذا الطبيب من خلال البحث التجريبي الذي أجراه أن العَرَق يشفي من بعض أمراض العيون [12].
هذا تصورٌ للعلاقة التي قد تكون بين القميص واسترداد البصر، ومنهجٌ في البحث العلمي قائمٌ على التجريب، ولكن من الممكن تفسير هذه العلاقة تفسيراً آخراً، لاشك أن العرق الجاف في قميص يوسف يحمل رائحةً خاصةً به، يعرفها النبي يعقوب - عليه السلام - تمام المعرفة، وكيف لا يعرفها وقد تعوَّد ضمَّ يوسف إلى صدره؟! ثم إن الشخص الكفيف البصر غالباً ما تكون حاسة الشم عند مرهفة، وكذلك الحواس الأخرى، وعندما شمَّ النبي يعقوب - عليه السلام - رائحةَ القميص، أدرك أن القميص قميص يوسف، وأن الرائحة رائحته؛ فهو إذًا ما يزال حيّاً بالتأكيد، وأنه قد أرسل قميصه إليه كرسالة تُرجع إليه أملُه بقرب لقائه مع يوسف وأخيه.
ولاشك، أن هذه الرسالة كانت بمثابة صدمة إيجابية؛ أي أنها صدمةٌ في الاتجاه المعاكس للاكتئاب الشديد الذي أصيب به النبي يعقوب - عليه السلام - الذي صُدم بفقدان أعزِّ ولديْن لديه، وصُدم - دون شك - بسلوك أبنائه، وأصيب بخيبة أملٍ شديدةٍ جرَّاء سلوكهم الذي حركته انفعالات سلبيَّة شديدة، تمثلت في الغيرة من يوسف، وحقدهم على أبيهم؛ اعتقاداً منهم بأنه كان يفضِّل يوسف عليهم.
وقد حاول بعض المفسرين تفسير تأثير القميص في بصر النبي يعقوب بعوامل أخرى، حيث أورد الألوسي مثلاً عدة روايات، مفادها أن هذا القميص هو القميص المتوارث عن إبراهيم - عليه السلام - والذي كان في تعويذ يوسف، وأنه من قُمُص الجنة، وكان لا يقع على عاهة من عاهات الدنيا إلا أبرأها بإذن الله – تعالى. أو أنه كان القميص الذي قُدَّ من دُبُر [ 13، ص52].
وأورد الألوسي أيضاً: أن عودة البصر إلى النبي يعقوب "ليس إلا من خرق العادة، وليس الخارق بدعاً في هذه القصة" [ 13، ص55]. ويروي الألوسي تفسير ابن عباس الذي يتمثل في أن الله - تعالى - أشمَّ النبيَّ يعقوب ما عبق بالقميص من ريح يوسف - عليه السلام - من مسيرة ثمانية أيام، وفي روايةٍ عن الحسن: من مسيرة ثلاثين يوماً، وقيل: عشر ليالٍ [ 13، ص53]. وروى بعضهم - كما أورد الألوسي ذلك أيضاً - أن الريح استأذنت في إيصال عرق يوسف – عليه السلام – فأذن الله تعالى لها، وقال مجاهد: "صفقت الريح القميص؛ فراحت رواح الجنة في الدنيا، واتصلت بيعقوب - عليه السلام - فوجد ريح الجنة، فعلم أنه ليس في الدنيا من ريحها إلا ما كان من ذلك القميص؛ فقال ما قال" [13، ص53].
ومما يلاحظ هنا أن الألوسي نفسه قد أورد تفسيراً نفسياً لطيفاً لعودة بصر النبي يعقوب - عليه السلام – حيث قال: " أنه - عليه السلام - انتعش حتى قويَ قلبه وحرارته الغريزية؛ فأوصل نوره إلى الدماغ، وأدَّاه إلى البصر، ومن هذا الباب استشفاء العشاق بما يَهُبُّ عليهم من المعشوق، كما قال الشاعر:
وَإِنِّي لأَسْتَشْفِي بِكُلِّ غَمَامَةٍ يَهُبُّ بِهَا مِنْ نَحْوِ أَرْضِكِ رِيحُ
وقال آخر:
أَلاَ يَا نَسِيمَ الصُّبْحِ مَا لَكَ كُلَّمَا تَقَرَّبْتَ مِنَّا فَاحَ نَشْرُكَ طِيباَ
كَأَن سُلَيْمَى نُبِّئَتْ بِسِقَامِنا فَأَعْطَتْكَ رَيَّاهَا فَجِئْتَ طَبِيباَ
[ 13، ص55 ].
وأورد الألوسي أيضاً تفسيراً طبيّاً للظاهرة، وإن كان لا يتفق مع هذا التفسير الطبِّي، حيث قال: "يمكن أن يقال: لعل يوسف - عليه السلام - علم أن أباه ما عرا بصره ما عراه إلا من كثرة البكاء وضيق القلب؛ فإذا أُلقي عليه؛ فلابد أن يشرح صدره، وأن يحصل في قلبه الفرح الشديد، وذلك يقوى الروح، ويزيل الضعف عن القوى؛ فحينئذ يقوى بصره، ويزول عنه ذلك النقصان، فهذا القدر ما يكفي معرفته بالعقل؛ فإن القوانين الطبية تدل على صحته، وأنا لا أرى ذلك" [ 13، ص53].
لم يناقش الألوسي مختلف التفاسير التي أوردها، ولم يتعرَّض إلى مدى موافقتها للمنطق أو للتجربة، بل اعتبر أغلبها - إذا استثنينا التفسير الأخير الذي لم يتفق معه - من باب الخوارق. والسؤال إن كان الأمر كما أوردتْ ذلك بعض التفاسير: لماذا لم تصل رائحة يوسف إلى النبي يعقوب - عليه السلام - من قبل، عندما كان يوسف في الجُبِّ، أو في السجن، أو حتى بعد خروجه من السجن؟ والسؤال الآخر الذي قد يُطرح: لماذا أغفل المفسرون ما ورد في الآية من ضرورة إلقاء القميص على وجه النبي يعقوب ليرتدَّ بصيراً؟
وقد يطرح هنا سؤال مُفاده: كيف عرف يوسف أن إلقاء قميصه على وجه أبيه سيُرجع إليه البصر؟ والجواب: أن ذلك قد يكون بالوحي، كما قد يكون نتيجة الخبرات الطبية والنفسية المعروفة آنذاك. ومهما يكن؛ فإن العلاج لحزن النبي يعقوب - عليه السلام - كان علاجاً (نفسياً - فسيولوجياً)، تمثَّل في استعمال الروائح (ريح يوسف)، وفي صدمةٍ قويةٍ تمثلت في إلقاء قميص يوسف على وجه يعقوب - عليه السلام - ولنتذكر أن إخوة يوسف قد أحضروا قميصه إلى أبيه وهو ملطخ بالدماء.
وقد يسند هذا الافتراض ما جاء في تفسير الألوسي أيضاً: أن أحد إخوة يوسف أصر على أن يكون هو حامل قميص يوسف إلى أبيه، حيث احتج بقوله: "قد علمتم أني ذهبت إلى أبي بقميص التَّرْحَة، فدعوني أذهب إليه بقميص الفَرْحَة. فتركوه" [ 13، ص54].
وبعد هذه المناقشة البسيطة، قد يُكتفى بالقول بأن الموضوع كله لم يكن إلا معجزةً من الله - تعالى - ولا شك.
والظاهر من النص القرآني، أن النبي يعقوب - عليه السلام - كان ذا حاسة شمٍّ مرهفةِ جدّاً؛ إذ شم رائحة يوسف قبل إلقاء القميص على وجهه، حيث جاء في هذا المعنى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ} [يوسف:94]. ولا عجب أن تكون لدى بعض الأشخاص - وخاصة مكفوفي البصر والسمع - حاسة الشم قوية، خاصةً في بيئة جوها غير ملوث؛ حيث يكون انتشار الروائح أسرع وأشمل، وهذا معروف بالملاحظة. وعلى كلٍّ؛ فإن هذه الاجتهادات لا تنفي وجه المعجزة في هذا الشأن، وأن الله على كل شيء قدير.
ولكن جلساء يعقوب شكَّكوا في إحساسه، واتهموه بالضلال، غير أن مجيء البشير وإلقاء القميص على وجه النبي يعقوب - عليه السلام - وارتداد بصره إليه أدهشهم؛ فأخذوا يحملقون فيه، وهم لا يكادون يصدِّقون ما يرونه بأعينهم. أما سرور النبي يعقوب - عليه السلام - بالبُشْرَى فلا يمكن قياسه إلا قياساً كيفيّاً، تجلَّى في استرداد البصر بعد سنين طويلة من البكاء والحزن، حتى ابيضَّت عيناه، وهذا يدلنا على أن الأنباء السارة والبشائر العظيمة قد تفعل في الجسم ونفسية الإنسان ما لا يمكن تصوره، من ردود الأفعال، وأنماط السلوك المختلفة كاسترجاع البصر بعد العمى، واسترداد النطق بعد البكم، والحركة بعد الشلل.
ولكن سرور النبي يعقب - عليه السلام - لم يمنعه من تذكير أبنائه بما قال لهم سابقاً، بأنه قد يعلم من الله ما لا يعلمون، ولم يكن ذلك - بالتأكيد - إلا وحياً، وأمام الدليل الذي قام أمام أعينهم؛ لم يتمالك أبناء يعقوب إلا الاعتراف بذنوبهم وأخطائهم؛ فترجُّوا أباهم بحرارة أن يستغفر الله لهم. ولك عزيزي القارئ أن تتصور مدى الشعور بالذنب الذي أحس به أبناء يعقوب جرَّاء أخطائهم، فتجلَّى شعورهم هذا في الكلمات التي استعملوها؛ حيث قالوا: {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف:97]. فاعترفوا بالأخطاء وبالذنوب والشعور بالذنب، ولولا هذا الشعور ما طلبوا من أبيهم أن يستغفر الله لهم، لكنَّ طلبهم هذا وطلبهم من يوسف ذلك من قبل - ولا شك - كان سبيلاً للتخلص من الشعور الشديد بالذنب والخجل.
وإذا كان الاعتراف في القانون هو سيد الأدلة؛ فإنه من الناحية النفسية يخلِّص النفس البشرية من الصراع الذي قد تقع فيه، ومن الشعور الشديد بالذنب الذي يعذبها أشد العذاب، قد يتجاوز أي نوع من أنواع التعذيب الذي قد يتعرض له المذنب لو أقرَّ واعترف بذنبه، وإذا كان بعض المذنبين يعترفون بذنوبهم؛ للاستفادة من الظروف المخفَّفة نتيجة الاعتراف، فإن بعضهم يعترفون بذنوبهم لإراحة ضمائرهم - أولاً وقبل كل شيء - من العذاب النفسي الذي يعانونه.
وحزم النبي يعقوب - عليه السلام - أمتعته القليلة فوق جماله الهزيلة، ويمَّم وجهه شطر مصر مع أبنائه؛ للالتقاء بيوسف وأخيه، ويصلون إلى مصر منهوكي القوى بعد سفرٍ مُضْنٍ عبر صحارٍ وأراضٍ جرداءَ مقفرةَ.
وصل خبر وصولهم إلى العزيز، فيخرج مع أخيه وحاشيته لاستقبال أهله أحسن استقبال، ويُجلس أبوَيْه على أريكتين فخمتين، ولا يتمالك النبي يعقوب - عليه السلام - وحرمه وأبناؤه أنفسهم دون السجود للنبي يوسف - عليه السلام - لما رأوه من عظمة المُلْك، وجلال الموقف، وروعة المكان، وبديع الفنون، وحرارة الاستقبال. كما لم يتمالك يوسف - عليه السلام - نفسه من التعبير عن سروره، وشكره لله – تعالى - على ما حباه به من التفضيل، والمنزلة الرفيعة، والدرجة العالية؛ فذكَّر أباه برؤياه، ملمِّحاً إلى تأويلها بالموقف الذي وجدوا أنفسهم جميعا فيه، وهل هناك أحسن من وقوع الرؤيا كحقيقة تُرى بعد أن كانت نبوءة في عالم الغيب؟! وراح يوسف يعدِّد نعم الله - تعالى - عليه وعلى أهله، والتي تمثلت في:
- تحقُّق رؤياه التي رآها في طفولته.
- إخراجه من السجن بعد أن كادت له امرأة العزيز.
- مجيء أهله من البدو إلى الحضر، واجتماعه بهم.
- فشل الشيطان في الإيقاع والتفريق بينه وبين إخوته.
ولم يُغفل النبي يوسف - عليه السلام - بعد الحمد والشكر عن الدعاء بحسن الخاتمة؛ حتى يتوفاه الله مسلماً، ويلحقه بالصالحين من الأنبياء والشهداء، وحسن أولئك رفيقاً.
كل هذه الأحداث التي شكَّلت قصة يوسف - عليه السلام - والابتلاء الذي مرَّ به خلال مختلف مراحل حياته؛ في طفولته عندما ألقى في الجُبِّ، وفي شبابه عندما افتتنتْ به امرأة العزيز، وكادت أن توقعه في حبائلها، ووضعه في السجن لرفضه الرضوخ لشهواتها، وفي رجولته عندما تولى تسيير اقتصاد مصر خلال سبع سنوات من الرخاء، ثم خلال سبع سنوات أخرى من الكساد الاقتصادي، عبارةٌ عن دروسٍ وعبرٍ لمن أراد أن يعتبر.
ولا شك أن السنوات التي قضاها يوسف - عليه السلام - في الحكم والتسيير قد مكَّنت يوسف من إقامة العدل والقسط بين الناس، ومحاربة الفساد والمحاباة، والظلم والعدوان، واللامبالاة، لقد كانت سنواتٌ لإرساء القيم الإيجابيَّة، وقلع جذور الممارسات السلبيَّة، وإعلاء كلمة الله، والإحسان إلى عباده.
هذه الأحداث كانت من أنباء الغيب التي لم يطَّلع عليها النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل الوحي، الذي شكل المصدر المعرفي الوحيد لنبينا – صلى الله عليه وسلم - وإلا لكانت الإسرائيليات قد طغت على معارفه، ولشوَّهت قصصه ورواياته.
وتأتينا قضيةٌ هامةٌ بعد هذه القصة، تكررت كثيراً في القرآن الكريم، وهي إقرار حقيقة، وهي أن أكثر الناس ليسوا بمؤمنين، وأن أكثرهم لا يشكرون، وأن أكثرهم لا يعلمون، وقد تكرر هذا التأكيد عدة مرات في القرآن الكريم، ويعضِّد هذا التكرار ما يُلاحظ بخصوص أغلبية سلوك الناس في هذه القضايا.
وقد جاء هذا التأكيد على موقف أغلبية الناس، ولو حرص النبي على إيمانهم، وقام بدعوتهم على أحسن ما يرام؛ فالقصة كلها عبرةٌ لمن أراد أن يعتبر من أولي الألباب، ولم تكن هذه القصة مفتراةٌ من النبي – صلى الله عليه وسلم - الذي كان أميناً، ولو كان من الذين اطَّلعوا على قصص التوراة والإنجيل؛ لجاءت روايته: إما مفتراةً كما افترى بنو إسرائيل وغيرهم على أنبيائهم، وإما مشوَّهةً يغلب عليها الخيال الجامح البعيد عن حقيقة الأحداث التي وقعت فعلاً ليوسف - عليه السلام - في مختلف مراحل عمره، ولحقيقة الأحداث من رخاء وكساد، التي حدثت في تلك الحِقْبة التاريخية.
ولعل هذه الرواية الصادقة التي صدرت عن مصدر معرفي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تصديقٌ للوحي الذي صدر من ربِّ العالمين للأنبياء والرسل - عليهم السلام - قبل نبينا – صلى الله عليه وسلم - عبر مراحل التاريخ.
وليس الهدف الخالد لهذا الوحي إلا إرساء دعائم الهدى والرحمة للمؤمنين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
خلاصة:
ماذا يُستخلص من قصة يوسف - عليه السلام - في القرآن الكريم؟
القصة والسورة - بصفة عامة - غنية بالعظات والعبر، كما أنها غنية بالسنن والمواضيع النفسية وغيرها، الجديرة بالبحث العلمي، مثل موضوع الرُّؤَى، وعوامل الاكتئاب، ودور العامل الروحي في علاج الاكتئاب، وعلاج الاضطرابات (النفسية - الجسمية) علاجاً نفسياً وروحياً. ومهما يكن؛ ففيما يأتي بعض ما يمكن أن يُستخلص من هذه القصة:
1 - ابتلاء الأنبياء والأخيار، واختبارهم في مواقف متباينة، كأن يكون الابتلاء مرةً في مواقف الشدة - الضعف والحزن مثلاً - ومرةً أخرى في مواقف الرخاء - القوة والسرور.
2 - تعرُّض الأنبياء والأخيار إلى الظلم من ذوي القربى، وذوي الجاه والسلطة، وأن هذا التعرُّض قد يقع جرَّاء سنن التدافع بين الأفراد والمجتمعات.
3 - لا يعني طول الابتلاء اليأس من روح الله - تعالى.
4 - الانفعالات والجانب الوجداني بصفة عامة جزءٌ أساسٌ في الطبيعة البشرية.
5 - تأثير الجانب الوجداني في السلوك، سواء كان هذا السلوك نشاطاً ذهنياً أم جسمياً، وقد يصل هذا التأثير إلى حدِّ تعطيل بعض وظائف الأعضاء.
6 - لا يدلُّ وقوع الظلم على الأخيار والأنبياء وطول مدته على انتصار الظلم على العدل، والباطل على الحق؛ فإن الله تعالى يُمْهل ولا يُهْمل.
7 - انتصار الحق على الباطل، والعدل على الجور، والخير على الشر، مهما طال الزمان، وساد الظلم والطغيان.
8 - العفو عند المقدرة من عوامل استتباب الأمن والعدل.
9 - القيادة الصالحة والفعالة شرطٌ أساسٌ لتسيير البلاد والعباد في الشدة والرخاء، وتحقيق العدل والنماء.
10 - انطباق سنن الطبيعة البشرية، وقوانين التدافع بين الناس على الأنبياء والأخيار، وإن كان الوحي يوجِّه الأنبياء والرسل ويعصمهم.
11 - أكثر الناس لا يشكرون نعم الله – تعالى - وفضائله عليهم؛ فكيف يشكرون غيرهم من الناس إن كانوا لله لا يشكرون؟!
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي