عام 1382 قبل الميلاد ولد إخناتون الذي دخل التاريخ من أوسع أبوابه إذ استطاع أن يسجل اسمه مصحوباً بعبارات التبجيل والتقدير فهو أول من نادى بالتوحيد. ولم تكن دعوته سامية بل اقترنت بأعمال عنف وقسوة إذ اصطدمت بعدو جبار هو آمون وكهنته. وإخناتون هو أول من بشّر بإله واحد لاشريك له وقال عنه في نشيده: أيها الإله الأوحد الذي ليس لغيره سلطان كسلطانه يامن خلقت الأرض كما يهوى قلبك حين كنت وحيداً.
ولم يجعل هذا الإله للمصريين بل جعله إلهاً للعالم أجمع وهذا الإله ليس مجسماً ومنحوتاً على الصخر أو على جدران المعابد كما درجت عادة الفراعنة في تصوير آلهتهم وإنما كان هو الحق خالق حرارة الشمس ومغذيها. ومن المهم أن نعلم أن أمنحوتب الرابع هو إخناتون الذي تزوج نفرتيتي والصور والتماثيل التي جسدت إخناتون أظهرته ضعيفاً وهزيلاً فأبرزت عظامه وارتسمت على شفتيه الغليظتين ابتسامة خفيفة تدلُّ على طيبته وحبه للسلام هذه هي صفات إخناتون المادية. أما صفاته النفسية التي تظهر في أناشيده فقد أظهرته شديد الذكاء سديد الرأي يمقت الكذب وينشد الصدق ومن أناشيده: ماأكثر مخلوقاتك التي نجهلها أنت الإله الواحد الذي ليس له مثيل خلقت الأرض طبقاً لما تريد ولما كنت وحيداً في هذا الكون خلقت الإنسان. والحيوان الكبير منه والصغير وكل مايسعى على قدمين فوق الأرض وكل مايحلق بجناحين في السماء. وقد نشأ إخناتون في بلاط كله مجون فكان أبوه ينوء تحت أعباء حياة الترف التي عاشها فلم يلبث أن أنهكته الشهوات ودبّت الكهولة في أعضائه في سن مبكرة على مرأى من إخناتون وربما يكون ذلك مبرراً لرفض إخناتون هذه الحياة الباذخة الماجنة. حكم إخناتون مصر ست سنوات بالإشتراك مع والده ومايقرب من ثلاثة عشر عاماً بمفرده وهناك من يجزم بأنه مات غير متجاوز الثلاثين من عمره. لم يقف إخناتون بمفرده أمام قوة الكهنة العاتية التي كانت تسيطر على مصر فقد كانت أمه «تي» تتولى توجيهه نحو ذلك الطريق. ففي عامه السادس للحكم قاد إخناتون حملة قوامها الجيش والعمال والصنّاع هدفها القضاء على الآلهة الأخرى التي كان يعتقد بها الكهنة ونجح في ذلك ولد لإخناتون ست بنات ولم يتم الهناءة لهذه الزيجة السعيدة بإنجاب ابن يرقى العرش. ومن أجمل أناشيد إخناتون المنقوشة على الحجر قوله مخاطباً الإله الواحد: ماأكثر مخلوقاتك وماأكثر مافني عليها منها أنت ياإله ياأوحد ولاشبيه لك لقد خلقت الأرض حسبما تهوى أنت وحدك خلقتها ولاشريك لك خلقتها مع الإنسان والحيوان كبيرة وصغيرة خلقتها وكل مايسعى على قدميه فوق الأرض وكل مايحلق بجناحيه في السماء خلقت بلاد سورية والنوبه ومصر وأقمت كل إنسان في مكانه ودبّرت لكل إنسان مايحتاج إليه وجعلت لكل منهم أيامه المعدودة لقد تفرقت ألسنتهم باختلاف لغاتهم.. أخيراً... يؤكد كثير من الباحثين أن ديانة إخناتون لم تكن وليدة تفكيره ووحي فلسفته بل هي مأخوذة من التوراة. وليس من شك في أن إخناتون أراد أن يقدم للبشرية ديناً يعتنقه كلّ الناس في كل البلاد ويجعل هذا الدين يحلُّ محلّ القومية المصرية التي التزمها أهل مصر منذ أول العصور فإخناتون يمثل عبقرية تمّ نضوجها في وقت سابق لأوانها. المراجع الديانة الفرعونية ... واليس بدج إخناتون د. عبد المنعم أبو بكر الآثار المصرية محمد عبد الحليم عامر
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي