برلين: يؤكد البروفيسور أوتو بوسه من جمعية "أبحاث السكتة الدماغية" بالعاصمة الألمانية برلين على أهمية الاكتشاف المبكر لأعراض السكتة الدماغية بقوله: " كلما تم اكتشاف أعراض السكتة الدماغية مبكراً، زادت فرص الشفاء منها وقلت فرص حدوثها مجدداً".
ويشاطره الرأي أخصائي المخ والأعصاب كريستيان نولته من شبكة "السكتة الدماغية" التابعة لمستشفى "بينجامين فرانكلين" الجامعي ببرلين ، حيث يقول: "ينبغي على المرء أن يأخذ بعض الأعراض البسيطة على محمل الجد ، مثل صعوبات الكلام وفقدان الإحساس "تنميل" بأحد الذراعين ، لا سيما إذا ما استمرت هذه الأعراض لمدة تزيد على خمس دقائق".
ويضيف نولته أن طبيب العائلة غير متخصص في مثل هذه الحالات الحرجة ، إلا أنه لا بأس من الاستعانة به إذا ما تعذر استدعاء الطبيب المختص لعلاج المصاب بالسكتة الدماغية.
وينصح نولته بالاتصال بالإسعاف على وجه السرعة إذا ما ظهرت أعراض السكتة الدماغية بصورة مفاجئة مثل صعوبات في الكلام والنطق والشلل وفقدان الإحساس "تنميل" بالأذرع أو القدمين وضعف في النظر أو "زغللة".
ويمكن أن تحدث السكتة الدماغية في أي مرحلة عمرية ، غير أنها تحدث بصفة خاصة في مرحلة الشيخوخة.
ويشير نولته إلى أن السكتة الدماغية لها سببين أساسيين. أولهما هو تصلب الشرايين المرتبط بالتقدم في العمر، حيث تتصلب الأوعية الدموية وتزداد فرصة تكون الجلطات الدموية التي يمكن أن تستقر في أسوأ الحالات بالمخ مسببة للسكتة الدماغية.
أما السبب الثاني فيرجع إلى أمراض القلب التي تزداد فرص الإصابة بها في مرحلة الشيخوخة والتي يرتبط جزء منها بتصلب الشرايين أيضاً ، مما يزيد من احتمالات تكون الجلطات الدموية.
ويشير أخصائيو المخ والأعصاب بمؤسسة "علاج السكتة الدماغية والوقاية منها" فى مدينة ميونيخ بجنوب ألمانيا إلى وجود نوعين من السكتة الدماغية: النوع الأول يسمى بـ "السكتة الدماغية الناجمة عن قلة الدموية" ، وهي تحدث بسبب انسداد أحد الأوعية الدموية بالمخ كنتيجة لتجلط الدم به.
ويطلق على هذا النوع أيضاً اسم "السكتة الانسدادية" أو "السكتة التجلطية". أما النوع الثاني من السكتة الدماغية فيعرف بـ "السكتة الدماغية الناجمة عن النزيف الدموي"، وهي تحدث نتيجة لانفجار أحد الأوعية الدموية بالمخ.
وفي كلتا الحالتين يتوقف إمداد المنطقة المصابة بالدم وكذلك تصريف الدم منها، ومن ثم لا يصل الأوكسجين والغذاء اللازمين لأنسجة المخ في هذه المنطقة ، وهو ما يعني موت خلايا في المخ.
وتشبه "المؤسسة" العواقب الوخيمة للسكتة الدماغية بآثار "عمل إرهابي" على مركز الإمداد بالطاقة لمدينة كبيرة .. فعلى المدى البعيد يمكن فقدان الكثير من الوظائف الذهنية والجسدية كما يصل الأمر إلى حد الوفاة.
ولهذه الأسباب يشدد بوسه على ضرورة نقل المصاب بالسكتة الدماغية إلى وحدات علاج السكتة الدماغية في أسرع وقت ممكن." ووحدات علاج السكتة الدماغية عبارة عن أقسام متخصصة بالمستشفيات لعلاج السكتة الدماغية".
وبخلاف فحوصات المخ والأعصاب التقليدية تلعب الأشعة دوراً مهماً في التشخيص السليم لنوع السكتة الدماغية ومكانها وأسبابها.
وتعد الأشعة المقطعية وأشعة الرنين المغناطيسي من أهم الاختبارات التي يقوم بها أخصائي المخ والأعصاب لتكوين صورة شاملة عن حالة المريض. ويشير بوسه إلى أن 40 % من المرضى الذين لحقت بهم أضرار جسيمة جراء الإصابة بالسكتة الدماغية عانوا قبل ذلك من سكتة دماغية بسيطة تعرف باسم "السكتة الانسدادية العابرة" والتي لها نفس أعراض السكتة الدماغية الخطيرة ، غير أن الفارق الوحيد بينهما يتمثل في قصر مدة الإصابة بهذه الأعراض في حال "السكتة الانسدادية العابرة"، حيث تستمر الأعراض لعدة دقائق أو لمدة ساعة كحد أقصى - أو 24 ساعة في أسوأ الظروف - ثم تزول مجدداً.
وتزداد فرص الإصابة بالسكتة الدماغية الخطيرة في اليومين التاليين للإصابة بالسكتة الانسدادية العابرة. لذا يشدد بوسه على عدم الاستهانة بهذه الأعراض والحرص على علاجها على يد طبيب متخصص في غضون 24 ساعة ، فذلك من شأنه الحد بشكل كبير من احتمالية الإصابة بالسكتة الدماغية الخطيرة.
وعلى الرغم من أن السكتة الانسدادية العابرة لا تترتب عليها عواقب وخيمة ، إلا أن تكرار الإصابة بها أربع أو 5 مرات أو 20 مرة يلحق بالمخ أضراراً بالغة.
ويضرب نولته مثلاً على ذلك بقوله: "الماء مع لينه ينحت الصخر مع صلابته". فالمخ لن يستطع تحمل تكرار الإصابة بالسكتات الدماغية حتى ولو كانت بسيطة. وفي حال حدوث ذلك لن يعمل المخ بكامل كفاءته كسابق عهده ، كما يمكن أن يصل الأمر إلى حد الإصابة بقصور ذهني وإدراكي شديد. ويشبه نولته أنسجة المخ التالفة جراء الإصابة بالسكتة الدماغية بأنسجة الزهرة التي لم يعد ريها يجدي نفعا: فالزهرة تذبل أولاً ثم تجف ، وهكذا أنسجة المخ.
وتشير مؤسسة "علاج السكتة الدماغية والوقاية منها" فى مدينة ميونيخ بجنوب ألمانيا إلى أنه بخلاف عوامل الخطورة الجينية توجد مجموعة من عوامل الخطورة التي يمكن التقليل من مدى تأثيرها.
فمن خلال العلاج الطبي يمكن تقليل المخاطر الناتجة عن ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكري واضطرابات سيولة الدم العارضة.
ومن ناحية أخرى يمكن إتباع بعض العادات الحياتية التي من شأنها تقليل فرص الإصابة بالسكتة الدماغية مثل الإقلاع عن التدخين والتخلص من السمنة المفرطة وممارسة الرياضة والإقلال من تناول الدهون والكحوليات وتجنب مواقف الضغط العصبي.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي