قال الله تعالى :{وظلّلنا عليكم الغمامَ وأنزلنا عليكُم المنَّ والسلوى} (سورة البقرة/57).
دخلَ بنو إسرائيل الذين كانوا على الإسلامِ إلى التيهِ وهو المكانُ الذي بقُوا فيه أربعينَ سنةً لا يستطيعونَ الخروجَ منهُ عقوبةً لهم لتركِ أمرِ نبيّهم موسى عليه السلامُ بالجهادِ.
وكان معهم سيدُنا موسى ولكنّه لم يعاقبْ معَهم بل كان وجودُه بينَهم لتنفيذِ أوامرِ اللهِ تعالى.
يُروى أنّه نفِذ الطعامُ بين أيدي بني إسرائيل، إذ كان التيهُ أرضًا بيضاءَ لا زرعَ فيها ولا نبات ولا ماءَ ولا ظِلّ، فشكَوْا إلى نبيّ الله موسى حرَّ الشمسِ فدعا اللهَ تعالى وتحقّقت معجزةٌ كبيرةٌ لسيدنا موسى فظلّلهم الغمامُ وهو السحابُ الأبيض، ووقاهُم حرّ الشمسِ نهارًا، حيثُ كان ينجلي عنهُم في ءاخرهِ ليستيضئوا بالقمرِ ليلاً، فإذا كانتِ الليالي مظلماتٍ أنزل اللهُ لهم عمودًا من نورٍ في وسط بني إسرائيلَ يُضيء على القومِ طريقَهم.
ثم قالوا لموسى: وما نأكُل يا موسى وقد نفِذ الطعامُ؟ فأجابهم: إن الله سيُنزل عليكُم خبزًا مخبوزًا، فكان يُنزِلُ عليهمُ المنَّ وهو خبزُ الرُّقاقِ من طلوعِ الفجر إلى طلوع الشمسِ كالثلج، وهو لذيذُ الطعم، فيأخذُ الرجلُ ما يكفيهِ ليومه، فإن ادَّخَر الرجلُ منه شيئًا فسدَ عليه، إلا في يوم الجمعة فإنهم كانوا يدّخرونَ منه ليوم السبتِ فلا يفسدُ عليهم، لأن يوم السبت يومُ عبادة، وما كان ينزِلُ عليهم يومَ السبتِ شىءٌ.
ثم سألوه: وبماذا سنخلِطُ الخبزَ، هل نأكلُه بدون شىء معهُ؟ فقال لهُم وهو صابر على ما يطلبونه منه شفقةً عليهم ورحمةً بهم: إن اللهَ سيرزقُكمُ اللحمَ. قالوا: من أين؟ ونظروا إلى بعضم، فكانت الريحُ تأتيهم بالسلوى وهو طيرٌ سمينٌ مثلُ الحمامِ يسمّى السُّمانَى أي الفرّي.
وتتابعت طلباتُهم فقالوا: وما نلبَسُ ونحنُ نخشى إذا تمزَّقتْ ثيابُنا أن لا نجِد عنها بديلاً؟ فأجابهم قائلاً: لا يبلى لأحدِكم ثوبٌ ولا يتخرَّقُ ولا يتسخُ أربعينَ سنة، فقالوا: وإذا وُلِدَ لنا أولادٌ صغارٌ فما نكسوهم؟ قال: الثوبُ الصغيرُ ينمو ويشبُّ ويطول معهم كما تطول الصّبيانُ.
ثم قالوا: فما نجعلُ في أرجلنا إذا انقطعَ الحذاء؟ قال: لا ينقطعُ لأحدكم حذاءٌ أربعين سنةً.
ثم تذكَّروا أمرًا مهمًّا لا يُستغنى عنه في حِلّ ولا تَرحال، فقالوا: ولكن من أين لنا الماءُ، ولا نهرٌ ولا يَنبوعٌ في هذه الأرض؟ قال: يأتيكم به اللهُ، فأمر اللهُ سيدنا موسى أن يضربَ بعصاهُ الحجرَ.
رُوي أن هذا الحجرَ قد أُنزل مع سيدنا ءادم عليه السلامُ من الجنة فتوارثه الناسُ حتى وقع لشعيبٍ عليه السلامُ، فأعطاه إلى سيدنا موسى عندما أخذَ العصا.
وكانوا إذا احتاجُوا إلى الماء وضعه سيدنا موسى على الأرض فضربَه بعصاهُ اثنتيْ عشرة ضربةً فيظهرُ على موضعِ كلّ ضربةٍ مثلُ ثَدي، فيعرَق ثم يسيل ثم يتفجّر منه الماءُ كالأنهارِ الغزيرة.
وعلى عادتهم في استباق الأمورِ قالوا: إنْ فقدَ موسى عصاه متنا عطشًا، فأوحى اللهُ إليه: لا تقرعِ الحجر، كلّمه يُطعكَ لعلّهم يعتبرون، فصار موسى يكلّم الحجر والحجرُ يُطيع.
وهكذا بقي بنو إسرائيلَ الذين رفضوا قتالَ الجبابرةِ في التيه، وماتَ من دخله ممن جاوز عشرين سنةً إلا يوشعُ ابن نونَ وكالبُ بنُ يوفنا وبقي معهم أبناءُ بني إسرائيل، فامتثلوا أمر اللهِ وهبطوا إلى الشام، وقاتلوا الجبارينَ ودخلوا بيت المقدس، ولم يدخله أحدٌ ممن قال: إنّا لن ندخلها أبدًا. وأما سيدنا موسى وسيدنا هارون فقد توفاهما اللهُ تعالى في التيهِ.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي