قوله: (( يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ )) يعني: من أجل الصواعق. قوله: (( حَذَرَ الْمَوْتِ )) يعني: خوف الموت من سماعها، وكذلك هؤلاء المنافقون إذا نزل القرآن وفيه ذكر الكفر المشبَّه هنا بالظلمات، والوعيد عليه المشبَّه بالرعد، والحجج البينة المشبَّهة بالبرق، يسدون آذانهم؛ لئلا يسمعوه، فيميلوا إلى الإيمان وترك دينهم، وهو عندهم موت! وهذا المثل منطبق على أحوال هؤلاء المنافقين. إذاً: المقصود بقوله تبارك وتعالى: (فيه ظلمات) يعني: أن الوحي الذي ينزل من عند الله سبحانه وتعالى وهو القرآن يحتوي على وصف الكفر بالظلمات، ويحتوي على الوعيد على الكفر، وهو الذي شبهه بالرعد بقوله: (وَرَعْدٌ ) والآيات التي تنزل عليهم كالرعد، وتنذرهم عاقبة هذا الكفر. قوله: (وبرق) أيضاً في هذا الوحي برق ونور ساطع وحجج بينة، فهم يسدون آذانهم؛ لئلا يسمعوا هذه الحجج فيميلوا إلى الإيمان، ويتركوا دينهم؛ لأنهم يخافون إذا سمعوا هذا الوحي الذي فيه تنفيرٌ عن الكفر وترغيب في الإيمان أن تميل قلوبهم؛ ولذلك يضعون أصابعهم في آذانهم من هذه الصواعق؛ حذر الموت الذي هو التحول مما هم عليه إلى الإسلام، كأن هذا التحول عندهم موت، فبالتالي يسدون منافذ الهدى؛ كي لا يصل الوحي إلى أسماعهم. قوله: (( وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ )) يعني: محيط بهم علماً وقدرة، فلا يفوتونه ولا يعجزونه، وهنا أظهر الله سبحانه وتعالى ما كان يمكن أن يضمر؛ لأن السياق يقتضي أن يقول: يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بهم، فإظهار كلمة الكافرين في قوله: (والله محيط بالكافرين) لبيان أن ما دهمهم من البلاء وحل بهم كان بسبب كفرهم، كقوله تعالى: أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ [آل عمران:117] فأظهر هذا الوصف، وهو أنهم قوم ظلموا أنفسهم؛ لأن الإهلاك الناشئ عن السخط والغضب لا عن قضاء وقدر فإنه يكون أشد على هؤلاء الكافرين؛ فلذلك أظهر وصفهم بالكافرين.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي