من حق الإنسان أن يحب أشياء تعجبه، او يكره أشياء أخرى لايميل اليها أو يستفزمنها. لو أخذنا هذه المعادلة على محمل الجد وقارننا بها الحلقات المتسلسلة من يوميات أي إنسان ضمن إقامته كمواطن داخل أية دولة يحمل جنسيتها، فإنه يود أن يقيس مجريات حياته المهنية وهواياته الثقافية او نشاطاته الاجتماعية مع السيل الجارف للتطور الحضاري والتكنولوجي الذي يغزو العالم حالياً، وذلك ليعرف موقعه في المجتمع، حتى وإن كان ذلك الموقع بحجم الذرة التي لاترى بالعين المجردة.
عندما يريد المواطن أن يبحث عن موقعه في المجتمع، عليه أن يبدأ اولاً من السؤال القديم ـ الجديد الذي يركز على معرفة الإنسان لنفسه!؟
قديماً، تكهن الإنسان بهذه المسألة وحاول أن يجيب على السؤال الذي حير الملايين من البشر عبر العصور المتلاحقة، أي منذ بدء الحضارة وحتى يومنا هذا. وينحصر السؤال المبطن في صيغة الامر بجملة قصيرة ذات كلمات واضحة ( أعرف نفسك !؟).
هذا السؤال الذي طرحه أحد أكبر فلاسفة اليونان وحاول الاجابة عليه على أحسن مايرام، واستمر الاخرون يتبعون خطاه جيلاً بعد جيل، توصلوا الى نتائج مهمة بنى عليها الإنسان فكره و فلسفته في الحياة.
لكن ما يهمنا في هذه العجالة الاستفهامية، هو السؤال الثاني الذي يبحث فيه الإنسان عن موقعه في المجتمع، والذي يتطلب وعياً بمسألتي الواجبات والحقوق، والماماً بثقافة قانونية تمكنه من بناء علاقاته مع الاخرين، ورسم خريطة ذهنية تحدد بواسطتها الخطوات الاساسية التي تربطه بعمله المهني من جهة ومع الاخرين من جهة ثانية.
تأتي العلاقة مع الاخرين في مقدمة اهتمامات كل مواطن، وذلك لكون كل واحد يحمل أفكاراً تختلف عما يدور في خلد غيره. ومن المفيد جداً أن يستمع كل فرد الى أفكار الاخرين وخاصة فيما يتعلق مع مفهومه عن الخريطة الذهنية.
لكي لا يخفى علينا المعنى الحقيقي للخريطة الذهنية يمكن توضيحها على أنها الوسيلة الأسمى لإغناء الفكر وتبادل المعلومات بين مجموعة أفراد مما يسمح بالحصول على مجموعة حلول لمشكلة واحدة، وبذلك تختلف هذه الطريقة عن غيرها فيما لو عمل كل مواطن بمفرده. ومن هنا تعتبر الخريطة الذهنية من أحسن الوسائل التي تؤديها مجموعة من الناس عن طريق طاقة العقل الجمعي.
لو أن الفضل في اجراء دراسات حول التفكير الجمعي يعود الى العالم النفساني يونك، حيث طور أفكار أستاذه فرويد الى ما هو أبعد ما في تجليات أعماق النفس البشرية باعتبار كل مواطن فرداً له كيانه الخاص وشخصيته المستقلة.
تأتي أهمية الخريطة الذهنية كونها الاساس المتين في أي تخطيط عمراني او برنامج استثماري او مشروع تعاوني، حيث تقوم مجموعة على عمل واحد، فقيمة الانتاج توازي مجموعة قدراتهم العقلية ... وهنا تكون نقطة التحول من المجهود الفردي الى المجهود الجماعي، الذي يتطلب مهارة ولياقة وحسن تدبير، هذه الامور مجتمعة هي أعلى درجات الوعي لدى الإنسان وبها يستطيع أن يحافظ على خصوصيته وفي الوقت نفسه يشترك ضمن فريق عمل، ويؤدي دوره على خير مايرام.
أصبحت الخريطة الذهنية مصطلحاً فكرياً ومفهوماً اجتماعياً لها دورها المهم في تنظيم الفكر والتخطيط السليم والدراسات المبرمجة، الا أن مؤسساتنا الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية وحتى الخدمية ماتزال عاجزة عن استيعابها والاستفادة منها. وهي نقاط ضعف يعاني منها مجتمعنا، وعلى سبيل المثال : يصعب على الشركات العاملة أن تؤسس هياكلها على ضوء مجالس الادارة والفروع المساندة لها، او اسلوب التعامل بالأسهم، او ايداع العملات والعمل بمبدأ الادخار والتوفير، وكذلك مسائل التأمين والضرائب، أو حتى اتقان فن الالعاب الرياضية التي تتطلب مشاركة جماعية والتنسيق ضمن فريق واحد متكامل مثل كرة القدم وكرة السلة وغيرها من الالعاب والاعمال التي لابد من ايجاد معالجات ضرورية لكل منها قدر المستطاع. ولو أن العمل في هذا المضمار يحتاج الى جهود كبيرة وامكانيات كثيرة يصعب توفرها في الوقت الحاضر، الا أن تأخيرها او اهمالها يتطلب ضريبة حضارية من المؤسف أن يدفعها شعبنا المسكين بسبب التقصير في التخطيط المتقن وغياب المهارات المدركة في ادارة الاعمال وبناء الإنسان على حد سواء.
لكي نتجاوز المحنة ونبعد شبح الضرائب الحضارية او الخدمية عن كاهل الوطن والمواطن على حد سواء، لابد من البدء بالخطوة الاولى على ترسيخ الخريطة الذهنية عند جميع الشرائح الاجتماعية وإن كانت في مستويات بدائية او متدنية بعض الشيء، لأن اجراء مثل هذه العمليات في هذه الايام صعب جداً ولكنه ممكن.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي