رغم مرور ثلاث سنوات على رحيله إلا أن الزعيم ياسر عرفات مازال يتربع على عرش قلوب وعقول الفلسطينيين الذين ما أحوجهم اليوم إلى زعيم بوطنيته وشجاعته للم الشمل وإنقاذ ما تبقى من الحقوق الفلسطينية .
لقد حمل عرفات الهم الفلسطيني حتى أصبحت القضية الفلسطينية القضية الأبرز على الساحة السياسة الدولية ورسم مسيرة نضال الشعب الفلسطيني الذي تحول من مجموعات من اللاجئين إلى جيش من المقاتلين لهم حقوق يطالبون بها ويقاتلون من أجلها .
وبزيه الزيتي القاتم وبكوفيته الفلسطينية وبشخصيته الكاريزمية شكل ياسر عرفات رمزا للنضال الفلسطيني لأكثر من أربعة عقود وبرهن على قدرة غير عادية للخروج من أشد الأوضاع خطورة ، وباتت كلماته الشهيرة "الجبل لا تهزه الرياح .. شهيداً..... شهيداً..... شهيداً....... ستمنعون الشمس والهواء عني لن أتنازل, ستحجبون عني الدواء والغذاء, الله خلقني ولن ينساني, القدس مطلبي, وركعة في المسجد الأقصى المبارك غايتي التي لا تناظرها غاية, الطريق طويل, لكن النفس أطول والهجمة الشرسة تقابلها إرادة حديدية أنتجتها سنوات من اللجوء والتشرد" معلما على طريق النضال الفلسطيني .
والمثير للحزن أنه بدلا من أن تشكل مسيرة عرفات الحافلة بالعطاء والتضحية النموذج والقدوة لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية ، دخلت فتح وحماس فى صراع مرير للسيطرة على سلطة هى فى الأساس غير موجودة بسبب الاحتلال ، الأمر الذى يهدد بتصفية القضية وتقديم ما تبقى من الحقوق هدية مجانية للاحتلال الغاصب.
الزعيم المناضل
توفى عرفات فى مستشفى بيرسى العسكرى في باريس في 11 نوفمبر 2004 ، ورغم نشر الكثير من التكهنات الاعلامية حول سبب الوفاة ، إلا أن أرملته سهى عرفات رفضت السماح بتشريح جثته .
وكانت وعكة صحية قد ألمت بالرئيس الفلسطيني الراحل مساء الثاني عشر من أكتوبر 2003 عندما شرع في التقيؤ وشعر باضطراب في الأمعاء مصحوب بالاسهال، وذلك بعد مرور أربع ساعات على تناوله وجبة العشاء بمقر المقاطعة الذي كانت تحاصره فيه القوات الاسرائيلية في رام الله لمدة ثلاثة أعوام .
وقد تواصلت هذه الأعراض على مدى أسبوعين، ولم تكن مصحوبة بالحمى ما اعتبر في البداية مجرد "نزلة برد" ، وبعد خمسة عشر يوما على بداية مرضه نقل إلى فرنسا للعلاج .
ورجح بعض المقربين من الزعيم الراحل وأبرزهم ابن اخته ناصر القدوة وطبيبه الخاص أشرف الكردى أنه مات مسموما ، إلا أنه على الصعيد الرسمى الفلسطينى ، أعلن نائب رئيس الوزراء الفلسطيني السابق نبيل شعث أن لجنة تحقيق وزراية فلسطينية لم تستطع التوصل الى نتائج حاسمة في سبب وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات .
وقال قريع إن التحقيق وجد أن الأطباء الفرنسيين والفلسطينيين لم يتمكنوا من تحديد المرض الذى أدى الى وفاة عرفات ، وأضاف أن وفاة الرئيس الراحل لم يكن نتيجة تسميم أو سرطان أو جراثيم أو مرض الايدز ، مؤكدا أن ملف وفاة عرفات لن يغلق طالما أن ثمة إمكانية لحصول تطور طبي في المستقبل يمكن أن يحدد سبب الوفاة .
كما استبعدت تقارير طبية فرنسية تسميم عرفات ، وأوضح أطباء فرنسيون ممن عالجوا عرفات أنهم أرسلوا عينات دموية إلى ثلاثة مختبرات طبية للبحث فيما إن كانت هنالك آثار لمواد سامة، لكنها لم تكشف عن وجود أضرار فى الكبد أو الكلى، وهو ما يمكن توقعه في حالة التعرض للتسمم .
واستبعدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أيضا في تقرير نشرته في سبتمبر 2005 أن يكون عرفات مات مسموما، كما نفت الشائعات التي ترددت حول احتمالات أن تكون الوفاة جاءت بسبب الاصابة بمرض الايدز.
وقالت نيويورك تايمز إن عرفات الذى توفى بأحد المستشفيات الفرنسية عن سن ناهز الخامسة والسبعين، تعرض لسكتة قلبية ناجمة عن نزيف في الدماغ نتج عن التهاب لم تعرف مسبباته .
يذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون كان قد هدد في أكثر من مناسبة بتصفية عرفات الذي كان يصفه بالإرهابى، وتسربت تقارير صحفية عن اتخاذ الحكومة الإسرائيلية قرارا بتصفية عرفات أواخر العام 2003.
معركة جديدة بين فتح وحماس
بين وثائق تم العثور عليها وتصريحات للمقربين منه ، عاد الحديث بقوة في عام 2007 عن تسميم عرفات ، إلا أن الخطر كل الخطر بحسب المراقبين أن يكون عودة الحديث عن تلك القضية مجرد ورقة للمزايدات السياسية.
ففى بيان نشرته في يونيو الماضى ، بعد سيطرتها على المقرات الأمنية للسلطة الفلسطينية في غزة ، أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام- الجناح العسكري لحركة حماس أنها عثرت على وثائق تؤكد تورط جهاز الأمن الوقائى التابع لرئاسة السلطة الفلسطينية في التعاون مع الاحتلال بتعقب قيادات المقاومة كما تؤكد تورط القيادى الفتحاوى محمد دحلان فى اغتيال عرفات.
وفى الرابع من أغسطس الماضى وخلال مؤتمر صحفى عقده في رام الله ، جدد بسام أبو شريف المستشار السياسي للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات اتهام إسرائيل بقتل عرفات عن طريق السم الذي أدخل إلى جسده ليوقف إنتاج كريات الدم الحمراء بذات الطريقة التي قتلت بها القيادى في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وديع حداد عام 1978 في ألمانيا الشرقية.
وكشف أبو شريف في هذا الصدد أن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك والأطباء الثلاثة الذين أشرفوا على علاج عرفات كانوا على علم بالطريقة التي جرى فيها "اغتيال عرفات" ، إلا أنه رفض إعطاء تفاصيل أخرى ، قائلاً: "التفاصيل لها وقتها فهى قد تفيد مستقبلاً في إلقاء القبض على الجانى".
ورداً على دعوة القيادى في حماس محمود الزهار له لزيارة قطاع غزة للتحاور وبحث المعلومات التي لديه للكشف عن الذين قتلوا عرفات, أبدى أبو شريف رغبته لزيارة القطاع إلا أن إسرائيل تمنعه من السفر إلى القطاع منذ العام 2000 .
وفي تعليقه على تصريحات أبو شريف ، أكد الدكتور أشرف الكردي الطبيب الخاص للرئيس الراحل عدم القدرة على تحديد نوع السم الذي استخدم في قتل عرفات بسبب عدم تشريح الجثة ، مشيراً إلى أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" أو أي شخص كان يمكنه وضع السم للرئيس عرفات في الطعام أو الدواء الذي كان يتناوله .
وأضاف الكردي في تصريحات لفضائية الجزيرة أنه تم استبعاده من مرافقة الرئيس الراحل أثناء علاجه في فرنسا من قبل مسئولين في السلطة الفلسطينية وأنه طالب بإجراء الفحص لدم عرفات في إحدى الدول الاشتراكية المعروف ببراعتها في تشخيص السموم خاصة المستخدمة في الاغراض الاستخباراتية والعسكرية إلا أن طلبه لم يلق القبول.
وفى ضوء التصريحات السابقة ، يري مراقبون أن حركة فتح أصبحت فى موقف حرج جدا فهى مطالبة الآن بكشف حقيقة وفاة مؤسسها وزعيمها ياسر عرفات كما أنها مطالبة بتأكيد أو نفى اتهامات حماس بتورط دحلان مع الاحتلال الإسرائيلى فى اغتيال عرفات .
وإذا تلكأت فى كشف المستور في هذا الشأن ، فإنها بحسب المراقبين تكون قد خسرت الكثير والكثير من رصيدها النضالى لأن الفلسطينيين لن يغفروا أبدا تواطؤ أى من قيادات فتح فى قتل مايعتبرونه الأب الروحى والزعيم التاريخى .
وحماس هى الأخرى قد تخسر الكثير من رصيدها إن استخدمت تلك القضية كورقة في معركتها ضد فتح واكتفت بالتلويح بها لتسجيل بعض النقاط ، فهذا الموضوع لامزايدة عليه بالنظر إلى أنه يخص كرامة الفلسطينيين جميعا ولذا لابد من الاصرار على كشف الحقيقة .
انتقد رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي«1936 ـ 1987» برسوماته كل أشكال الفساد والتسويف والتواطؤ ومشاريع الاستسلام في الثورة الفلسطينية ما يزيد عن ثلاثة عقود من الزمان.
وناضل ضد مغتصبي وطنه، مثلما ناضل ضد انتهازيي الثورة، ووظف ريشته وأحباره في خدمة القضية الفلسطينية دون أن يأبه بالنتائج أو يلقي لها بالاً أو يقيم لها حساباً وكأنه كان يتنبأ بها، فلم يدعها تثقل كاهله، أو تثني تفكيره عن مواصلة النضال.. فكانت فلسطين بالنسبة إليه الأصل والمرجعية. حال من التماهي والصوفية في عشق الوطن.
رسوم كاريكاتيرية تجاوزت الآلاف، وطالت بنقدها اللاذع رؤوساً، ورموزاً، وكيانات، ومؤسسات، واتفاقيات، وسلطات، وأحزاب وايديولوجيات فوق الأرض وأخرى تحت الأرض.. كما طالت سماسرة، وخونة، ومرتزقة، وكروشا منتفخة، ومحافظ مالية متورمة، وذمماً واسعة، وشفاه غليظة لا تجيد غير تعليق السيجار وشفط دخانه. ولم تترك من تهكماتها وسخرياتها السيركيزمية المثقفين والأدباء الانتهازيين من ماركة«مثقفون وأدباء للبيع والإيجار»، كما أصابت صراحتها جهلة الفكر السياسي من حملة البطاقات«الأبوية»، وفضحت عن عمد«حرامية» بيت المال، ونالت من الدجالين والمشعوذين الذين تدثروا بعباءة الثورة، ورقصوا على سلم القضية الفلسطينية.
رسومات كاريكاتيرية صالت وجالت مع يوميات الثورة الفلسطينية، سألت، واقترحت، وفضحت، وعرّت بلسانها الطويل ووعيها المنتمي للوطن أشياء كثيرة.. منتصرة فقط ـ وفقط هنا في غاية الأهمية ـ لفلسطين، ولاشي ء غير فلسطين. مؤكدة أن الريشة قد تكون بندقية، وقد تكون المحبرة قنبلة أو مدفعية. أو أكثر. وأن القلم بوسعه أن يكون سيفاً. وأن الفن والثقافة حينما يتخندقان في المعركة يلغيان خطابات الثرثرة، ويلقيان وراء ظهرهما بيانات الشعوذة والضحك على الذقون.
بين ناجي العلي وفلسطين حالة غرام. فمن أجلها رسم، ومن أجلها دخل السجون، ومن أجلها تعذب وتشرد وعاش مغترباً، ومن أجلها اخترقت رصاصات الغدر جسده، لينال الشهادة ويسجل مع الخالدين، ويبقى حياً في ذاكرة التاريخ، في حين توارى قاتله ملعوناً مدحوراً، هارباً من الناس والتاريخ يبحث عن ملجأ أو«أب» يخفيه ويحميه. وليعيش ناجي العلي برسوماته أكثر زمناً من حياة قاتليه.. أما دمه فقد امتزج بحبره، وخطه بريشته قصة الخلود لرسومات ستظل خالدة معلقة في ضمائر المناضلين، وعنواناً عريضاً لمستقبل قادم. وهو ما يؤكد عليه الشاعر والروائي محمد الأسعد في قوله: يجيء فنانون نادرون من المستقبل، ليس لأنهم رسموا أو كتبوا وعيونهم على أجيال المستقبل، بل لأنهم رسموا وكتبوا وهم في حالة يقظة عميقة جمعت بين أطراف الزمن الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل. هم متصوفون قبل وبعد التصوف في احساسهم بالأزمنة. وفي خطابهم ومطامحهم يحدقون في الذاهبين والقادمين ويمتلكون الجرأة على التحديق.
ناجي العلي هو أحد هؤلاء، ومازال يأتينا من المستقبل، مثلما تأتينا معه اللحظة الفلسطينية التي أصبحت لحظة كونية، جميلة ذات يوم بعظمتها المأساوية وجلالها، بامتدادها الإنساني على مدار أكثر من قرن بكفاح شعبها الأسطوري من أجل أطفاله وأرضه ومعناه.
من دلائل عظمة هذه اللحظة أن ناجي في حدة بصره وبصيرته مازال قادراً على مخاطبة الأحياء، ومازال مثيراً للشغب في الفن والسياسة على حد سواء، يتحرق أكثر من فنان للوصول إلى مكانته، ويتحسر أكثر من انسان على فقدانه، رغم أنه لم يكن معنياً أن يظل معروفاً، أو يبقى في الذاكرة التي يعرف أنها امتياز للسجلات الرسمية لا لوجدان الناس ولا لمخاوفهم وآمالهم وطموحاتهم.
أسرار ناجي العلي مازالت شبه مغلقة حتى أمام الفنانين الذين جايلوه، أو الذين جاؤوا بعده لأنها ببساطة لم تكن مما يمكن التقاطه من فن الكاريكاتير وحرفياته فقط، بل هي ما يمكن أن يعاش كتجربة حياة وفكر في وقت واحد معاً، أو هي أسرار تختزنها كيفية تناول الفنان لمختلف جوانب تجربته، وتكوين اتجاهات بصيرته، إنها أمور خاصة وشخصية إلى حد كبير، أي هي مما لا يمكن إشاعته وتعليمه،لأنها تجارب أكثر مما هي كلام يقال ونصوص يمكن استظهارها. الإمكانية الوحيدة أمام هكذا تجارب هي أن يتلمسها الانسان ويتعرف على تضاريسها وظلالها مثلما يتعرف على منحنيات الزمن وآثاره على سطح المكان.
لاشك أن كتابة واحدة عن ناجي العلي لا تغني، ولا تصل إلى كنه فلسفته في التعامل مع فن الكاريكاتير، وتوظيفه لخدمة قضيته السياسية، إلى الحد الذي دفعه لأن يدفع ثمن هذا التوظيف وهذه الرسوم.. فناجي العلي بحاجة إلى إعادة قراءة من جديد، قراءة نقدية تحليلية على ضوء التطورات التاريخية للقضية الفلسطينية، وعلى ضوء مساحة الحرية التي كانت ممنوحة إليه للتعبير عن قضيته وأبناء شعبه، وعن الثورة الفلسطينية.
تحيــــــــــــــــاتي