كانت معرفتي به معرفة بسيطة .. أحيانا متفرقة .. أراه في المسجد أياما .. ولا أراه أياما كثيرة .. أسلم عليه بحرارة وشوق إلى معرفته والتعرف عليه ..
وحانت الفرصــة ..
عندما انصرفنا من صلاة العصر .. وقفت أنا وزميل لي في الخارج نتحدث .. فإذا به قادم .. سلم على زميلي وسلمت عليه وبدا أنهما على معرفة سابقة .. فقد كانا زميلي دراسة ..
تجاذبنا أطراف الحديث وطلبت منهما موعدا لزيارتي في منزلي .. فوافقا واتفقنا على الاجتماع بعد صلاة العصـر غدا ..
سألت زميلي عنه فحدثني بأنه إنسان فيه خيـر كثير .. فاستفسرت عن سبب غيابه عن المسجد أياما طويلة خاصة وأنه جار المسجد .. فأخبرني أن صديقه هذا له رفقاء للسوء في العمل فإذا اتصل به أحدهم تراه يتغيب عن المسجد ولا يحضر الصلاة وتكثر أسـفــاره
وقمت بالدعاء أن يهديه الله على يدي وأن يبعد عنه رفقاء السوء .. واتفقت مع زملائي أن نتصاحب معه ونخرج معه دائما لنبعده عن رفقة السوء ..
وأصبح الرجل يودنا ويحبنا ونشأ بينما الكثير من المحبة والألفة ..
استمرت صداقتنا لفترة طويلة .. وأصبحنا أسبوعيا نخرج في العطلة دون مقدمات ..
وكنت كثيرا ما ألغي ارتباطاتي الأسرية لأجل هذا الشخص فلأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ..
ثم مر الوقت .. واضطررت أن أنتقل من بيتي إلى مكان آخر في أطراف المدينة .. فانقطعت عن صديقي فترة لعدم وجود هاتف لدي ..
وكلما حاولت الاتصال به بمنزله أكثر من مرة بعد ذلك من أماكن متفرقة فكانت الإجابة تأتي دائما أنه غير موجود ..
جاءتني الأخبار أنه عاد لرفقاء السـوء .. وبعد عن الطريق إلى الله عز وجل بعد أن ذاق حلاوة الإيمان ..
فأهمل عائلته ورجع إلى سالف عهده فترك صلاة الجماعة وبدأ يتراجع للخلف ...
بدأ يسمع الأغـاني .. ترك حفظ القـرآن .. ترك الشباب الصـالحيـن وترك الكتب القيمة ..
تحسرت على ذلك ودعوت الله لي وله .. وحثثت بعض الإخـوة على معاودة الخروج معه ..
بعد مدة هاتفني أحد زملائي وكان صوته متغيرا .. وأخبرني أن فلانا هذا توفي .. !
إنا لله وإنا إليه راجعون ..
ماذا جرى له فمنذ مدة لم أره ولم أجده في بيته فقد اتصلت عليه كثيرا .. قال لي إنه سافر إلى شرق آسيا مع رفقاء السوء وتناول جرعة كبيرة ..
تناول جرعة كبيرة من المخدرات !
مات هناك وحمل في تابوت على متن طائرة عائدة ومعه تقرير يثبت سبب الوفاة !
حزنت أشد الحزن من سوء خاتمته وأيقنت أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ..
فهو لم يستمر في توبته .. ولم يخلص فيها ..
بل رجع لما كان عليه !
إنه لله وإنا إليه راجعون ..
رفعت يدي إلى السماء ودعوت من كل قلبي :
( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )
من كتاب الزمن القادم لعبدالملك القاسم ( بتصرف )
أرأيتم إخوتاه كيف أن المرء قد يترك طريق الحق بعد أن ذاق حلاوة الإيمان وأحس بحب الله عز وجل وقد صدق الله :
" واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا .. ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطـا " سورة الكهف ..
إن الحيــاة اختبار فإما إلى جنّــة وإما إلى نــار !