مفهوم الرضا الوظيفي Job Satisfaction
يمثل العمل (الوظيفة) جزء مهم من حياة الأفراد العاملين, حيث يشكل كل فرد مجموعة من الآراء والمعتقدات والمشاعر, ويكون حصيلة من المعرفة والمعلومات والخبرات عن الوظيفة التي يعمل بها, وبناءً عليها يتشكل لدى الفرد مشاعر ناحية وظيفته تجعله يميل أن يتصرف بسلوك معين يظهر في أسلوب تعامله مع الزملاء والرؤساء, وفي مدى التزامه بأنظمة المنظمة وبأداء ما يطلب منه من مهام, (ماهر, 2011م).
وقد تأثرت الإدارة التربوية باتجاهات حركة العلاقات الإنسانية في الإدارة من اهتمام بحاجات الفرد الاجتماعية والنفسية، وإشباع هذه الحاجات لكي يستطيع الفرد زيادة فعاليته, كما أولى الباحثون في مجالات السلوك التنظيمي اهتماماً متزايداً بدراسة الرضا الوظيفي لما له من تأثير واضح على فعالية المنظمة وإنتاجيتها, وكثيراً ما يختلط مفهوم الرضا الوظيفي بمفهوم الروح المعنوية، فمفهوم الروح المعنوية مرتبط بالجماعة، وهي ولاء يربط أفراد الجماعة ويدفعها إلى إنجاز عملها على أكمل وجه، بينما مفهوم الرضا الوظيفي أمر يتعلق بالفرد، فهو حالة يصل فيها الفرد إلى التكامل مع عمله من خلال طموحه الوظيفي ورغبته في النمو والتقدم وتحقيق أهدافه من خلال تحقيق أهداف العمل ذاته, (فلمبان,2008م).
كما أشارت فلمبان (2008م)إلى أن فردريك هيرزبيرج Fredrick Hezberg وضح بأن الرضا الوظيفي لا يعني أنه يقابل ما هو على النقيض له وهو عدم الرضا الوظيفي (وهذه هي النظرة التقليدية)، حيث يرى هيرزبيرج أنهما مفهومان مختلفان ويتأثران بعوامل مختلفة, وأن كل من الرضا الوظيفي (الرضا العام عن العمل) وعدم الرضا الوظيفي (الاستياء العام) جانبان لا يمكن أن يتم قياسهما بصورة مستقلة, وبعبارة أخرى يمكن لموظف أن يكون راضياً وغير راض في العمل في الوقت ذاته, حيث أن العوامل التي تسبب الشعور بالرضا التام عن العمل لا تسبب الاستياء الشديد منه والعكس صحيح, فالعوامل التي تسبب الشعور بالرضا العام عن العمل هي العوامل الدافعة، وعندما تزداد درجة إشباع العوامل الدافعة يزداد الشعور بالرضا ليصل إلى حالة الرضا التام.
JJJ
وقد أشار الطعاني والسويعي (2013م) إلى أن هوبك Hoppock عرف الرضا الوظيفي على أنه مجموعة من العوامل النفسية والوظيفية والأوضاع البيئية التي تجعل الموظف راضياً عن عمله.
– أهمية الرضا الوظيفي
حددت فلمبان (2008م) أهمية الرضا الوظيفي في النقاط التالية:
إن ارتفاع درجة الرضا الوظيفي يؤدي إلى ارتفاع درجة الطموح لدى العاملين في المؤسسات المختلفة.
إن ارتفاع مستوى الرضا الوظيفي يؤدي إلى انخفاض نسبة غياب العاملين في المؤسسات المهنية المختلفة.
إن الفرد الذي يمتلك رضا وظيفي مرتفع يكون أكثر رضا عن وقت فراغه وخاصة مع عائلته، وكذلك أكثر رضا عن الحياة بصفة عامة.
إن العاملين الأكثر رضا عن عملهم، يكونون أقل عرضة لحوادث العمل.
هناك علاقة وثيقة ما بين الرضا الوظيفي والإنتاجية في العمل، فكلما كان هناك درجة عالية من الرضا الوظيفي أدى ذلك إلى زيادة الإنتاج.
بينما أشار الأصقه (2010م) إلى أن أهمية الرضا الوظيفي الكبيرة لا تقتصر على الأفراد بل تشمل المنظمات والمجتمعات وهي كالتالي:
– بالنسبة للأفراد: إن الأفراد الذين يرتفع لديهم الشعور بالرضا الوظيفي, ترتفع لديهم:
القدرة على الابتكار والإبداع.
الدافع على الإنجاز وتحسين الأداء.
القدرة على تحقيق المواءمة والتوافق مع البيئة التي يعملون بها.
الرضا عن الحياة بصفة عامة.
مستوى الطموح.
– بالنسبة للمنظمات: إن المنظمة التي تسعى لتحقيق الرضا الوظيفي لدى العاملين, تتمتع بما يلي:
ارتفاع الانتاجية.
ارتفاع انتماء وولاء العاملين للمنظمة.
ارتفاع مستوى الكفاءة والفعالية في المنظمة.
انخفاض معدلات دوران العمل والغياب والتأخير عن مواعيد العمل الرسمية.
– بالنسبة للمجتمع: إن المجتمع الذي يتمتع أفراده بالرضا عن وظائفهم, ترتفع فيه:
معدلات الانتاجية والكفاءة الاقتصادية.
معدلات التنمية والتطوير للمجتمع.
انخفاض معدلات ترك العمل مما يؤدي إلى الاستقرار الأسري وتماسك المجتمع وتقدمه.
– نظريات الرضا الوظيفي
أشار الحربي (1996م) وفلمبان (2008م) والخيري (2008م) إلى وجود عدة نظريات مرتبطة بالرضا الوظيفي للعاملين وهي:
-نظرية ذات العاملين -نظرية القيمة
-نظرية Maslow للحاجات -نظرية الإنجاز
-نظرية التوقع -نظرية التعزيز وتدعيم السلوك
-نظرية الدرفر -نظرية (X) و(Y)
-نظرية Z -نظرية عدالة العائد
– العوامل التي تؤثر على الرضا الوظيفي
يتأثر الرضا الوظيفي بالكثير من العوامل التي تقف وراء شعور الموظفين بالرضا الوظيفي، فهو متعدد الأبعاد والجوانب، حيث لا يتأثر بعامل واحد بل هو نتيجة تفاعل عوامل شخصية ووظيفية وبيئية واجتماعية وتنظيمية, وقد وضح الخيري (2008م) بأن هذه العوامل لا تخرج عن كونها متعلقة بالعمل نفسه, ومتعلقة بالفرد وشخصيته, ومتعلقة أيضًا بالظروف البيئية المحيطة بالعمل والموظف ويمكن تصنيفها كما يلي:
العوامل الوظيفية للعمل نفسه وهذه لها علاقة بتحقيق الذات لدى الفرد، وتشمل العناصر التالية :الرغبة في الحصول على المسؤولية والقيام بالأعمال التي تضفي على العاملين أهمية في عملهم, والإحساس بالإنجاز الذي يعيشه الفرد من مقابلة مستويات اجتماعية للنجاح ومن تحقيق الشخص لقدراته أثناء عملية الإنجاز، أن يتلقى العاملون التقدير على جهودهم سواء داخل المؤسسة أو خارجها ، توفير فرص الترقي في العمل, الحالة النفسية أو المزاجية، والاضطرابات الانفعالية والصراع والقلق والإحباط، والسمات الشخصية من حيث الاستعدادات للعمل وتوفر الرغبات والميول ومستوى القدرة على أداء العمل .
العوامل الخارجية وتشمل: الأجر، وقدرة الفرد على عقد صلات اجتماعية وعلاقات إنسانية، والشعور بالأمن والاستقرار في العمل، الاندماج مع الزملاء, التقدير والعلاقة مع الزملاء والرؤساء, نوع العمل وشروطه وإجراءاته وعدالة المؤسسة وسياستها وتوعية الرؤساء المسئولين عن العاملين, ومدى تأثير العمل على الحياة العائلية بصورة عامة .
– أنواع مقاييس الرضا الوظيفي
بما أن الرضا الوظيفي يمثل مشاعر وأحاسيس غير محسوسة فإن القدرة على التعرف عليها والوصول إليها يعتبر عملية صعبة, ولقد استفادت مقاييس الرضا الوظيفي من التقدم الذي حدث في مجال علم النفس من حيث أساليبه لدراسة الشخصية والاتجاهات وغيرها من الجوانب النفسية, وهناك طرق ومقاييس مختلفة لقياس مستوى الرضا الوظيفي وتحديد أسبابه، حيث تختلف في مدى فاعليتها على ما توفره تلك المقاييس من الدقة, وهناك نوعان من مقاييس الرضا الوظيفي وهما كما يلي, (فلمبان,2008م):
المقاييس الموضوعية: هذا النوع يقيس الرضا من خلال الآثار السلوكية له مثل الغياب وترك الخدمة، وهذا النوع من المقاييس يغلب عليه الطابع الموضوعي حيث تستخدم وحدات قياس موضوعية لرصد السلوك فيه, ويتميز هذا النوع بأنه يفيد في التنبيه بالمشكلات الخاصة برضا الأفراد ولكنها لا توفر بيانات تفصيلية تتيح التعرف على أسباب هذه المشكلات أو تشير إلى أساليب العلاج الممكنة.
المقاييس الذاتية: ويقيس هذا النوع الرضا مباشرة لكن بأساليب تقديرية ذاتية وذلك بمتابعة أو سؤال الأفراد عن مشاعرهم تجاه الجوانب المختلفة للعمل، أو عن مدى ما يوفره العمل من إشباع لحاجاتهم, وهذا النوع من المقاييس يعتبر أكثر فائدة في تشخيص أسباب الرضا أو عدم الرضا.
-طريقة الملاحظة المباشرة لسلوك الموظفين.
-طريقة المقابلات الشخصية.
-طريقة تحليل الظواهر وتتميز بإمكانية التنبؤ بالعوامل التي تدفع الموظف إلى الاستمرار في عمله أو تركه، ويعاب عليها إغفال بعض الظواهر التي لا يمكن قياسها كأثر سلوكي كالدافعية.
-طريقة قوائم الاستقصاء وتعتمد هذه الطريقة على إجابات المفحوصين على استقصاءات أعدت بدقة لقياس الرضا الوظيفي ومن أشهر قوائم الاستقصاء حول الرضا الوظيفي مقياس تكساس لقياس الرضا الوظيفي، ومقياس مينيسوتا للرضا الوظيفي وقائمة وصف الوظيفة.
– علاقة التمكين الإداري بالرضا الوظيفي
أظهرت عدة دراسات مثل دراسة الطعاني والسويعي (2013م) ونافع (2010م) وجود ارتباط بين التمكين الإداري والرضا الوظيفي، بمعنى أنه كلما ازداد مستوى التمكين الإداري يزداد الشعور بالرضا الوظيفي لدى الموظفين، مما يؤكد على أهمية التمكين الإداري ودوره في زيادة الشعور بالرضا الوظيفي, إذ أن ممارسة جوانب التمكين الإداري من خلال منح المزيد من الصلاحيات ومن خلال المشاركة في صنع القرار وتحمل المسؤولية, سينتج عنها زيادة الرضا الوظيفي.
كما أشارت دراسات مثل دراسة الأصقه (2010م) إلى وجود عوامل تؤثر على الرضا الوظيفي مرتبطة بالتمكين الإداري وتساعد على التأكيد على أهمية التمكين وهي:
المشاركة في اتخاذ القرار: وهي من أهم أسس التمكين وقد أشارت العديد من الدراسات إلى أثرها الايجابي على رضا الموظفين.
التغذية المرتدة ومشاركة المعلومات: وهي من أسس التمكين ولها تأثير على ارتفاع الرضا الوظيفي.
نمط الإشراف (القيادة): إن النمط القيادي الذي يعتمد على التشجيع والتحفيز والتفويض وغرس الثقة بالموظفين ينتج عنه وجود رضا عن العمل.
فرق العمل: توافق أعضاء الفريق وتشابه الاتجاهات والميول يزيد من الرضا عن العمل.
العمل ذاته من حيث: سيطرة الموظف على الطريقة التي يؤدي بها المهام, تنوع المهام, استخدام الموظف لمهاراته وإمكانياته.
كما يتضح من مفهوم الرضا الوظيفي ومن نظريات الرضا الوظيفي وجود ارتباط بين التمكين الإداري والرضا الوظيفي.
المراجع
– الأصقه, محمد. (2010م). التمكين وعلاقته بالرضا الوظيفي للعاملين في جهاز قوات الأمن الخاصة في الرياض. رسالة ماجستير. قسم العلوم الإدارية. جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية. الرياض.
– الحربي , حمود صالح. (1996م). الرضا الوظيفي وعلاقته بالإنتاجية العلمية لدى أعضاء هيئة التدريس بجامعة الملك سعود. رسالة الخليج العربي. ع 58.
– الخيري, حسن. (2008م). الرضا الوظيفي ودافعية الانجاز لدى عينة من المشرفين المدرسيين بمراحل التعليم العام بمحافظتي الليث والقنفدة. رسالة ماجستير. قسم علم النفس. جامعة أم القرى. مكة المكرمة.
– الطعاني، حسن احمد; السويعي، عمر سلطان. (2013). التمكين الإداري وعلاقته بالرضا الوظيفي لدى مديري المدارس الحكومية في محافظة الدمام بالمملكة العربية السعودية. مجلة العلوم التربوية. مج 40.
– فلمبان, ايناس. (2008م). الرضا الوظيفي وعلاقته بالالتزام التنظيمي لدى المشرفين التربويين والمشرفات التربويات بإدارة التربية والتعليم بمدينة مكة المكرمة. رسالة ماجستير. قسم الإدارة التربوية والتخطيط. جامعة أم القرى. مكة المكرمة.
– ماهر, أحمد. (2011م). السلوك التنظيمي مدخل بناء المهارات. الدار الجامعية. الإسكندرية.
– نافع ، وجيه عبدالستار. (2010م). تمكين العاملين كأحد محددات الرضا الوظيفي وأثره على جودة الخدمة التعليمية في جامعة الطائف. مجلة العلوم الإدارية والاقتصادية. مج3. ع1.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي