شروط نجاح الحوار
نود القول منذ البدء إنه لكي ينجح الحوار ـ أي حوار ـ ينبغي أن تتوافر له شروط يمكن إجمالها فيما يلي:
.1 لابد فيه من طرفين أو أطراف حتى لا يكون مجرد خطاب للذَّات.
.2 الانطلاق من اعتراف كل طرف بالآخر؛ ويبدأ بالاستعداد النفسي للانفتاح عليه بتسامح، أي بقبوله كماهو.
.3 ينبغي لهذا الاعتراف أن يكون مقروناً بنظرة متكافئة وإرادة مشتركة، مع التقدير والرغبة في تبادل التأثر والتأثير.
.4 ضرورة التفتح والخروج من السكون والانعزال، وكل ما يفضي إلى الأنانية وسوء النظر إلى الآخر، مع ما يرتبط بذلك من جهل وعقد ومركبات، والابتعاد عن أي توجه يقصد إلى الغلبة والهيمنة والتسلط.
.5 الاتفاق على حد أدنى من المفاهيم والقيم في البدء.
.6 التوسل بالمعرفة الصحيحة والقدرة على تبادلها بهدوء نفس واتزان فكر، والسعي إلى الإقناع، دون مس بأي طرف أو برد فعله ووجهة نظره، وفي غير ظن بإلغاء الخصوصيات المميزة له.
.7 السعي إلى أن يتم الحوار في نطاق معطيات وآفاق لاتستفز الفكر والشعور، ولا تصدم القيم والمقومات، ولا تعادي الكيان في أبعاده المادية والروحية.
.8 الرغبة في إزالة الخلافات ومحو الفوارق، وتجاوز عوامل التناقض، وتقريب الهوة الفاصلة وتقوية الأواصر المشتركة.
.9 جعل جميع الأطراف تشعر بالمساواة، أي ألاّ يحس أحدها بالدونية أو العجز عن المسايرة والمواكبة. بدءاً من متابعة الحوار إلى القدرة على الأخذ والعطاء، إن لم نقل على التباري والتنافس.
.10 وهذا يقتضي تحديد الهدف من الحوار، وابتغاء تحقيقه بصدق وثقة واعتدال وإنصاف، وبالتخطيط له ورسم شروطه وأهدافه ومن يقوم به.
إن هذه الشروط ـ على إجمالها ـ قابلة للتطبيق على أي شكل من أشكال الحوار، وفي أي مستوى من مستوياته، وفق ماهو مثار في المرحلة المعاصرة مثل:
.1 الحوار العربي الأوروبي.
.2 الحوار بين الشمال والجنوب.
.3 الحوار بين ضفاف المتوسط
.4 الحوار بين الشرق والغرب.
.5 الحوار بين الأديان.
.6 الحوار الإسلامي المسيحي.
.7 الحوار للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
.8 الحوار السياسي والاجتماعي والثقافي داخل البلد الواحد.
إن بعض هذه الأنماط من الحوار الدائر الآن ـ لاسيما بين الشمال والجنوب ـ تنطلق من مخلفات عهد الاستعمار، ومن الواقع الذي يسعى فيه الطرف الآخر إلى فرض هيمنته؛ وقد تملكته الثقة بالنفس إلى حد تجاهل أدنى الشروط اللازمة للحوار، وما يمكن أن يقدمه الطرف الذي يعتبر ضعيفاً ـ إن لم يكن في المجال الاقتصادي والتقني ـ ففي غيره من المجالات، بخاصة الثقافي، وما له من أثر في حياة الإنسان فرداً أو جماعة، وفي تكييف الروابط بين الناس والتقريب بينهم.
إن وضع هذا الحوار في إطاره الحق يقتضي الخروج به من نطاق المفهوم التقليدي الذي يُعنى به مَدُّ اليد بالعون والمساعدة، مع ما يرتبط بهذا المفهوم من شعور بالاستعلاء وتضخيم الذات واعتبارها النموذج والمثال، وما ينتج عن ذلك من نظرة تصغيرية وتحقيرية للطرف المُعان.
ولاشك أنَّ مثل هذا الموقف يحث على شك الطرف المستضعف في صدق الحوار وجدواه. ومن ثم هو لايقبل عليه إلا اضطراراً وباحتياط شديد، لشعوره بأنه لا يمكن ـ في إطاره الحالي ـ أن يحقق الخروج من التخلف، للاندماج في العالم المتقدم، والمشاركة فيه بالتعاون المثمر، وبالتالي تقريب الهوة بين العالمين فأحرى ردمها.
وإن بقاء هذه الهُوَّة عميقة وبعيدة يستدعى جميع أطراف الحوار ـ والقوي منها على الخصوص ـ لتأملها وما تثيره من قضايا عقدية وفكرية، في مراعاة للقيم الدينية والخلقية التي غدا عدم استحضارها عاملاً على التحلل من الإيمان، وعلى الارتماء في أحضان الإباحية وانتشار التخدير والقلق والعنف.
وهنا تأتي أهمية الحوار بين الديانات السماوية. ويقتضي تأمله والنظر إليه من خلال معطياته التاريخية لاسيما بين المسلمين والمسيحيين، ومدى الحاجة إليه اليوم، وكيف ينبغي أن يكون.[/b][center]