المراهق والحياة المدرسية
إن دمج المراهق في الوسط المدرسي الجديد، يستدعي منه ابتكار أساليب جديدة من التكيف، نظرا لأن المواقف التي سبق وأن واجهها في مختلف المؤسسات السابقة، تختلف عن ما سيواجهه داخل مؤسسات التعليم الإعدادي والثانوي، لا من حيث التنظيم ولا من حيث المعايير أو من حيث الأوامر والنواهي، مما يجعل حياة التلميذ سلسلة من عمليات تكيفية مع طبيعة البنيات المدرسية.
إن طبيعة المجال المدرسي تجعل المراهق في البداية يحس بالوحدة والتفرد، إلى أن يتغير هذا الإحساس ويتجه إلى الغير لإقامة أواصر العلاقة معه. كما أن الجو النفسي الذي كان يعيش فيه في المراحل السابقة اختلفت، فبعدما كان التلميذ يتعامل مع أستاذ أو أستاذين في المرحلة الابتدائية، أصبح يتعامل مع مجموعة من المدرسين، وبالتالي ستتعدد المواد المعرفية، مما سيتطلب منه جهدا أكبر.
يضطر المراهق في هذه المرحلة إلى الابتعاد أكثر عن المنزل، بحكم بعد الإعدادية أو الثانوية عن المنزل، ما يدفع المراهق لقضاء وقت أطول خارج أسوار البيت.
لهذه المعطيات تأثير قوي ومباشر على شخصية المراهق وعلى مردوده الدراسي:
تتيح المدرسة للمراهق فرص التدريب على الاستقلال الذاتي عن طريق تكرار فرص الاعتماد على النفس في حل مشاكل مختلفة تواجهه، شبيهة بتلك المشاكل التي من المحتمل أن تواجهه في الأسرة والمجتمع. كما تتيح له فرص بناء الهوية الذاتية والهوية الثقافية من خلال مختلف النقاشات التي يقوم بها مع الأستاذ وزملائه، مما يساعده على النضج والتطور؛
تمكنه من بناء نسقه الفكري، مما يساعده على اكتساب القدرة على الافتراض والاستنباط وممارستها في أعمال مدرسية مختلفة تساعده على تقييم تطور تفكيره بنفسه؛
تقدم المدرسة للمراهق، عن طريق ما ترمز إليه قوانينها ومبادئها في فرض السلطة والنظام، فرص تدريبه على الاندماج في الوسط الاجتماعي العام للراشدين. ذلك الوسط الذي تحكمه مبادئ وقوانين يخضع لها الجميع.
يواجه الفرد خلال هذه الفترة مجموعة من المشاكل، يلجأ أول الأمر إلى حلها بما زود به من سلوك فطري، فإذا لم يفلح في حلها يلجأ إلى السلوك التعودي، الذي يجمع بين الفطرة والاكتساب (سلوك آلي)، وإذا لم ينجح فإنه يلجأ إلى استخدام سلوك أعقد وأرقى، يوظف فيه أسلوب التخطيط والمماثلة، مستعينا بقواعد الفكر ومنهجه حتى يتمكن من التغلب على المشكل.
الوظيفة النفسية – الاجتماعية للمدرسة
يجب على المؤسسة باعتبارها قنطرة المراهق ومعبره إلى الاندماج في المجتمع، أن تتوفر على نظام مدرسي متفهم لحاجاته ومتطلباته النمائية. فالبرامج والمقررات الدراسية ينبغي أن تنبني على أسس تراعي توفير الجو الذي يتيح للمراهقين فرص ممارسة مختلف التجارب التي تكسبهم غنى ونضجا في الشخصية عن طريق تشجيعهم ومنحهم الثقة في الذات، والإحساس بانتمائهم الثقافي والوطني. فأطفال اليوم يصلون بسرعة إلى سن المراهقة بسبب النضج الاجتماعي والجسمي والعاطفي المبكر.
نلخص فيما يلي الأدوار التي ينبغي أن تضطلع بها مؤسسات التعليم الثانوي:
إكساب المراهقين والشباب المفاهيم العلمية الإنسانية وضبطها نظريا وتطبيقيا لتسهيل استخدامها في المجتمع العربي؛
تزويد المراهقين بالمهارات الفكرية والعقلية، من طرائق التفكير ومناهج بحث علمي لمجابهة مشكلات التخلف، إذ على المقررات والبرامج الدراسية أن تكسب التلاميذ الاتجاه الإيجابي نحو العلم ونحو الأساليب الموضوعية في مواجهة مشاكل الحياة وتسليحهم بالفكر النقدي؛
الإعداد المهني والتكنولوجي للمراهقين والشباب عن طريق ربط ميولهم بقدراتهم، مع الأخذ بعين الاعتبار المتطلبات الاجتماعية لواقعهم المجتمعي، من أجل تطويره وتقدمه؛
تزويد المراهقين والشباب بالمهارات العقلية والسلوكية التي تساعدهم على التغلب على صراع القيم الذي يشكو منه أو قد يشكو منه؛
تنمية تقدير المسؤولية والعمل على أن يدرك الطالب ما له من حقوق وما عليه من واجبات؛
العمل على تنشيط ميول التلاميذ عن طريق تنويع أساليب انتشاط المدرسي؛
إكساب التلاميذ إحساس التذوق الفني وتربيته على ذلك (موسيقى، شعر…).
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي