ولد ليوناردو في بلدة صغيرة تدعى فينيشي، توسكانا، قرب فلورنسا (Vinci in Tuscany near Florence).
ابن غير شرعي لعائلة غنية أبوه كاتب العدل وأمه فلاحة مماجعله يفتقد حنان الأم في حياته. في منتصف القرن الرابع عشر استقرت عائلته في فلورنسا والتحق ليوناردو بمدارس فلورنسا حيث تلقى أفضل مايمكن أن تقدمه هذه المدينة الرائعة من علوم وفنون ( فلورنسا كانت المركز الرئيسي للعلوم والفن ضمن إيطاليا).
بشكل مثير ولافت كان ليوناردو يحرز مكانة اجتماعية مرموقة، فقد كان وسيما لبق الحديث ويستطيع العزف بمهارة إضافة إلى قدرة رائعة على الإقناع. حوالي سنة 1466 التحق ليوناردو في مشغل للفنون يملكه أندريا ديل فيروكيو (Andrea del Verrocchio) الذي كان فنان ذلك العصر في الرسم والنحت مما مكن ليوناردو من التعرف عن قرب على هذه المهنة ونشاطاتها من الرسم إلى النحت.
سنة 1472 كان قد أصبح عضوا في دليل فلورنسا للرسامين. سنة 1476 استمر الناس بالنظر إليه على أنه مساعد "فيروكيو" حيث كان يساعد "فيروكيو" في أعماله الموكلة إليه منها لوحة (تعميد السيد المسيح) حيث قام بمساعدة "فيروكيو" برسم الملاك الصغير الجاثم على ركبتيه من اليسار 1470 يوفوزاي فلورنسا (Uffizi، Florence).
سنة 1478 استطاع ليوناردو الإستقلال بهذه المهنة وأصبح معلم بحد ذاته. عمله الأول كان رسم جداري لكنيسة القصر القديم أو كما يدعى با?يطالية "بالالزو فيكيو" (Chapel of the Palazzo Vecchio) التي لم يتم انجازها.
أول أعماله الهامة كانت لوحة توقير ماغي (The Adoration of the Magi) التي بدأ بها سنة 1481 وتركها دون إنهاء، التي كانت لدير راهبات القديس سكوبيتو دوناتو فلورنسا (San Donato a Scopeto
رواية "شفرة دافنشي" للكاتب الأمريكي دان براون رواية تنزع نحو المغايرة، بسبب الإثارة والسرية التي تحتويها، وحرب الرموز الخطرة الدائرة فيها بين الوثنية والمسيحية. ورغم أنها ليست رواية تبشيرية تحاول إقناع قارئ بحقيقة تاريخية معينة، فإنها في سعيها الممتع والمثير لطرح حقائق متعددة (لا حقيقة واحدة) قدمت رؤى انقلابية لتاريخ المسيحية وتاريخ المسيح؛ وهو ما دفع الناقد البريطاني مارك لوسون بوصفها "بالهراء الخلاب"، وهو ما دفع أيضا ثلاثة مؤلفين غربيين للرد عليها من خلال ثلاثة كتب: "الحقيقة وراء شفرة دافنشي"، "وحل شفرة دافنشي"، و"الحقيقة والخيال في شفرة دافنشي".
ثم هو ما دفع أيضا المديرية العامة للأمن العام في لبنان لإصدار قرار بمنع تداول الرواية في أصلها الإنجليزي وترجمتها العربية والفرنسية بعد أن تصاعد غضب المركز الكاثوليكي للإعلام وأوصى بمنع الرواية. وموقف الكنيسة الكاثوليكية في لبنان يثير أكثر من تساؤل، خاصة أن الكنيسة الغربية بل و"الفاتيكان" نفسه لم يجرؤ على المطالبة بمصادرة الرواية أو منع توزيعها.
ولعلها المسافة السياسية والثقافية التي تعكس مناخا فارقا بين الشرق والغرب، فلم يعد مسموحا داخل المجتمع الأوربي بممارسات تتصدى لحرية التعبير أو حرية العقيدة.. بينما الأصل -لا يزال- في المجتمعات الشرقية والعربية -حتى لو كانت بلادا تتمتع بهامش حرية كلبنان- هو المنع والمصادرة!.
"شفرة دافنشي" فاجأت العالم خلال أشهر قليلة.. ترجمت إلى 50 لغة عالمية بينما وزعت الطبعة الإنجليزية منها حتى الآن أكثر من 10 ملايين نسخة!! ويظن أن دان براون نفسه كان مفاجأة للجميع فليس له تاريخ روائي أدبي كبير.. ولد عام 1965 (39 عاما) عمل مدرسا للغة الإنجليزية في المدارس الأمريكية حتى عام 1996، ثم ترك العمل متفرغا للعمل الأدبي وكتب 3 روايات قبل "شفرة دافنشي" لم تحقق ذات الشهرة لكنها اتسمت أيضا بالطابع البوليسي.
في عالم الألغاز
وقد بدأت فكرة رواية "شفرة دافنشي" عند قيام دان براون بدراسة الفن في جامعة أشبيلية في أسبانيا حيث تعلم بعض ألغاز لوحات ليوناردو دافنشي.. ولعل تأثيرات (بلايث) زوجة الكاتب الرسامة ومؤرخة الفن واضحة في الرواية؛ حيث يمزج الكتاب بين تاريخ الفن والأساطير، ويقدم قراءات جمالية ممتعة لكنائس باريس وروما ولأعمال ليوناردو دافنشي.
من ناحية أخرى اعتمد المؤلف في كثير من معلوماته على قسم دراسة اللوحات وإدارة التوثيق بمتحف اللوفر وجمعية لندن للسجلات، ومجموعة الوثائق في دير ويستمينسير، واتحاد العلماء الأمريكيين وأيضا كتاب -محاط بالشك- بعنوان "دم مقدس.. كأس مقدسة".
ومنذ الصفحة الأولى من الرواية يقرر المؤلف عدة حقائق: أولاها أن جمعية "سيون" الدينية جمعية أوربية تأسست عام 1009 وهي منظمة حقيقية.. وأنه في عام 1975 اكتشفت مكتبة باريس مخطوطات عرفت باسم الوثائق السرية ذكر فيها بعض أسماء أعضاء جمعية سيون ومنهم ليوناردو دافنشي، وإسحق نيوتن، وفيكتور هوجو. كما أن وصف كافة الأعمال الفنية والمعمارية والوثائقية والطقوس السرية داخل الرواية هو وصف دقيق وحقيقي.
داخل متحف اللوفر بباريس، وضمن أجواء بوليسية غامضة تبدأ رواية شفرة دافنشي من جريمة قتل أمين المتحف (القيم سونير) أحد الأعضاء البارزين في جماعة "سيون" السرية.. والذي ترك رسالة خلف لوحة ليوناردو دافنشي إلى حفيدته (صوفي) الإخصائية في علم الشفرات.. ضمنها كل الرموز السرية التي يحتفظ بها، وطالبها بالاستعانة في حل الشفرة بالبروفيسور "لانغدون" أستاذ علم الرموز الدينية بجامعة هارفارد، ومن خلال رحلة البحث عن حل شفرة الرسالة يتضح السر الذي حافظت عليه جماعة "سيون" الموجودة ضمن وثائق "مخطوطات البحر الميت" و"بروتوكولات حكماء صهيون".
هجوم على الكنيسة
بوضوح يعلن الكاتب تزييف رجال الفاتيكان لتاريخ المسيح ومحو كل الشواهد حول بشريته.. كما يؤكد إهدار الكنيسة لدور المرأة حين حولت العالم من الوثنية المؤنثة إلى المسيحية الذكورية بإطلاق حملة تشهير حولت الأنثى المقدسة إلى شيطان ومحت تماما أي أثر للآلهة الأنثى في الدين الحديث. وحولت الاتحاد الجنسي الفطري بين الرجل والمرأة من فعل مقدس إلى فعلة شائنة، وهو ما أفقد الحياة التوازن.
"الأنثى المقدسة" هي عقيدة جوهرية لدى جماعة سيون السرية.. ولتأكيد هذه الفكرة يقدم دان براون قراءة جمالية ممتعة ومبدعة في لوحة "الموناليزا" والتي تعكس بوضوح إيمان ليوناردو دافنشي بالتوازن بين الذكر والأنثى. فالموناليزا كما يؤكد الخبراء لا هي ذكر ولا هي أنثى ولكنها التحام بين الاثنين، بل إن تحليل اللون بواسطة الكمبيوتر وتحليل صورة دافنشي نفسه يؤكد نقاطا متشابهة بين وجهيهما.
هنا يربط المؤلف اللوحة بتاريخ الفن القديم ومعتقدات دافنشي؛ فالإله الفرعوني "آمون" إله الخصوبة المصور على هيئة رجل برأس خروف والإلهة المؤنثة "إيزيس" رمز الأرض الخصبة والتي كانت تكتب بحروف تصويرية "ليزا".. يكون في اتحادهما "آمون ليزا" أو "موناليزا" كما أرادها ليوناردو دافنشي دليلا على الاتحاد المقدس بين الذكر والأنثى.. ولعله أحد أسرار دافنشي وسبب ابتسامة الموناليزا الغامضة.
غموض دافنشي
كان ليوناردو دافنشي فنانا غريب الأطوار ينبش العديد من الجثث ليدرس البنية التشريحية عند الإنسان، ويحتفظ بمذكرات يكتبها بطريقة غامضة يعاكس فيها اتجاه الكتابة. وكان يؤمن بأنه يمتلك علما كيميائيا يحول الرصاص إلى ذهب، وكان يعتقد أنه قادر على غش الرب من خلال صنع إكسير يؤخر الموت.
وبرغم أنه رسم كمًّا هائلا من الفن المسيحي وبرغم طبيعته الروحانية فقد ظل على خلاف مستمر مع الكنيسة، يرسم الموضوعات المسيحية، لكنه يضمّن اللوحات الكثير من الأسرار والرموز التي تحتشد بمعتقداته الخاصة كأحد الأعضاء البارزين في جماعة "سيون" التي هي أبعد ما تكون عن المسيحية.
وفوق جدارية كنيسة سانتا ماريا في ميلانو بإيطاليا رسم دافنشي لوحته الأسطورية "العشاء الأخير" التي ضمنها الكثير من الأسرار والرموز حول عقائده. ويقدم دان براون قراءته الصادمة محاولا فك الشفرات وتحليل الخطوط داخل اللوحة.