قصة من كتاب حياتي
((في أحد ليالي فصل الشتاء المقمرة قبل بعض سنوات مضت، ذهبت مع مجموعة من الزملاء والأصدقاء للتخييم في البر، وكان المخيم في منطقة الذيد عند تقاطع الجسر العاشر، ومما عرفناه من ثقافة المخيمات لا تخيم في مجاري السيول (الوادي) ولا في (الغليل) وهو السهل المنخفض لتجنب (العقارب والثعابين)، بل يكون التخيم في موضع مرتفع، فقد تم نصب الخيمة في مكان مرتفع على (راس عرقوب) وقد استمتعنا بعد ذلك بالألعاب والمسابقات وبلعب كرة القدم إلى أن حل المساءا، جهزنا العشاء وصلينا العشاء وسمرنا قليلاً ، ثم ذهب كل منا لفراشه لينام، واختار كلاً منا موضعاً في الخيمة لوضع (لسليب باج) الخاص به، ولكن لم أستطع أن أجلب النوم لجفوني في هذه الأجواء الباردة، حاولت التحدث مع بعض الأصدقاء، وجدت الجميع تعب ويرغب في قسط من الراحة والنوم، بعد ذلك خرجت من الخيمة وبادرة بإشعال النار، وشرعت بتحضير شاي (الزعتر) بالحليب، ورويداً رويداً بدأ الشباب بالاقتراب، وبعد أن انتهاء تجهيز الشاي، نظرة حولي فوجت الجميع متحلق حول النار ويحملق بعينه على إبريق الشاي (ألذيذ)، بالتأكيد طمعاً في كوب من الشاي بالحليب وطلباً للدفء من النار، قمت بتوزيع أكواب الشاي على جميع من حضر فقد أخذت الاحتياط بزيادة الكمية مسبقاًً ، سمرنا قلينا ثم ذهبنا للنوم جميعاً)) انتهت القصة.
وقد تعلمت من أصدقاء المخيم في هذه الرحلة بأن الناس إذا أردتهم أن ينزلون عند رأيك ويسمعون لك، إدفعهم برغباتهم ولا تكرهم على فعل ما تريد بعصاك، وهذه إحدى أسرار الشخصية المغناطيسية الساحرة المؤثرة في الحياة، هم يدفعون الناس إلى حبهم وتقديرهم والتأثير عليهم ، عبر إعطائهم من دفء قلوبهم ومشاعرهم الكثير والكثير، وليس عبر الأوامر والتوجيهات والتعليمات.
أصدقاء المخيم لو أجبرتهم على النهوض من النوم والتجمع حول إبريق الشاي والسمر معي بالقوة، لن أجد من يستمع لي ويقترب مني، ففي طباع البشر وما جبلوا عليه الشيء الكثير، ولن تستطيع تغيره بكلمات تصدر منك ، إلى أن تسكن في قلوبهم بدفء مشاعرك، وصفاء قلبك، ونقاء روحك.
يقول رسولنا الكريم، (صلى الله عليه وسلم) : (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق) .
وفي موقف مماثل عندما تم إطلاق منتدى فريق كلباء للتميز الإداري، وهو خاص بموظفي البلدية ، لم يكن هناك التجاوب والتفاعل المطلوب والكافي من الموظفين، وقد عملت على تحفيز المشاركين بالمواضيع والنقاشات المثمرة ، وبذكر أفضل أفعالهم ومواقفهم وتصرفاتهم وقصص في العمل عنهم وعن تجاربهم وتعاملهم مع زملائهم، وبتطعيم المنتدى (بضيوف شرف) من العناصر المبادرة والفاعلة من أبناء المجتمع الإلكتروني (المنتديات) ولي معرفه مسبقة بهم، وهم من محيطنا ممن يحملون نفس الهموم والتطلعات والأحلام بالمستقبل المشرق بالإنجازات المتميزة والتي سنفخر بها جميعاً.
أسمع من يقول بأنك تستطيع أن تأخذ الحصان إلى النهر لكن لن تستطيع أن تجعله يشرب، وأقول له بأنه ما دام الحصان متواجد على النهر، عندما يرغب بالشرب (سيشرب)، من غير إجبار ولا إكراه.
ومن توفيق رب العالمين، أنه تم اختياري الأسبوع الماضي لتحكيم في الشهادة الدولية لتدريب المدربين (dta) لبرنامج (المدرب المحترف) على نظام معهد الإدارة والقيادة بالمملكة المتحدة (ilm)، وهي التجربة الثانية لي في التحكيم ، في سلطنة عُمان الشقيقة وبالعاصمة مسقط ، للمتدربين من مركز التنمية الإدارية التابع لبلدية مسقط ، وكان جميع المدربين موظفين (رؤساء أقسام ومدراء إدارة من البلدية) ، و اندهشت من المستويات المتقدمة والمهارات المتميزة في العرض والإلقاء والتقديم (للمدربين الجدد)، فقد كان التركيز في التقييم على جوانب القوة والتميز لدى المدرب في العرض والتقديم والإلقاء، مع تعزيز الجوانب التي تحتاج للتطوير، وأيضاً التحفيز بالكلمات الإيجابية، وذلك لإعطائهم دفعه قوية للمضي قدماً في خوض غمار التدريب، وقد اكتشفت خامات متميزة في التدريب الإداري والفني من بينهم.
وقد نقلت لهم سر من أسرار التدريب استطعت الحصول عليه، وهو حصيلة سنين في التعلم من مدربين مخضرمين في هذا المجال، تعلمت منهم مهارات متميزة ومتقدمة في التدريب، وهم:
(د.طارق سويدان ، د.حسين النجار ، د.علي الحمادي ،د .وايد سمويل ، د.سمير بنتن ، د.عبدالفتاح العجلوني ، د.عادل الكركي، د.بيتر دي بونو، د.طارق خانجي ، والأستاذ/عارف فضل السويدي ، والقائد والأستاذ والمعلم/عصام قارئ، والذي تعلمت منهم فنون ومهارات القيادة وقوة التأثير على الآخرين) والكثير غيرهم (حفظهم الله) لهم مني كل الاحترام والتقدير والدعاء بالخير، (من علمني حرفاً صرت له عبداً ) وقد تعلمت منهم احترام المعلم والمربي .
والسر الذي اكتشفته ونقلته للمدربين الجدد، هو (قوة التأثير للتغير) بمعنى ليس المهم أن تنهي جميع المادة التدريبية وشرائح العرض (البور بوينت)، ولكن يجب على المدرب المتميز أن يساهم بإضافة معارف جديدة للحضور بتغير القناعات وإكساب المهارات وتغير السلوك لدى المتدربين، ويكون ذلك بعدة أساليب منها ((القصص والحكايات والعرض التمثيلي والألعاب الإدارية والمواقف والتجارب المؤثرة في الحياة من أبيات الشعر وأمثلة وتجارب واقعيه وجميع الوسائل المشروعة والمتاحة)) لإيصال المعلومة وإكساب المهارة ، وهذا هو الدور الحقيقي للمدرب المتميز المؤثر في الحضور وعلى المتدربين.
ورجعت من هذه التجربة بفكرة سـأحاول تطبيقها في مجال العمل في البلدية، وهي تنظيم برنامج خاص (لرؤساء الأقسام والموظفين المتميزين على مستوى البلدية) ، في صقل المهارات وتعلم فنون العرض والإلقاء والتقديم، وذلك لهدف بعيد وهو تأسيس نادي (التوست ماستر) في مدينتنا الباسمة (كلباء الحبيبه)، وهو برنامج دولي لتعليم مهارات الخطابة والإلقاء وتعزيز الروح القيادية وبناء فرق العمل، وهو تحت مظلة المنظمة العالمية الدولية (للتوست ماستر) ومقرها في الولايات المتحدة الإمريكية، وتظم ما يزيد على (10 آلاف نادي) موزع على أكثر من (80 دولة حول العالم) مشترك به أكثر من( 200 ألف عضو) ، وسيكون البرنامج بالغة العربية ، إن شاء الله تعالى.
وأخيراً.. وجدت بأن معظم القادة والمسئولين يطالبون من الآخرين (الموظفين) بتغير سلوكياتهم والتطوير من مهاراتهم وذلك للوصول للنتائج المرجوة، ولكن قلما يواجه هؤلاء القادة التحدي (بالتأثير عليهم ودفعهم نحو تغيير سلوكياتهم) لتطوير مهاراتهم بنفس القدر الذي يأملون منهم.
وقد تعلمت بأن القائد الفعال والمدرب والمعلم المؤثر هو من يتعلم المزيد من المهارات ويصقل القدرات، ليستطيع التأثير على الآخرين بالقدوة والمثال الحي لصالح بناء الحاضر لأجيال المستقبل.