الكاتب المفكر والباحث مالك بن نبي
MALEK BENNABI
مالك بن نبي أبى إلاّ أن يواصل المسيرة الخلدونية في ضمير المسلم المعاصر جاعلا من البيان القرآني هاديا في سبيل اكتشاف المنهج السنني في التغيير،
أي المنهج العلمي الذي يؤسس قواعده انطلاقا من استقراء الحوادث واكتشاف النواميس و القوانين التي تحكمها.
السؤال الذي يطرحه بن نبي هو كيفية الاندماج في العصر دون ذوبان والعيش لحظة الإنسانية بكل تفاعلاتها
والبحث عن المشترك الإنساني في نطاق الخصوصيات الحضارية التي تشبع التجربة الإنسانية بالتنوع الخصب والثراء المفيد.
فإشكالية التخلف والتقدم والصعود والسقوط الحضاري إشكالية مواكبة لحركة الإنسان مادام موجودا عل هذه الأرض.
فيجب قراءة التاريخ واستخلاص العبر منه والاستنارة به لتجاوز الأحداث والأزمات وليس للانحباس و التقوقع بداخله.
فمالك بن نبي كان من الرواد الذين عرفوا كيف يتفاعلوا مع المعرفة الانسانية تفاعلا خلاقا دون تقليد صبياني منبعه الانبهار الذي يفضي إلى انسحاق الوعي وضموره
و الذي هو نتيجة منطقية لعدم استيعاب وامتلاك لغة العصر وعدم فهم ما يبتغيه الإنسان بغض النظر عن دينه أو لونه أو لغته.
فمالك كان محاورا متميزا لمنظومة الأفكار السائدة في عصره من ماركس إلى انجلز ومن طاغور والمهاتما غاندي إلى فرويد و دوركايم و سارتر و ماوتسي تونغ.
مع استحضار مستمر للحس النقدي وليس التكرار الأجوف من اللمسات الإبداعية التي تنم عن تأمل عميق ومشاركة فاعلة في المنجز الفكري المعاصر.
مالك بن نبي أو ابن خلدون القرن العشرين, صاغ المفهوم الحضاري في قالب جديد ليتماشى مع العصر, إستقرأ التاريخ, حاور الفلسفة, اخترق الجهل و الصّمت,
تغلغل في عمق المشكلة الإنسانية فاقتبس من هدي القرآن فأنار الدرب و وضع معالم للخروج من النفق المظلم و الالتحاق بركب الحضارة بل و قيادتها.
فلسفة المفكرالاجتماعي مالك بن نبي تتمحور :
• المستعمر يستعمر الشعوب التي لها قابلية للاستعمار
• غير طريقة تفكيرك يتغير حالك
• المشكلة فينا و ليس في ديننا
• الفعالية أساس الحركة في الفرد و المجتمع
مولده ونسبه:
ولد مالك بن نبي عام 1905 في قسنطينة وعاش في اسرة فقيرة تتكون من الجدين والابوين والاخوة
وازداد فقر الاسرة بعدما هاجر الجد الذي يعيلها الى ليبيا بسبب القمع الاستعماري
ولشدة العوز والحاجة تضطر ام مالك في بعض الاحيان الى بيع بعض آواني البيت لتشتري الطعام لأبنائها بسبب عدم كفاية مدخولها من خياطة الملابس
دراسته:
عندما بلغ مالك بن نبي سن السادسة من عمره دخل المدرسة الفرنسية في تبسة فتأثر بمعلمته السيدة بويل التي تختلف عن الكثير من المعلمين الاستعماريين
لما تحمله من حب للانسان مهما كان عرقه او دينه وكانت تطلب من تلاميذ القسم ومنهم اوربيون اتخاذ الطفل مالك بن نبي كنموذج يقتدي به في الاجتهاد والمواظبة والنظافة والسلوك القويم .
وانتقل مالك بن نبي الى قسنطينة لمواصلة تعليمه بعد حصوله على الشهادة الابتدائية بتقدير جيد
فحرص ابوه على تلقينه التقافة الاسلامية لدى الشيخ عبد المجيد في الجامع الكبير الى جانب الثقافة الغربية على يد مارتن أنذاك في سيدي الجليس
ويقول بن نبي ان هذين المعلمين الذين احبهما قد فتحا عيناه على الثقافتين الاسلامية والغربية مما سمح له بالمزج بينهما
وان اطلاع مالك بن نبي على هاتين الثقافتين جعلت منه رجلا يعيش عصره ومتمسك بدينه
فكان ياخذ عن الغرب كل مايسمح له ان يكون حديثا ومتقدما فكان ثائرا على التقاليد البالية التي ورثها المسلم عن عصور الانحطاط
كما كان ثائرا على الذين ياخذون عن الحضارة الغربية القشور بدل الجوهر كالعلوم و التكنولوجيا والفعالية والانضباط والدقة وحب العمل والنشاط
فكان يرى بأن المسلم المعاصر عليه الجمع والمزج بين المسجد والمخبر العلمي .
واحب مالك بن نبي مشاهدة السينما منذ طفولته فكان شديد الاعجاب بالشريط الوثائقي الامريكي " اسرار نيويورك " الذي كان يعرض في قسنطينة اثناء الحرب العالمية الاولى
وقد اضطر يوما الى بيع حذائه كي يشتري تذكرة الدخول لمشاهدة هذا الشريط الوثائقي وتركت فيه تلك الاشرطة السنمائية انبهارا والما في نفس الوقت
فالانبهار لما وصل اليه الغرب من حضارة وتمدن والالم لما آل اليه العالم الاسلامي من تخلف وتقهقر
فدفعه ذالك الى البحث عن الاسباب العميقة لهذا التقدم الغربي بدل الاكتفاء بالقشور واستهلاك ما تنتجه الحضارة الغربية
ويقول بن نبي ان الحضارة لا تكمن في استيراد واستهلاك السلع الغربية بل الحضارة هي القدرة على انتاج هذه السلع
فيستغرب من المسلم الذي يستهلك منتجات الغرب فيشاهد التلفزيون ويركب السيارة او الطائرة لكن دون ان يسال نفسه كيف صنعت هذه المنتجات
فيشبه المسلم بالطفل الصغير الذي ينبهر باللعبة دون البحث في كيفية صنعها ويلح بن نبي على ضرورة القضاء على هذه الذهنييات الطفولية اذا اردنا الدخول في الحضارة واكتساب التكنولوجيا .
انتقل إلى القاهرة بعد إعلان الثورة المسلحة في الجزائر سنة 1954م وهناك حظي باحترام، فكتب فكرة الإفريقية الآسيوية 1956.
وفاته:
توفي مالك بن نبي يوم 31 اكتوبر 1973 بعد صراع في راسه تحول الى سرطان
ويقال انه ضرب على راسه عند باب بيته على يد خصومه الفكريين الذين رأوا فيه الصخرة التي تحطمت عند اهدافهم
المتمثلة في نشر الالحاد والفساد في صفوف الطلبة الجزائريين كبداية لنخر المجتمع المسلم الجزائري من الداخل وتحويله الى لقمة سائغة امام التيارات الهدامة في الجزائر المستقلة .
من مؤلفاته:
-الظاهرة القرآنية - الجزائر 1946-
-رواية لبيك -الجزائر 1947-
-شروط النهضة -الجزائر 1948 -
-وجهة العالم الإسلامي -باريس 1954 -
-فكرة الآفروآسوية- 1956-
-النجدة … الشعب الجزائري يباد SOS Algérie -القاهرة 1957
-مشكلة الثقافة -1959-
-الاستعمار يلجأ الى الإغتيال بوسائل العلم- القاهرة 1960-
-فكرة كمنويلث اسلامي -القاهرة عام 1960
-حديث في البناء الجديد -1960بيروت-
-الصراع الفكري في البلاد المستعمرة -1960- La lutte idéologique dans les pays colonisés
وهو أول كتاب لمالك بن نبي بالعربية بخلاف معظم كتبه التي ألَّفها بالفرنسية.
-تأملات في المجتمع العربي -القاهرة 1961-
-في مهب المعركة -القاهرة 1961-
-ميلاد مجتمع -1962-
-آفاق جزائرية،perspectives algériennes ترجمة الطيب الشريف -1964-
-مذكرات شاهد للقرن ج1 الطفل-1965-
-إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث -القاهرة 1969-
L’œuvre des orientalistes et son influence sur la pensée musulmane moderne
-مذكرات شاهد القرن ج2 الطالب- 1970-
-مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي -1972-من أهم ماكتب بالعربية في القرن العشرين
-القضايا الكبرى
نشر له بعد وفاته:
-دور المسلم ورسالته في القرن العشرين -1977-
-المسلم في عالم الاقتصاد -1978-
-بين الرشاد والتيه-1978 -
وله كتب وآثار فكرية لم تطبع،مثل:
-قذارة أو تعفن "باللغة الفرنسية" Pourriture يصف ما عاشه بين 1939-1954
-التاريخ الحرج للثورة الجزائرية يسرد انزلاقات في مسار الثورة
-الكتاب والوسط البشري بالفرنسية Le livre et milieu humain
-دولة مجتمع إسلامي
-العلاقات الاجتماعية وأثر الدين فيها
-مجالس دمشق -مجموعة محاضرات باللغة العربية Majalis Dimashq
-من أجل التغيير
وغيرها
مات مالك بن نبي رحمه الله ، لكن أفكاره ما زالت حية تهيب بالأمة أن تتلقفها لتنهض بها من كبوتها المزمنة، وتدخل من جديد في مضمار الحضارة