لا يجوز الإحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره لأن ذلك من البدع المحدثة فى الدين ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم ولا التابعون لهم بإحسان فى القرون المفضلة ، وهم أعلم الناس بالسنة ، وأكمل حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعة لشرعه ممن بعدهم .
وقد ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) أى : مردود عليه ، وقال فى حديث اَخر ( عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) ففى هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها وقد قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه المبين ( وما اَتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ( الحشر : 7 )
( 2 )
، وقال عز وجل ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) ( النور : 63 ) ، وقال سبحانه ( لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاَخر وذكر الله كثيرا ) ( الأحزاب : 21 ) ، وقال تعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ) ( التوبة : 100 ) ، وقال تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ) ( المائدة : 3 ) . والاَيات فى هذا المعنى كثيرة . وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه : أن الله سبحانه وتعالى لم يكمل الدين لهذه الأمة ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ ما ينبغى للأمة أن تعمل به ، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا فى شرع الله ما لم يأذن به ، زاعمين : أن ذلك مما يقربهم إلى الله ، وهذا
( 3 )
بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم والله قد أكمل لعباده الدين ، وأتم عليهم النعمة .
ورسول الله قد بلغ البلاغ المبين ، ولم يترك طريقا يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة ، كما ثبت فى الحديث الصحيح ، عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما بعث الله من نبى إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم ) رواه مسلم فى صحيحه .
ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم ، وأكملهم بلاغا ونصحا ، فلو كان الاحتفال بالمولد من الدين الذى يرضاه الله سبحانه ، لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة ، أو فعله فى حياته ، أو فعل أصحابه رضى الله عنهم ، فلما لم يقع شىء من ذلك
( 4 )
عُلم أنه ليس من الإسلام فى شىء ، بل هو من المحدثات التى حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته ، كما تقدم فى ذكر الحديثين السابقين . وقد جاء فى معناهما أحاديث أخر ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم فى خطبة الجمعة ( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ) رواه الإمام مسلم فى صحيحه . والاَيات والأحاديث فى هذا الباب كثيرة وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها عملا بالأدلة المذكورة وغيرها . وذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة فى الحق وإنصاف فى طلبه : أن الإحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام بل هو من البدع المحدثات التى أمر الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بتركها والحذر منها ولا ينبغى لعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس
( 5 )
فى سائر الأقطار فإن الحق لا يُعرف بكثرة الفاعلين وإنما يُعرف بالأدلة الشرعية كما قال تعالى عن اليهود والنصارى ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك امانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) ( البقرة 111 )
وقال تعالى ( وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله ) ( الأنعام 116 ) .
ثم إن غالب هذه الإحتفالات بالموالد مع كونها بدعة لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى كاختلاط النساء بالرجال وإستعمال الأغانى والمعازف وشراب المسكرات والمخدرات وغير ذلك من الشرور وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر وذلك بالغلو فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأولياء ودعائه والإستغاثة به وطلب المدد منه واعتقاد أنه يعلم الغيب ونحو ذلك من الأمور الكفرية التى يتعاطاها الكثير من الناس حين إحتفالهم بمولد النبى صلى الله عليه وسلم وغيره ممن يسمونهم
( 6 )
بالأولياء . وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إياكم والغلو فى الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو فى الدين ) . وقال صلى الله عليه وسلم ( لا تطرونى كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله ) .أخرجه البخارى فى صحيحه من حديث عمر رضى الله عنه . ومن العجائب والغرائب أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد فى حضور هذه الإحتفالات المبتدعة ويدافع عنها ويتخلف عما أوجب الله عليه من حضور الجُمع والجماعات ولا يرفع بذلك رأسا ولا يرى أنه أتى منكرا عظيما ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة ( سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز )
ملاحظات هامة :
إن الإحتفال بالمولد النبوى ليس من الدين فى شىء بل وفيه تشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى فى احتفالهم بأعيادهم .
( 7 )
فهم يحتفلون بمولد المسيح عليه السلام .
الاحتفال بالمولد النبوى لم يكن من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا سنة الخلفاء الراشدين ولا من هدى السلف الصالح ولكن أحدثه الشيعة الفاطميون الذين يطعنون فى الصحابة ويسبون عائشة وحفصة رضى الله عنهما زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم .
أنكر كثير من علماء الأزهر وعلماء مصر بدعة الإحتفال بالمولد النبوى مثل الشيخ على محفوظ والشيخ حسنين مخلوف مفتى مصر والشيخ المراغى شيخ الأزهر والشيخ رشيد رضا والشيخ محمد حامد الفقى والشيخ عبد الرحمن الوكيل والشيخ جميل غازى واَخرين .
واستكمالا للفائدة : من البدع المنكرة أيضا الإحتفال بعيد الأم وعيد شم النسيم فلا يجوز الإحتفال بعيد لم يأت به الشرع الحنيف .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اَله وصحبه أجمعين
حكم الإحتفال بالمولد النبوى
سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مفتى عام السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء