عظم الجزاء في الصبر على البلاء
إن قصة ابتلاء أيوب عليه السلام وصبره ذائعة مشهورة وهي تضرب مثلاً للابتلاء ، والصبر، وقد ابتلاه الله عز وجل فصبر صبرًا جميلاً ، ويبدو أن ابتلاءه عليه السلام كان بذهاب المال ، والأهل ، والصحة جميعًا ولكنه ظل على صلته بربه ، وثقته به ، ورضاه بما قسم له ، وكان الشيطان يُوسوس لخلصائه القلائل الذين بقوا على وفائهم له ومنهم زوجته بأن الله عز وجل لو كان يحب أيوب عليه السلام ما ابتلاه ، وكانوا يحدثونه بهذا فيؤذيه في نفسه أشد مما يؤذيه الضر والبلاء ، فلما حدثته امرأته ببعض هذه الوسوسة حلف لئن شفاه الله ليضربنها عددًا عَيّنَه ، قيل مائـة ، وعندئذٍ توجه إلى ربه بالشكوى مما يلقى من إيذاء الشيطان ، ومداخله إلى نفوس خلصائه ، وَوَقْع هذا الإيذاء في نفسه { أني مسني الشيطان بنصب وعذاب } فلما عرف ربه منه صدقه ، وصبره ، ونفوره من محاولات الشيطان ، وتأذيه بها أدركه برحمته ، وأنهى ابتلاءه ، ورد عليه عافيته إذ أمره أن يضرب الأرض بقدمه فتنفجر عين باردة يغتسل منها ويشرب فيشفى ويبرأ { اركض برجلك هذا مغتسلٌ باردٌ وشراب } فأما قسمه ليضربن زوجته ، فرحمة من الله به وبزوجته التي قامت على رعايته ، وصبرت على بلائه ، وبلائها به ، أمره الله أن يأخذ مجموعة من العيدان بالعدد الذي حدده فيضربها بها ضربة واحدة تجزيء عن يمينه فلا يحنث فيها { وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث } هـذا التيسير ، وذلك الإنعام كانا جزاءً على ما علمه الله من عبده أيوب عليه السلام من الصبر على البلاء وحسن الطاعة ، والالتجاء إليه سبحانه { إنا وجدناه صابرًا نعم العبد إنه أواب } والمهم في معرض القصص هنا تصوير رحمة الله عز وجل وفضله على عباده الذين يبتليهم ، فيصبرون على بلائه ، وترضى نفوسهم بقضائه .
وفي ظل ما يصيبنا في حياتنا من ابتلاء أو نسمعه عن إخواننا نستفيد من قصة أيوب عليه السلام بفوائد عظيمة أهمها ما يلي:
أولاً : أن عاقبة الصبر عاقبة حسنة حتى صار أيوب عليه السلام أسوة حسنة لمن ابتلى بأنواع البلاء .
ثانيًا : أن من امتحن في الدنيا بمحنة ، فتلقاها بجميل الصبر ، وجزيل الحمد رجي له كشفها في الدنيا مع حسن الجزاء في الآخرة .
ثالثاً : الرضا بقدر الله عز وجل والتسليم الكامل بذلك ، وهذا من شأنه أن يَعْمُر الأمن ، والإيمان قلب المؤمن ، فيعيش في غاية السعادة ؛ وإن تضجر بقدر الله ، فإنه يعيش حياة البؤس ، والشقاء ، وأن اليأس ، والبكاء لا يرد شيئاً مما فات ، وإنما التوجه إلى الله بالضراعة كما فعل أيوب عليه السلام والصبر على المكاره يزيل من النفوس الهم ، والغم.
قال الشاعر :
فَدَعْ مَا مَضى واصْبِرْ على حِكِمْةِ الْقَضَا ** فَلَيْسَ يَنَالُ الْمَرْءُ مَا فَـاتَ بِالْجُهْـدِ
رابعاً : أن في دعاء أيوب عليه السلام ومُنَاجاته ربه آداب ينبغي أن نراعيها، ونتعلمها منها : أنه عرض حاله فقط على الله عز وجل وكأنه يقول : هذه هي حالي فإن كان يرضيك هذه الآلام ، والأمراض التي تسري في أْوْصَالي ، وهذه الآلام التي تؤرقني ، وإن كان يرضيك فقري ، وزوال أموالي وأولادي إن كان يرضيك هذا ، فلا شك أنه يرضيني ، وإن كان عفوك وكرمك ورحمتك تقتضي أن ترحمني ، وتزيل ما بي من بؤس ، وألم ، فالأمر كله إليك ، ولا حول ، ولا قوة إلا بك .
خامساً : حسن التوجه بالدعاء إلى الله سبحانه والثقة بالاستجابة.
يقول الأستاذ/ سيد قطب ـ رحمه الله ـ : وقصة ابتلاء أيوب عليه السلام من أروع القصص في الابتلاء، والنصوص القرآنية تشير إلى مجملها دون تفصيل، وأيوب عليه السلام هنا في دعائه لا يزيد على وصف حاله { أني مسني الضر } ووصف ربه بصفته { وأنت أرحم الراحمين } ثم لا يدعوا بتغيير حاله ، صبراً على بلائه ، ولا يقترح شيئاً على ربه تأدباً معه ، وتوقيراً ، فهو أنموذج للعبد الصابر الذي لا يضيق صدره بالبلاء ، ولا يتململ من الضر الذي تضرب به الأمثال في جميع الأعصار ، بل إنه ليتحرج أن يطلب إلى ربه رفع البلاء عنه ، فيدع الأمر كله إليه اطمئناناً إلى علمه بالحال ، وغناه عن السؤال وفي اللحظة التي توجه فيها أيوب عليه السلام إلى ربه بهذه الثقة ، وبذلك الأدب كانت الاستجابة ، وكانت الرحمة ، وكانت نهاية الابتلاء . قال تعالى :{ فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم } رفع عنه الضر في بدنه فإذا هو معافى صحيح ، ورفع عنه الضر في أهله فعوضه عمن فقد منهم { رحمة من عندنا } فكل نعمة فهي من عند الله ومنة {وذكرى للعابدين } تذكرهم بالله وبلائـه ورحمته في البلاء وبعـد البلاء ، وإن في بلاء أيوب عليه السلام لمثلاً للبشرية كلها.
قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ " رواه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني.
اللهم وفقنا للصبر والرضا واصرف عنا اليأس والسخط وارزقنا العافية في الدين والدنيا والآخرة وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.