طالعتُ الكتب التي تعتني بمسألةِ القلقِ والاضطرابِ، سواءٌ كانتْ لسلفِنا من محدِّثين وأدباء ومربِّين ومؤرِّخين أو لغيرِهمْ مع النشراتِ والكتبِ الشرقيةِ والغربيةِ والمترجمةِ، والدورياتِ والمجلاَّتِ، فوجدتُ الجميع مجمعين على ثلاثةِ أسسِ لمنْ أراد الشفاء والعافية وانشراح الصدرِ، وهي:
الأولُ: الاتصالُ باللهِ عزَّ وجلَّ، وعبوديتُه، وطاعتُه واللجوءُ إليه، وهي مسألةُ الإيمانِ الكبرى، ﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ﴾.
الثاني: إغلاقُ ملفِّ الماضي، بمآسيهِ ودموعِه، وأحزانِه ومصائِبِه، وآلامِه وهمومِه، والبدءِ بحياةٍ جديدةٍ مع يومٍ جديدٍ.
الثالثُ: ترْكُ المستقبلِ الغائبِ، وعدمُ الاشتغالِ بهِ والانهماكُ فيهِ، وتركُ التوقعاتِ والانتظاراتِ والتوجُّساتِ، وإنِّما العيشُ في حدودِ اليومِ فَحَسْبُ.
قال عليٌّ: إيَّاكمْ وطول الأملِ، فإنَّه يُنْسِي ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ﴾. إيَّاك وتصديق الأراجيفِ والشائعاتِ، فإنَّ الله قال عنْ أعدائِه: ﴿ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾.
الجانب المشرق
عجبتُ لعالِم نفساني شهيرٍ أمريكي، اسمُهُ (وليم جايمس)، هو أبو علِم النفسِ عندهم، يقولُ: إننا نحنُ البشرُ نفكِّرُ فيما لا نملكُ، ولا نشكرُ الله على ما نملكُ، وننظرُ إلى الجانبِ المأسويِّ المظلمِ في حياتِنا، ولا ننظرُ إلى الجانب المشْرقِ فيها، ونتحسَّرُ على ما ينقصُنا، ولا نسعدُ بما عندنا.
وعرفتُ أناساً منْ سنواتٍ عديدةٍ، وهمْ ينتظرون أموراً ومصائب وحوادث وكوارث لمْ تقعْ، ولا يزالون يُخوِّفون أنفسهم وغيرهم منها، فسبحان الله ما أنكدُ عَيْشَهمْ!! ومَثَلُ هؤلاءِ كالسجينِ المعذَّبِ عند الصينيين، فإنهمْ يجعلونه تحت أنبوبٍ يقطُرُ على رأسِهِ قطرةً من الماءِ في الدقيقةِ الواحدةِ، فيبقى هذا السجينُ ينتظرُ كلَّ قطرةٍ ثمَّ يصيبُه الجنونُ، ويفقدُ عقله.
وقدْ وصف اللهُ أهل النارِ فقال: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا﴾، ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى﴾، ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا﴾.