المكان مظلم بشكل دائم، والشمس تتحول الى منارة نائية تبعد حوالي ستة مليارات كيلومتر. ودرجة الحرارة تتأرجح حول 230 درجة مئوية تحت الصفر، وهي درجة حرارة ابرد من حرارة النيتروجين السائل، واذا ما ارسل الشخص الموجود في هذا المكان نداء استغاثة، فسيكون عليه ان ينتظر لمدة خمس ساعات لكي تصل الاشارة اللاسلكية الى الارض. هذا المكان هو كوكب بلوتو. وقد كان هذا الكوكب منذ اكتشافه قبل اكثر من 70 عاما لغزا محيرا، فبعده الهائل لا يسمح الا لاقوى التلسكوبات في العالم باستطلاع اسراره. وهو الكوكب الاكثر غرابة في مجموعة الكواكب الشمسية، الذي يأبى ان يطابق مفاهيمنا المرتبة عن ماهية الكواكب وكيفية تصرفها. وبحجمه الذي لا يتجاوز نصف حجم أي كوكب اخر، فانه لو تم اكتشاف بلوتو هذه الايام، لكان من المشكوك فيه ان يعتبره علماء الفلك الكوكب التاسع والاخير في المنظومة الشمسية. ومع ذلك، فانه من الصعب تجاهله واعتباره مجرد كتلة من الجليد والصخور في الوقت الذي يبلغ حجمه ضعف حجم اكبر الكويكبات. وهناك ايضا مداره، الذي يعتبر الاغرب من بين مدارات الكواكب كلها، حيث يسمح له بالتسلل الى داخل مدار نبتون بين الفترة والاخرى. وفي الوقت الحاضر، يتجه بلوتو نحو ابعد نقطة له عن الشمس، ولكن ذلك لا يحدث بدون اظهار مفاجآت جديدة، فمعظم الاشياء تصبح اكثر برودة كلما ابتعدت عن مصدر الحرارة، ولكن هذا الامر لا ينطبق على بلوتو، فقد كشفت ملاحظات علماء فلك اميركيين ان بلوتو تزداد سخونته ولا احد يعلم السبب. والآن يبدو ان السحابة الغامضة التي كانت تحيط ببلوتو قد بدأت تنقشع مؤخرا. ففي الخريف الماضي، قدمت الحكومة الاميركية 100 مليون دولار لوكالة الفضاء الاميركية «ناسا» لمساعدة مجموعة من الجامعات على اعداد اولى الرحلات الفضائية الى هذا المركز السماوي الصغير، وسيستغرق مسبار الفضاء «نيوهورايزنز» تسعة اعوام في الوصول الى بلوتو، وحالما يصل الى هناك، فانه سيقوم بمسح ومراقبة الكوكب وقمرة «تشارون» والهبوط الى حدود مسافة 10 آلاف كيلومتر من سطحه. وسيحول مسبار نيوهورايزنز بلوتو من البقعة المضيئة التي ظهرت لأقوى التليسكوبات الى كوكب ممسوح الى تفاصيل اجسام لا يتعدى عرضها 60 مترا. وستكون هذه الرحلة بمثابة نقطة تحول في الفلك، حيث ستفتح منطقة جديدة وغير مطروقة من كوننا الذي يمتد من مدار بلوتو الى الفضاء الاسود البارد الواقع بين النجوم. وقد شك علماء الفلك منذ امد بعيد ان هناك شيئا اكثر من مجرد فضاء فارغ في ذلك المكان. وفي غضون سنوات قليلة من اكتشاف الكوكب بلوتو في عام 1930، كان العلماء يتنبأون بوجود اجسام اخرى وراءه. وفي عام 1943، اقترح عالم الفلك الايرلندي كنيث اجويرث وجود حزام من الاجسام الجليدية الصغيرة فيما وراء بلوتو، وهي فكرة اعيد طرحها مجددا في الخمسينيات من قبل الفلكي الاميريكي جيرارد كويبر، الا انه، ومع صراع التليسكوبات حتى في مراقبة بلوتو، بدا وكأن الاحتمال ضئيل في ان يتمكن العلماء من ايجاد دليل على ما بات يعرف منذ ذلك الحين باسم «حزام كويبر». لكن هذا الوضع تغير في اغسطس من عام 1992 عندما كان يراقب ديف جويت من جامعة كاليفورنيا في بيركلي باجراء عمليات رصد باستخدام تليسكوب الجامعة في موناكي البالغ قطره 2,2 متر. ووجدوا جسما خافت الاضاءة بشكل كبير بدا وكأنه يتحرك في خلفية السماء المظلمة. وكان ضوؤه خافتا جدا كدليل على بعده الهائل، ولكن حركته ألمحت الى انه قد يكون جسما صغيرا يدور حول الشمس في اقصى اطراف المنظومة الشمسية المعروفة. وبمراقبته على مدار ليلتين متعاقبتين، حسب جويت وجدوا ان الجسم يبعد بقدر المسافة التي يبعدها بلوتو على الاقل، وتساءل الاثنان ما اذا كانا قد عثرا على اول جسم في حزام كويبر وقد اظهرت الدراسات اللاحقة انهما على حق. ويعتبر الجسم، الذي يحمل الآن اسم «1992 كيوبي 1» كتلة من الجليد والصخور يبلغ اتساعها 300 كيلومتر وهو من مخلفات ميلاد المنظومة الشمسية، ويدور في مدار يقع على بعد 600 مليون كيلومتر عن مدار بلوتو. ومنذ ذلك الحين، تم اكتشاف اكثر من 500 جسم في حزام كويبر بين صغير وكبير نسبيا. ولكن المعتقد هو ان بلوتو هو اكبر تلك الاجسام وهو الذي يجذبها نحوه، وبالتالي فهي تدور في فلكه. غير ان بعض العلماء يعتقدون بوجود كوكب اكبر من بلوتو يقع ربما في مكان ما وراء الطرف الاقصى للمنظومة الشمسية فهل يتمكن المسبار «نيوهورايزنز» من اكتشاف هذا الكوكب الذي سيكون الكوكب العاشر في المنظومة الشمسية ام اننا سنحتاج الى الانتظار طويلا قبل ان نتمكن من معرفة ذلك