الشجاعة هي مواجهة الآلام أو الخطر عند الحاجة في ثبات، وليست مرادفة لعدم الخوف كما يظن بعض الناس؛ فالذي يرى النتائج ويخاف من وقوعها ثم يواجهها في ثبات رجل شجاع.
ومادام الإنسان يعمل في موقفه خير ما يعمل فهو شجاع؛ فالقائد الذي يقف في خط النار فيرتعش ويخاف أن ينزل به الموت لكنه يعود ليضبط نفسه ويؤدي عمله كما ينبغي قائد شجاع، بل هو شجاع أيضا إذا رأى أن خير عمل يعمله أن يتجنب الخطر، وأن الواجب يقضي أن ينسحب بجنوده حيث لا خطر؛ فإن هو أضاع في موقفه رشده أو ترك موقفا يجب أن يقفه أو فر بجنوده من خطر كان عليه أن يواجهه فهو جبان.
فليست الشجاعة في الإقدام والإحجام، ولا على الخوف من عدمه، إنما تعتمد على ضبط النفس وعمل ما ينبغي؛ فإن ضبط الشخص نفسه وعمل ما يجب أن يعمل في مثل موقفه على رغم خطر أمامه، وعلى رغم ما يشعر به من خوف؛ فهو شجاع وإلا فلا.
الجبن المذموم
وليس بالمحمود أن يتجرد الإنسان من كل خوف؛ فقد يكون الخوف فضيلة وعدمه رذيلة؛ فالخوف عند إمضاء عقد سياسي مثلا وإنهاء أمر خطير فضيلة؛ إذ هو يحمله على الروية حتى يختمر رأيه، وفضيلة أن يخاف الإنسان من ثلم عرضه وشرفه، فليس شجاعا من يدخل الحانة ويشرب جهارا أو يقامر على ملأ من الناس بغير وجل؛ فذلك ضعف في الشعور لا شجاعة.
إنما الجبن المذموم والخوف المرذول أن يبالغ الإنسان في الخوف، أو يهول في الشيء المخوف؛ فمثلا كل إنسان عرضة لكلب يعضه أو سلك ترام يصعقه أو سيارة أو قطار يدهمه أو نار تنشب في بيته أو مكروه ينال منه.. كل هذه الأشياء تخيف، ولكن الجبان يبالغ في الخوف منها، ويخشى جد الخشية من وقوعها، ثم يحمله جبنه على ترك العمل؛ فلا يركب مركبا مثلا خشية أن يدركه الموت، ولكن الشجاع لا يفكر كثيرا في احتمال الشر، ثم إذا وقع لم يطر قلبه شعاعا؛ بل يصبر له ويتحمله في ثبات.
وعلى الجملة فالشجاع ليس المتهور الطائش؛ الذي لا يخاف مما ينبغي أن يخاف منه، ولا بالجبان الذي يخاف مما لا يخاف منه.