"والهمّ يخترم الجسيم نحافةً ... ويشيب ناصية الغلام ويهرم".. رغم أن الشاعر العربي العباسي أبو الطيب المتنبي كان على يقين بدلالة ما يقول حين ألقى هذا البيت، فإنه لم يكن يدري بأن علوم الطب والصحة النفسية ستتوصل بالتجارب العلمية العملية بعد أكثر من ألف سنة لنتائج تؤكد صحة المعنى الذي قصده.
فقد توصل د. كارل مانينغر، أستاذ الطب النفسي الأمريكي، في كتابه الذي ترجم إلى العربية تحت عنوان: "الإنسان ضدّ نفسه" إلى أن القلق، يتسبب في آثار سلبية "تحطم الجسد والعقول"، وهو نفس المعنى الذي أكده الطبيب الأمريكي وليم مالك غوينغل.
وفي خطاب أمام اتحاد أطباء الأسنان الأمريكيين قال غوينغل: "إن المشاعر غير السارّة مثل القلق والخوف.. يمكن أن تؤثر في توزيع الكالسيوم في الجسم، وبالتالي تؤدي إلى تلف الأسنان".
أما الدكتور راسل سيسيل الأستاذ بجامعة "كورنيل" الأمريكية فتوصل إلى أربعة أسبابٍ شائعة تسبب في التهاب المفاصل، وتنحصر في أمور ونتائج نفسية وهي انهيار الزواج، والكوارث المادية والحزن، الوحدة والقلق إلى جانب الاحتقار والحقد.
وأفظع مما سبق يقول الدكتور ألكسيس كاريل -الحائز على جائزة نوبل في الطب- "إنّ رجال الأعمال الذين لا يعرفون مجابهة القلق، يموتون باكرا"، وربما في ذلك نوع من الصحة ولكن كل شيء بقضاء وقدر، وقد يمكن أن يكون من الأسباب المتلفة للجسم والمحطّمة للكيان هو "القلق".
وبالإحصاءات يؤكد الكاتب والمفكر الأمريكي دايل كارنيجي: "أنّ القلق هو القائل (رقم1) في أمريكا، ففي خلال سني الحرب العالمية الأخيرة ، قتل من أبنائنا نحو ثلث مليون مقاتلٍ، وفي خلال هذه الفترة نفسها قضى داء القلب على مليوني نسمةٍ. ومن هؤلاء الأخيرين مليون نسمةٍ كان مرضهم ناشئاً عن القلق وتوتّر الأعصاب".
ورصد الدكتور إدوار بودولسكي في كتابه "دع القلق وانطلق نحو الأفضل" بعض الآثار السلبية التي يسببها القلق، على الصحة، فجاء عدد من عناوينه الفرعية على النحو التالي.
• ماذا يفعل القلق بالقلب؟
• ضغط الدم المرتفع يغذّيه القلق.
• القلق يمكن أن يتسبب في أمراض الروماتيزم.
• خفّف من قلقك إكراماً لمعدتك.
• كيف يمكن أن يكون القلق سبباً للبرد؟
• القلق والغدّة الدرقية.
• مصاب السكري والقلق.
علاج القلق
كل هذه الاضطرابات والمشكلات التي يسببها القلق كانت كفيلة بتوجيه المفكرين والأطباء للبحث عن علاج لذلك الداء، ويعد الهدوء في التعامل مع الأمور أحد هذه الحلول العملية البسيطة التي توصل إليها كارنيجي، حيث يقول في كتابه "دع القلق وابدأ الحياة": "إن الزنوج الذين يعيشون في جنوب البلاد والصينيين نادراً ما يصابون بأمراض القلب الناتجة عن القلق ؛ لأنهم يتناولون الأمور بهدوء".
وللتخلص من نفس الداء ينصح الدكتور ريتشاردز كابوت أستاذ الطبّ في جامعة "هارفرد" الأمريكية ، في كتابة بعنوان "بم يعيش الإنسان": "المرضى الذين يعانون من الارتعاش الناتج عن الشكوك والتردّد والخوف بصفتي بعلاج (العمل).. فالشجاعة التي يمنحها العمل لنا هي مثل الاعتماد على النّفس".
أما الدكتور كارل جائغ أبرز أطباء النفس الغربيين فيرى أن الإيمان بالله علاج ناجع لكافة الأمراض وخاصة النفسية.
ويقول في كتابه "الإنسان الحديث في بحثه عن الروح": "خلال السنوات الثلاثين الماضية، جاء أشخاصٌ من جميع أقطار العالم لاستشارتي، وقد عالجت مئات المرضى، ومعظمهم في منتصف مرحلة الحياة، أي فوق الخامسة والثلاثين من العمر، ولم يكن بينهم من لا تعود مشكلته إلى إيجاد ملجأ ديني يتطلّع من خلاله إلى الحياة، وباستطاعتي أن أقول: إن كلاّ منهم مرض لأّنه فقد ما منحه الدين للمؤمنين، ولم يشف من لم يستعد إيمانه الحقيقيّ".