بمجرد أن ينتهي الشاب الفلسطيني عماد قرمش من صلاة العشاء في مسجد "كاتب ولايات" الأثري بمدينة غزة، ينتعل حذاءه متوجهًا إلى حيث ينتظره أفراد عائلته المكونة من 13 فردًا.
وما هي إلا خطوات معدودة حتى يدخل كنيسة "القديس برفيريوس" الملاصقة للمسجد، في مشهد سيثير علامات استفهام كثيرة لمن سيراه لأول مرة.
لكن سكان حي الزيتون القديم بمدينة غزة، لن تذهب بهم الظنون بعيدًا؛ لأنهم يعرفون أن "قرمش" الشاب المسلم دخل الكنيسة كي ينام، فبيته -ببساطة- يقع في حديقتها.
لا يقطن عماد (40 عامًا) في الكنيسة فحسب، بل يقوم على حراستها، وارثًا هذه المهمة الإنسانية عن أبيه وجده، الذي قدم إلى غزة عقب نكبة فلسطين عام 1948م قادمًا من قريته "اسدود" الواقعة على البحر المتوسط شمال غزة، حينما أجبرت العصابات السكان على الرحيل.
وقد عمل الجد "محمد" بائعًا للبطيخ من أجل توفير قوت يومه، وظل على هذه الحال إلى أن طلب منه راعي الكنيسة أن يتولى مهمة حراستها.
ونظرًا لبعد منزل الجد قرمش عن موقع الكنيسة طلب الراعي منه السكن في إحدى الغرف الواقعة في حديقة الكنيسة، ما حدث بالفعل.
صمام أمان
ويروي قرمش ما تبقى من القصة قائلا: "في عام 1965م توفى جدي، وحينها طلب رعاة الكنيسة من أبي أن يواصل العمل حارسًا للكنيسة مثل أبيه".
وقد وافق الأب مشترطًا عدم تلقي أجر؛ لرغبته في أن يعمل عملا حرًا، وعرض عليهم أن يكون أجره فقط هو تكاليف "استهلاك الماء والكهرباء"، ما كان بالفعل.
وبعد وفاة الأب "محمد" واصل عماد هذه المهمة، لكن بتكليف "أدبي" وليس رسميًا، فهو لا يتقاضى أي أجر مقابل هذا العمل، ما كان له أثره في قلوبهم.
وتقع كنيسة القديس برفيريوس في حي الزيتون بمدينة غزة ملاصقة لمسجد "كاتب ولايات".
ويشدد عماد على رغبته في الاستمرار بالعيش في منزله الجاري؛ نظرًا لرمزية المكان بالنسبة له ولأسرته، ولشعوره بأنه يؤدي خدمة إنسانية جليلة، يحفظ من خلالها صفو العلاقات التاريخية بين المسلمين والمسيحيين.
ويضيف: "أشعر بأن وجودي هنا بمثل صمام أمان يحمي التعايش الإسلامي المسيحي في فلسطين".