ليس لأنها صنفت بالرواية الأكثر مبيعاً في قائمة صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية .. وليس لأنها ترجمت الى (طشلمية ) لغة – خمسين على وجه التحديد-
.. وليس لأنها أثارت الكثير من الجدل حين صدورها بين الأوساط المسيحية
وليس لأن هناك من ادعى بأن فكرتها مسروقة من كتاب كتب في أول الثمانينيات القرن المنصرم لثلاثة مؤلفين ..
وليس لجمال حبكتها .. وصياغتها .. والكم الهائل من المعلومات التي زخرت بها صفحات هذه الرواية ..
لن أكتب لأي سبب من هذه الأسباب .. التي قد تكون وجيهة جداً للكتابة عن أي مصنف أدبي أو عمل جميل.
ولست ناقداً فآنا لا أجيد السباحة في هذا البحر.. ولكن ما أعجبني حقاً في هذه الرواية أنها تقرع أبواب العقل الباطن بشدة!!
أو بمعنى آخر أنها تخاطب اللاوعي .. وتحاول تغيير( الأركيتايبس) Archetypes أو الأمثلة الذهنية التي يكونها العقل الباطن بصور أو رموز مكتسبة من واقع الحياة اليومية
بطريقة تراكمية..فالعقل الباطن يتعامل مع عدة أنواع من الرموز تكون لها دلالاتها الحسية أو المعرفية بالنسبة له فعلى سبيل المثال لو أخذنا شعار أحد الأندية الرياضية كالهلال أو المريخ .. فسوف نجد أن تلك الرموز كالنجمة الخماسية ذات اللونين الأحمر والأصفر أو الهلال ذو اللونين الأبيض والأزرق قد انتقلت من كونها رمزا بسيطاً الى أركيتايب .. يمكنه أن يثير مشاعر و عواطف قوية لدى مجموعة كبيرة من البشر .. فالعقل اللاواعي أو الباطن لديه مجموعة كبيرة من الأمثلة الوهمية لتعريف بعض ما يصعب عليه تحديد تعريف محدد له ويربطها بذلك ..فمثلا عند الأغلبية يعرف العقل الباطن الشخص الشرير بأن له عيونا ضيقة و أنفاً معقوفاً وذقناً مدببة أو ملامح حادة فتجد نفسك تأخذ الحذر - لأسباب غير واضحة بالنسبة لك- عندما تلتقي بشخص يحمل جزءاً من هذه الملامح وتشعر بعدم إرتياح تلقائي لهذا الشخص ! بينما أنه قد يكون من الطف البشر على الإطلاق ..هذه هي أهمية الرموز الذهنية لأنها قد تحكم ردود الفعل لكمية كبيرة جداً من البشر لفعل معين قد يكون عاديا ً جداً لدى البعض وقد يكون غير مقبول على الإطلاق لدى البعض الآخر لإختلاف تعريف الرموز الذهنية حوله.
وقد استخدم جورج أورويل في عام ١٩٤٣ نفس الأسلوب في مخاطبة العقل الباطن في روايته (مزرعة الحيوان) التي كان فيها متحمسا للنظام الاشتركي في البدء ثم صدمه ما حل بالتروتسكيين على يد الستالينيين فكتب كتابه ذاك في وصف حال الثورة البلشفية متخيلاً عالماً من الحيوانات يعيش في مزرعة .. وقد اعتمد في كتابته على الإشارة للسلطات بالحيوانات الوضيعة نوعاً ما مثل أن جعل الخنازير( نا بليون و سكويلر ) واجهزة امنهم هي الكلاب وما الى ذلك من ربط جميعمن هم في الرواية بالصورة أو الرمز الذهني الذي يناسبه لدى العامة فجاءت الرواية سلسة ومحكمة فنية لا تجعل القارئ يسأل كيف تتحدث الحيوانات أو تبكي أو تستخدم البندقية .. كان الترابط يعتمد على قدرة العقل الباطن بربط الشخصيات الحيوانية بالشخصيات الواقعية .. وهنا تكمن عبقرية المؤلف ومن هنا بدأت هذه الرواية التي تلعب على هذا المحور المشابه تشدني لأنها تهدف الي تغيير بعض المسلمات من داخل أروقة العقل الباطن وليس ببعض الكلمات البراقة .. وهذا ذكاء شديد يحسب لدان براون.
وبما أنني من الذين يتبنون نظرية المؤامرة ولكن ليس الى حد الهوس والبارانويا فقد حركت هذه الرواية بعضاً من الشجون القديمة..
والتساؤلات التي تتعلق بنظرية المؤامرة ..
مؤامرة ضد الشعب السوداني (الفضل)
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي