أهمية القرآن في حياة المسلم ووجوب تعظيمه
كتبهامرهف سقا ، في 3 نيسان 2008 الساعة: 01:42 ص
أهمية القرآن في حياة المسلم ووجوب تعظيمه
لابدّ للمسلم أن يعلم أهمية ارتباطه بكتاب ربّه وانكبابه على قراءته وتدبره، ذلك لأن فهم القرآن يحدث تغييراً في كيان الإنسان وانقلاباً في فكره ومنهج حياته، فلا تعجب من سرعة التغيير الذي حدث في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إسلامهم وسماعهم لكلام الله وكيف انقلبوا من أعداء للإسلام إلى جنود من جنوده يقدمون الغالي والرخيص لأجله .
ولذلك كانت حرب أعداء الله وأعداء الإسلام على القرآن، ومحاولة تشويه صورته في كيان المسلم، وتحريف تفسيره في فهم المسلم، وقصر سماعه وقراءته على المناسبات والتعازي وما شابه ذلك ليمحوا أثر كتاب الله في المسلمين ، فيبقى القرآن رسم لا معنى له كما يظنون وأقوالهم تشهد على مرادهم ،يقول كرومر عندما دخل محتلاً البلاد الإسلامية: (جئت لأمحوا ثلاثاً: الكعبة والأزهر والقرآن).
ويقول جلادستون رئيس وزراء إنكلترا
لن تستقيم حالة الشرق ما لم يُرفع الحجاب عن وجه المرأة ويغطَّى به القرآن)
ومن المشهور عنه عندما كان وزيراً لمستعمرات بريطانيا عام 1895م أنه وقف يقول لزملائه وقد أمسك بقرآن في يده: ( لن تحقق بريطانيا شيئاً من غاياتها في العرب والمسلمين إلا إذا سلبتهم هذا الكتاب أولاً … أخرجوا سرَّ هذا الكتاب مما بينهم تتحطَّم جميع السدود)
إذن هم يدركون سرَّ القرآن في المسلمين وأثره في رُقيِّهم وتقدمهم، وفاعليته في فتح مدارك العقل وآفاق النفس، فأخذوا يعملون في هدم عقل المسلم ليصوغوه كما يريدون وبما أن القرآن يربي في المسلم شخصيته الفريدة والمتميزة ، ويربي فيه العزة والأنفة وعدم الخضوع للغير، بل يغرس فيه الولاء لله تعالى، فإن انحراف أبناء الإسلام لا يتم إلا بانحرافهم عن القرآن، وليتم لهم ذلك فقد مارسوا على الثقافة إرهاباً لئيماً من بدايات القرن الثامن عشر الميلادي ينشرون مغالطاتهم وشبههم، ويغرسون إلحادهم محاولين إقناعنا تارة بأن القرآن نزل لعصر النبي صلى الله عليه وسلم فقط ،وذلك لتكون لهم الهيمنة على حياتنا وعلى أدق شيء فينا داخل بيوتنا ،وهم ما يزالون يعملون في هذا السبيل ،وتارة يحرفون تفسير القرآن تحت راية التجديد والتنوير ويطبخون لهذا التجديد المصطلحات التي تشوش على عقل الشباب المسلم وتجعلهم تحت إرهاب هذه المصطلحات إذ كل من يخالفها فهو جامد متحجر.
وتارة أخرى يحرفون فهم القرآن بمسمى القراءة المعاصرة والاجتهاد بحيث تكون هذه القراءة المعاصرة معاصرةً للنهج السياسي والاجتماعي للدول الغربية والنصرانية والمبادئ الفكرية والسلوكية وغيرها عندهم .. .
ثم وصل بهم الأمر إلى تأليف قرآن جديد سموه (الفرقان الحق) والذي قام على تأليفه مجموعة من الحاخامات والرهبان من بريطانيا وأمريكا وإسرائيل يضاهئون به كتاب الله ..ومحاربة الإسلام تحت شعار مكافحة الإرهاب..والعولمة.. وغيرها من المصطلحات الحديثة.
وحديثاً يعرض متطرف هولندي فيلماً يريد به تشويه مقصد إنزال القرآن، ووصفه بأنه يدعوا للقتل والتخلف، كما يصف المسلمين أيضاً بالبداوة والرجعية، وغير ذلك.
وما هذه الحلقات إلا خطوات في طريق تنصير المسلمين بطريق غير مباشر،أو استعبادهم والهيمنة على فكرهم وسلوكهم وطباعهم وتطبيعها باللباس الغربي، أو استفزاز المسلمين من أجل التسلية بهم والتلاعب بمشاعرهم واكتساب الشهرة أو غير ذلك من المقاصد التي يريدونها…
ولكن ما أشبه هؤلاء بالضفدع الذي أزعجته الشمس بحرارتها وضوئها، فمدت لسانها إلى الشمس لتمسك بها وتلتهمها ، ونفخت فيها لتطفئها ولكن … هيهات لضفدع أن يبلغ الشمس … فالأمة بخير ولا بد أن تستيقظ يوماً ما قريباً لتركب سفينة النجاة وشراعها القرآن .
وجوب تعظيم كتاب الله :
قال تعالى: ) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ([الحج :32] ولا ريب فإن عنوان الشعائر الإلهية هو القرآن العظيم ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،يقول الإمام النووي رحمه الله: أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن على الإطلاق وتنزيهه وصيانته وأجمعوا على أن من جحد منه حرفاً مما أجمع عليه أو زاد حرفاً لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر . ) وهذا التعظيم لا يكون بإجلال القرآن في القلب فقط ، بل أيضاً بالأدب العام مع كلام الله تعالى ، فمن صور التعظيم :
ـ الإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله ، لا يشبهه شيء من كلام الخلق ، ولا يقدر على مثله الخلق بأسرهم .
ـ لا يجوز الكلام فيه بغير علم ، يقول الإمام النووي رحمه الله : ( ويحرم تفسيره بغير علم والكلام في معانيه لمن ليس من أهله ، والأحاديث في ذلك كثيرة والإجماع منعقد عليه وأما تفسيره للعلماء فجائز حسن والإجماع منعقد عليه ) . ومن الأحاديث ما أخرجه أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)، وأخرج أبو داود والترمذي عن جندب بن عبد الله قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ )
ولذلك كان حال السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم يتجنبون الخوض فيما لا يعلمون، وإذا اجتهدوا صرحوا غالباً بقولهم ( الله أعلم بمراده )، ذكر ابن كثير أن رجلاً سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى : (يومٍ كان مقداره ألف سنة…) فقال له ابن عباس فما ( يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )؟ فقال الرجل : إنما سألتك لتحدثني !! فقال ابن عباس : ( هما يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما ). فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم.
وورد عن ابن مسعود أنه كان يقول: ( اتقوا التفسير فإنه الكلام عن الله(
وكذلك كان يقول مَسْروقٌ التابعي الجليل: ( اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله(
ـ لا يجوز الجدال في القرآن لهوى في النفس، أو لينصر فكراً معيناً أو يبرر عملاً ما ، ويحاول اللف على النص القرآني مع أن ظاهره يخالف ما يريد ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المِراءُ في القرآن كُفر ) أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم.
قال الخطابي : المراد بالمراء : الشك ، وقيل : الجدل المشكك فيه ، وقيل : هو الجدل الذي يفعله أهل الأهواء في آيات القرآن .
أقول : وكل هذه المعاني مرادة في الحديث إن شاء الله ، وقد ظهر في زماننـا أنـاس يعرضون القرآن على العـامة ويجادلونهم فيه بغير علم، ويرفضون الاستشهاد بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في تفسير القرآن، وينفرونهم من كتب التفسير المعتمدة كابن كثير والقرطبي وغيرهما بحجة استعمال العقل وتعظيمه ، وسموا صنيعهم هذا تأويلاً، فضلوا كثيراً وأضلوا، وإذا قيل لهم اتقوا الله أخذتهم العزة بالإثم واتهموا أهل العلم ومن يلتزم بالقواعد العلمية بالجمود والتحجر.
إن حال المسلم الصادق الواقف عند حدود الله أن يرد العلم لأهله، وأن يجعل القرآن حاكماً على عقله لا أن يجعل القرآن تابعاً لهواه ومحكوماً بعقله، فقد أخرج الإمام أحمد وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أنزل القرآن على سبعة أحرف ، والمراء في القرآن كفر ـ ثلاثاً ـ ، ما عرفتم منه فاعملوا به ، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه ) ،وقال الله تعالى )وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء:83].
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : (إن القرآن كلام الله تعالى فمن كذب على القرآن فإنما يكذب على الله عز وجل(
ـ ومن تعظيم كتاب الله تعالى أن لا تمس القرآن إلا على طهارة كاملة من الجنابة والحدث الأصغر ، لما أخرجه مالك في الموطأ والدارمي في سننه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وصححه على شرط مسلم عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعَمْرُوْ بن حزم : أن لا يَمَسَّ القرآن إلا طاهر .
- ومن تعظيم كتاب الله تعالى المداومة على قراءته، بل إن المداومة على قراءته وتفهمه هي من أجل دلائل التعظيم وأصدقها وهي المقصد من تأليف هذه الرسالة ، وقد وردت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي توجب على المسلم قراءة القرآن وحرمة تركه .
ـ ومن تعظيم كتاب الله تعالى الغيرة عليه والدفاع عنه بالسبيل المتاح المشروع، وهنا أعود لأستذكر الحدث الجلل الذي قام به المجرم الهولندي لأوجه رسالة إلى حكامنا ومؤسساتنا الإسلامية؛ لأقول لهم: ادخروا لآخرتكم موقفاً مشرفاً تذكرون به بعد مماتكم ويشفع لكم بين يدي الله تعالى يوم القيامة، وتحركوا لنصرة كتاب الله تعالى وتعظيمه، فقد رأيناكم تقطعون العلاقات الدبلوماسية عندما يساء إلى أشخاصكم من قبل دول إسلامية مثلكم، فهل تفعلون على الأقل مثل ذلك عندما أسيء للقرآن وللنبي عليه الصلاة والسلام من قبل أعدائكم….
ورسالة أخرى للإعلاميين والكتاب الغيورين على أمتهم ودينهم ليعملوا فكرهم أولاً في فهم الإسلام من أهله لا من المؤسسات الغربية الاستشراقية، ثم يحركوا أقلامهم في خدمة قضايا أمتهم ودينهم لعلها تشهد لهم يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.