فوائد العبادة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ الله وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. شهر رمضان ما أجمل لياليه! وما أحلى أيامه! جعلنا الله وإياكم ممن صامه فأحسن صيامه, وقامه فأحسن قيامه, ورزقنا فيه التوبة والإنابة والاستقامة, ليكون لنا شهيداً مشفعاً يوم القيامة. أما بعـد: عباد الله: هذه وقفة مع بعض الأعمال والسلوكيات، والتصرفات الخاطئة, التي يعملها كثير من المسلمين في هذا الشهر الكريم، رجالاً كانوا أو نساءً. أحبتي في الله: يجب أن نسأل أنفسنا، لماذا أوجب الله علينا الصيام والإمساك عن الشراب والطعام طيلة النهار؟ فالله تعالى لا يريد أن يعذبنا بهذا, وهو غني عنا، ورزقنا هذه النعم وأحلها لنا ثم قال لنا: أمسكوا عنها من طلوع الفجر إلى غروب الشمس, وبين لنا العلة في ذلك لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].
الفوائد الأخروية للعبادة
إخواني الكرام: كل العبادات، من صلاة وصيام وحج وزكاة وقيام ليل وذكر وتسبيح ... الخ لها فوائد دنيوية, وفوائد أخروية, أما الفوائد الأخروية فلا مجال للكلام عنها؛ ويكفيك من الفوائد الأخروية أن تعلم أن الله جل وعلا يدخل أصحاب العبادة الصالحة الجنة, ويدخل المعرضين عن العبادة النار وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]. إذاً يكفي هذا ولذلك لا يحتاج أن نقول: الصيام يهذب النفس, أو يهذب الجسد, أو يصحح الإنسان, أو أنه حمية من الأمراض, يكفي في فوائد الصيام الأخروية، وغيره من العبادات، أنه سبب للنجاة من عذاب الله، والفوز بمرضاته, هذا كاف.
أعلى الصفحة
الفوائد الدنيوية للعبادة
أما إذا انتقلت إلى الفوائد الدنيوية في العبادات فأنت تجد فوائد عظيمة منها: أولاً: تهذيب النفس: لأن العبد إذا صلى وصام وتعبد لله عز وجل يصبح عنده ورع, وخوف، ومراقبة, فيتق الله عز وجل في جميع أموره, ولذلك لا تجتمع العبادة الحقيقية الصادقة لا تجتمع مع الفجور أبداً، اسمع ماذا يقول الله تعالى عن الصلاة، يقول تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]. فإذا رأيت إنساناً يصلي ويرتكب الفحشاء والمنكر, فاعلم أن صلاته فيها دخل وفيها دخن, وإنما هي صورة بلا حقيقة, صحيح أنها تُجزِئُه ولا يحسب كافراً ما دام يصلي, لكنه ما حقق الصلاة الشرعية الكاملة، التي تنهى عن الفحشاء والمنكر. فالعبادة فيها تهذيب للنفس, فتجد العابد لله عبادة صحيحة نـزيهاً ونظيفاً, ولا تجد -مثلاً- في قلبه غلاً, أو حقداً, أو حسداً, أو بغضاء, أو كبراً, أو عجباً, أو غروراً, أو غشاً للمسلمين؛ لأن قلبه نظيف وهو يقرأ القرآن، ويقرأ قول الله عز وجل: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89]. ولذلك كان العابدون الأولون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغيرهم, آية وأعجوبة في تهذيب نفوسهم وصلاحها, يتعاملون مع القرآن معاملة حقيقية, إمامهم وقدوتهم محمد صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى أصبح بآية واحدة يكررها، وهي قول الله عز وجل: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118] حتى الفجر وهو يرددها ويبكي! فقال له أبو ذر: يا رسول الله! مازلت تردد هـذه الآية؟ قـال: {إني سألت ربي الشفاعة لأمتي فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئاً}. ثانياً: العبادة العبادة من صوم، وصلاة، وغيرها، فيها تهذيب للمجتمع, فالمجتمع العابد لا تنتشر فيه الجرائم والموبقات, وغير صحيح أنك تجد الناس الآن في المساجد، ثم ما إن يتفرقوا من المسجد حتى يذهب كل إلى حال سبيله, هذا يغش, وهذا يخدع, وهؤلاء يجتمعون على لهو ولعب, وهؤلاء يجتمعون على سكر, وهؤلاء يجتمعون على غيبة, وهؤلاء يجتمعون على حرام, وقبل قليل كانوا في المساجد! هذا تناقض عظيم في حياة المسلمين اليوم! ثالثاً: العبادة فيها جمع لكلمة المسلمين، لأن الأمة كلها تصوم في وقت واحد، وتفطر في يوم واحد، وتجتمع في المساجد للصلاة, وتجتمع في عرفات ومنى وغيرها للحج, فتجتمع كلمة الأمة, وتتوحد قلوبهم, ولا يكون عندهم أهواء، ولا اختلافات، ولا نـزاع فيما بينهم.