إن الشيطان يوم القيامة عندما نشتكي عليه، ونقول: يا رب هذا الذي أضلنا، فأدخله نار جهنم نيابةً عنا.. فإنه يقول:{وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي}؛ أي أنا لم أقم بدور إجباري.. إنما كان دوري دور الدعوة فقط، وأنتم الذين استجبتم لهذه الدعوة.. فهو يوسوس، وهنا دور الشيطان في التدخل في هذه المساحة.
ورب العالمين أيضاً يتدخل عن طريق ملائكة التسديد.. كأن يكون الإنسان في المنزل، ولا ينوي أن يحضر المجلس -مثلا- وإذا بدافع نفسي قوي يدفعه للحضور.. فإذن، لا بد من السيطرة على هذه المساحة في النفس.
إن لقمان من الذين توفقوا للسيطرة على هذه المساحة من النفس، مع أنه لم يكن نبياً.. وفي المجمع، روى نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: حقاً أقول لم يكن لقمان نبياً، ولكن كان عبداً كثير التفكر، حسن اليقين، أحب الله فأحبه، ومنّ عليه بالحكمة.. كان نائماً نصف النهار إذ جاءه نداء: يا لقمان!.. هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس بالحق؟.. فأجاب الصوت: إن خيرني ربي قبلت العافية، ولم أقبل البلاء.. وإن هو عزم عليّ، فسمعاً وطاعةً، فإني أعلم أنه إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني.
إن هنالك محبة من العبد لربه، فإذا أحبه الله -عز وجل- جعل هذه الجذوة تشتعل.. وهنالك محبة بسيطة في نفس العبد، يوجدها في نفسه: تكلفاً أو تلقيناً.. ولكن إذا وجدت هذه الشعلة، فإن رب العالمين يصب الزيت على هذه الشعلة البسيطة، لتصبح شعلة تملأ وجود الإنسان.
إن لقمان كان مرشحا لأن يكون في مستوى داوود، ولكنه طلب منه أن يعفيه من هذه المهمة الخطيرة.. ولو تكلم لقمان بهذا الكلام ووقف، فربما كان سلب الحكمة.. ولكنه قال: وإن هو عزم علي، فسمعاً وطاعة.. أي يا رب إن كلفتني أن أكون خليفة، فأنا في خدمتك.. وعندها، فإنك ستعينني وتعصمني.. (فإني أعلم أنه إن فعل بي ذلك، أعانني وعصمني)..إذا كان الرب هو المتفضل، فلا خوف ولا حزن.. وعليه، فليكن منطقنا منطق لقمان، فنقول: يا رب إننا نريد الكفاف!.. ما لنا والمال الكثير!.. نتعب ونكد ونحرق زهرة شبابنا، لينتفع الورثة من بعدنا!.. ولكن إن كنت ترى أن عبوديتنا بالمال الكثير، أكرم به وأنعم!.. منّ علينا بما شئت!..
كان لقمان يكثر زيارة داود (ع) ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه، وكان يقول داود له: طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة، وصُرفت عنك البلية، وأعطي داود الخلافة، وابتلي بالخطأ والفتنة.
فإذن، إن الإنسان المؤمن في هذه الحياة الدنيا يعيش براحة تامة، ويفوض أمره إلى الله -سبحانه وتعالى- في كل شيء.. فلقمان أعطي هذه الحكمة ؛ لتفكره، وحبه لله عز وجل.. وعليه، فإن عاقبتنا مرتبطة بهذا البعد الباطني.. فتصفية البواطن من الشوائب، سبيل لأن يفجر الله -عز وجل- فيها الحكمة تفجيراً.
- إن من أفضل صور التعويض الإلهي لسيد الشهداء، هذا المنبر.. صحيح أنه عوض من قتله: أن الشفاء في تربته: هذا شفاء المرضى.. والإجابة تحت قبته: قضاء حوائج الناس.. ولكن هذا المنبر، هبة من هبات الله لسيد الشهداء.. إلى أن يخرج الإمام ويقيم دولة العدل، وهذا المنبر الحسيني يشع النور في قلوب المؤمنين في شرق الأرض وغربها.
نعم هكذا رب العالمين إذا أراد أن يخلد أحداً أو شيئاً خلده.. هذا الرب الوفي، هذا الرب الشكور الذي يقول
إذا أُطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية.. وإذا عُصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الوراء). وقد رأينا كيف أن رب العالمين، بارك في وجود بعض العلماء إلى الأبد، أمثال الشيخ الطوسي، والمفيد، وصاحب كتاب مفاتيح الجنان.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي