هنيئا للفريق الوطني لكرة القدم على إكماله التركيبة التي كان يسعى إليها باستقدام مدرّب مزدوج الجنسية هو الآخر بوسني فرنسي…
مدرّب سيتقاضى أجرا شهريا تستحي الفيدرالية الجزائرية لكرة القدم الكشف عنه… والجميل في استقدام هذا المدرّب أنه سيعفيهم من مشقة البحث عن السكن، إذ سيكون مدربا للمنتخب الجزائري مع الإقامة بفرنسا… وعندما يحتاج أن يحلّ بالجزائر سينزل بفندق الشيراطون طبعا على حساب الفيدرالية. وحتى مساعد المدرّب الوطني نورالدين قريشي هو الآخر مزدوج الجنسية. وبالتالي اكتملت الصورة في فريق مشكّل كلية من مزدوجي الجنسية بما فيهم لموشية لاعب وفاق سطيف.
كل هذا يذكرني بما قاله لي السيد عبدالنور بيكا وزير الشباب والرياضة السابق عندما سحب المدرب الروسي ايفقيني روغوف من على رأس العارضة الفنية للمنتخب الوطني، وعيّن بدله رشيد مخلوفي مديرا فنيا ومحي الدين خالف مدربا للفريق الذي خاض غمار نهائيات مونديال 1982 بإسبانيا.
"ليست لي الشجاعة الكافية لأبعث بفريق جزائري إلى نهائيات كأس العالم وعلى رأسه مدرب أجنبي"
كلما يطرح موضوع تعيين مدرب أجنبي على رأس الخضر، إلا وعادت هذه الجملة إلى ذاكرتي لتدفعني إلى المقارنة بين ما كانت عليه الجزائر في مطلع الثمانينات من القرن الماضي وبين ماهي عليه اليوم.
يقول قائل إننا في عصر العولمة وأن العالم أصبح قرية صغيرة لا حدود ولا ألوان ولا وطنية فيه. إذا سلمنا جدلا بهذه الأطروحة فلنضف لا تاريخ ولا تشبث بالاستقلال وبتضحيات الآلاف الذين تغنّوا باستقلال الجزائر ودفعوا من أجلها الغالي والنفيس.
الفريق الوطني الجزائري الذي شارك في نهائيات مونديال 1982 ومونديال 1986 لم يكن فقط تحت قيادة مدربين جزائريين وإنما هو نتاج لعمل دؤوب قام به المدربون، وعلى رأسهم أخيارهم الذين انتموا إلى فريق جبهة التحرير الوطني. كان الفريق جزائريا مئة بالمئة، وهو الوحيد الذي لعب بقمصان وتبّان وجوارب من صنع جزائري مئة بالمئة، حيث رفض كبريات الماركات العالمية مثل أديداس وبوما وغيرهما ليلعب بماركة سونيتاكس جزائرية الصنع والتصميم. وحتى اللاعبين المحترفين القلائل الذين انضمّوا إلى الفريق الجزائري لم ينتظروا تأهل الخضر حتى يتقدموا لقطف ثمار غيرهم من اللاعبين المحليين، ولا فعلوا ذلك بعدما يئسوا من تقمص ألوان الفريق الفرنسي ولو أتيحت لهم أدنى فرصة لمسحوا أصول أبائهم وأجدادهم من ذاكرتهم وهوياتهم مثلما فعلها غيرهم. قريشي ومنصوري ودحلب لبّوا الدعوة بدون تردد منذ الوهلة الأولى التي دعوا فيها للالتحاق بالمنتخب الوطني. ويكفي أن نذكر أن مصطفى دحلب الذي كتب أمجاد نادي باريس سان جرمان الفرنسي لمدة عشرية بأكملها قام بما لا يمكن أن يفعله غيره من لاعبي الفريق الحالي للبرهنة على مدى تعلقه بالجزائر وألوانها.
ففي سنة 1971 وبعدما وقّع عقده الأول في صنف المحترفين جمّده لمدة سنتين للالتحاق بصفوف الجيش الوطني الشعبي من أجل أداء الخدمة الوطنية وانضمّ لنادي شباب بلوزداد، حيث كان يتقاضى 14 دينارا شهريا. لم يكن مصطفى دحلب من الذين يتغنّون بالوطنية بخطب جوفاء مثلما نسمعه اليوم من لاعبين لا يرون الجزائر إلا مجرد كعكة منها يملؤون أرصدتهم، بل جسّدها في أرض الواقع بما سيبقى خالدا على مرّ الزمان.
هزيمة مراكش لم تكن إلا قطرة ماء في محيط ملؤه الرداءة وضيق الأفق ومحدودية النظر تسبح فيه الكرة الجزائرية منذ أن دخلها كل من هبّ ودبّ من البقارين والمتسكعين والحشاشين. فعوض أن نستدرك الأمور بعد هذه الهزيمة وأن نفتح أعيننا على ما أصاب الكرة الجزائرية في مقتلها منذ سنين نعلق كل اللوم ونحدّده في عنق شخص واحد، وهو المدرب الوطني بن شيخة كونه الوحيد في كل المجموعة لم يولد بضواحي المدن الفرنسية ولا يحمل جواز سفر فرنسي، فصاروا يرونه كالشعرة في العجين لابد من سحبها وجلب مدرب من طينتهم يقود لاعبين كلّهم يحملون جوازات سفر فرنسية ولا يتقن أي منهم التلفظ بجملة واحدة من النشيد الوطني. عسى هذه المجموعة ومدربها الجديد أزرق العيون وأصفر الشعر سيعيدون للجزائر أمجادها الكروية التي نقشت بأحرف من ذهب وبتوقيع جزائري محض وخالص.
لقد فشل لوسيان لوديك الفرنسي وديميتري ماكري الروماني وبعدهما البلجيكيين ليكنس وواسيج في تسجيل أدنى انتصار للمنتخب الوطني. وإذا كان رايكوف اليوغسلافي وروغوف الروسي قد نجحا في تسجيل نتائج إيجابية فقد استفادا من خدمات محي الدين خالف بالنسبة للأول ومحمد معوش بالنسبة للثاني الذي وجد فيه سندا قويا. وتبقى تتويجات المنتخب الوطني والتتويجات الأولى للأندية الجزائرية على الصعيد الدولي إنجازا لأبطال فريق جبهة التحرير الوطني من دون جدال. فمداليتي الألعاب المتوسطية والألعاب الإفريقية أحرز عليهما بطلنا التاريخي رشيد مخلوفي. كما حاز شيخ المدربين عبدالحميد كرمالي على الكأس الإفريقية للأمم الوحيدة التي هي في رصيد الجزائر إلى يومنا هذا. ويسجل التاريخ لعبدالحميد زوبا ومختار لعريبي وهما أيضا من فريق جبهة التحرير الوطني أنهما أول من فازا بكأس قارية على مستوى الأندية الجزائرية من خلال مولودية الجزائر ووفاق سطيف.
ماذا قدم التقنيون الأجانب الذين ارتزقوا من الفريق الوطني أو من الأندية الجزائرية التي استقدمتهم؟ السؤال لا يحتاج لجواب على الإطلاق. النتائج معروفة للداني والقاصي. نادي شبيبة القبائل صنع أمجاده بفريق بناه أحد أبنائه البررة، وهو محمد الشريف حناشي الذي جعل من فريقه تشكيلة بإمكان أي مدرب تحقيق انتصارات تاريخية بها. وكذا بالنسبة لوفاق سطيف الذي وجد في أحد قدماء لاعبيه عبدالحكيم سرار مهندسا بارعا في تصميم فريق متكامل ومتجانس.
إن الذي يفكر في إلقاء آلاف الدولارات من النافذة لتقع في حسابات بنكية لمدربين فرنسيين هم في غنى عنها بحجة أنه سيؤمّن للمنتخب الجزائري في كرة القدم نتائج باهرة في المستقبل غير مستعدّ أن يراهن على أن المدرب الذي سيجلبه سيحقق الفوز بالكأس الإفريقية خارج الديار. كل ما في الأمر ستضيع أموال الجزائر وسنضيّع أشواطا كبيرة لبناء فريق وطني متكامل.
الحلّ كل الحلّ لا يكمن في مدرب فرنسي ليدرب لاعبين فرنسيي النشأة والتكوين والجنسية الأصلية واللغة، وإنما يكمن في إعادة العمل الذي قام به رشيد مخلوفي في منتصف السبعينيات من القرن الماضي أي تأطير كل الولايات بفنيين هدفهم انتقاء المواهب الشابة ومتابعتها على مختلف الأصناف وفتح مراكز تكوين على غرار مركز البارادو في حيدرة ووضع رجل ليدير كل هذه الشبكة مثلما أدارها رشيد مخلوفي في وقته. ولا يمكن أن يناط هذا الدور بلاعب غير ماجر أو أحد رفاقه الذين تشبّعوا بالروح الوطنية وبرهنوا عليها وتتلمذوا على أيادي خيرة رجال المدرسة الكروية الجزائرية. فالعمل الذي قام به رشيد مخلوفي ومحمد معوش والأخوين سوكان والأخوين بوشاش وعبدالحميد زوبا، ومعزوزة وبن تيفور والعريبي رحمهم الله، بإمكان ماجر وعصاد وبلومي ومرزقان وڤندوز وغيرهم من صانعي أمجاد الكرة الجزائرية أن يؤدوه على أحسن وجه.
فلا مدرب فرنسي ولا لاعبين حاملين للجوازات الفرنسية في المطارات الدولية ومرتدين بذلات جزائرية بإمكانهم النهوض بالرياضة الأكثر شعبية في الجزائر. فمن أدار ظهره لهذا الحل فلا دراية له بكرة القدم وهمه الوحيد أن يخدم مصالحه الشخصية، ويبذّر أموال الشعب الجزائري ليدفع لمدرب فرنسي 4 ملايير سنتيم في الشهر من الخزينة العمومية، وهي أكبر شتيمة وإهانة للشعب الجزائري سيحاسب عليها طال الزمن أو قصر.
الفريق الوطني الجزائري الذي شارك في نهائيات مونديال 1982 ومونديال 1986 لم يكن فقط تحت قيادة مدربين جزائريين وإنما هو نتاج لعمل دؤوب قام به المدربون وعلى رأسهم أخيارهم الذين انتموا إلى فريق جبهة التحرير الوطني.
الحلّ كل الحلّ لا يكمن في مدرب فرنسي ليدرب لاعبين فرنسيي النشأة والتكوين والجنسية الأصلية واللغة وإنما يكمن في إعادة العمل الذي قام به رشيد مخلوفي في منتصف السبعينيات من القرن الماضي.