خريطة العقل والعواطف والغرائز: الذكاء العاطفي
كان المجرم قد خرج لتوه من السجن ولأنه مدمن على المخدرات وبحاجة الى المال فقد حزم أمره في النهاية على إنهاء حياة التشرد والشقاء فقرر أن يقوم بمغامرته الأخيرة في السطو على منزل في الحي الراقي في شرق نيويورك. وكانت هذه المغامرة فعلاً الأخيرة ولكن على نحو درامي. فبعد أن انتهى من سرقته فأخذ ماخف حمله وغلى ثمنه وصمم على الخروج فوجيء بباب المنزل الرئيسي يفتح وكان الداخل (ايميلي هوفرت) البالغة من العمر 23 عاماً والتي تعمل في مدرسة ابتدائي قريبة جاءت على غير موعد. وأمام التطور المفاجيء هاجم اللص ايميلي وربطها بدورها الى مقعد تحت التهديد بالسكين. عندها هددته جانيس بأنها سوف تساعد البوليس في رسم صورته وإلقاء القبض عليه.
وخلال لحظات تغير الجو تماماً فقد هرع الى زجاجة صودا فحطمها على رؤوس الاثنتين وحرصاً على إخفاء جريمته قام بطعن الشابتين عدة طعنات بمدية حادة أودت بحياتهما.
وتعرف الجريمة في التاريخ الجنائي على أنها من أبشع ماارتكب حتى اليوم. وبعد مرور 25 عاماً على (روبلز) خلف القضبان مازال يتذكر الواقعة جيداً وهو نادم أشد الندم على مادنت يداه ويقول لا أدري ماالذي حصل لي لقد فقدت عقلي يومها بكل بساطة.
ويعقب (دانييل جولمان) صاحب كتاب (الذكاء العاطفي Emotional Intillegence) على الواقعة بقوله:
(ومازال أمام روبلز حتى كتابة هذه السطور متسع من الوقت ليظل يندم على تلك الدقائق القليلة من انفجار الغضب، فضلاً أن مازال أمامه أن يقضي عقوبة السجن لمدة ثلاثين عاماً أخرى على الجريمة التي صارت مشهورة باسم جرائم قتل العاملات)(1).
أما في (بحث الانسان) فهي محاولتنا اختراق جغرافيا غريبة للغاية حيث نريد دخول قارة مجهولة لنعرف كيف نعرف ونفهم كيف نفهم ونتصرف؟ إن الانسان يبحث في الطبيعة فيحاول فهم قوانينها ولكنه الآن يعكف على نفسه وفي هذا قدر من الغرابة والتناقض حتى لو كان البحث من مجموعة من البشر على مجموعة من الأناسي فهل هذا ممكن؟
إن الذي يعطي الموضوع قدراً غير عادي من التحدي والصعوبة هو أن يرجع الدماغ لتأمل نفسه، ولكن كلمة يتأمل نفسه تعني أن يقحم كائناً غريباً في البحث. بكلمة ثانية إن الوعي يقف منتصباً ليتأمل محرابه.
ولكن هذا يعني وجود محراب ووجود كائن آخر منفصل يتأمله.
إن العقل يريد أن يعقل نفسه وأداة الكشف والسبر والاكتشاف واحدة. إن هذا جعل أبحاث الكثير من علماء (النفسية العصبية) يصابون بالإحباط في كل مرة يقفون فيها ليحاولوا كشف لغز الدماغ وقوانين عمله وكيف يحدث الإدراك. فهل يعتبر مثل هذا البحث في حكم المستحيل وأنه ضرب الطريق في صحراء قاتلة بدون بوصلة وزاد وراحلة؟
وفي الحادثة التي بين أيدينا عن جريمة قتل العاملات استطاع الطب أن يخترق مفاوز جديدة في (تشريح المخ) فيكتشف أبعاد جديدة لتكوين الانسان وهي (خريطة العواطف).
ولقد حاولت أبحاث الفسيولوجيا (علم الغريزة) أن تفك رموز الدماغ ونجحت في الوصول الى شواطيء من الاوقيانوس الذي نحمله فوق أكتافنا أي أدمغتنا التي لاتزيد في الوزن عن ثلاثة أرطال.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي