ترجمة : صالح عبد القادر
الأحد/13/9/2009
في كتاب مبسط باللغة الانكليزية وموجه لمتعة القارىء الذي يتعلمها كلغة ثانية, جاء كتاب (فن التعليم)للمؤلف كيلبرت هايت ليضع بين يدي قرائه جملة من المعلومات الهامة حول ذلك الفن النبيل
حيث قدم لنا تحليلا دقيقا عن تاريخ التعليم ,وطرق التعليم ,والصفات التي يتحلى بها المعلم لإرشاد الطلبة إلى المعرفة الحقيقية .وقد قسم المؤلف- وهو نفسه معلم مميز-كتابه إلى أربعة فصول :المعلم , وطرق المعلم , والمعلمون العظماء وتلاميذهم ,وأخيرا التعليم في الحياة اليومية .
ففي الفصل الأول الذي جاء بعنوان المعلم ,عرض المؤلف بأسلوبه الواضح البين السهل أهم الصفات التي لابد أن تكون في جوهر أي معلم منوها في الوقت ذاته أن عمل المعلم سهل في بعض المجالات ,وصعب في أخريات .وقد أكد الكاتب سهولة عمل المعلم لأن المعلم لديه حرية معتبرة في اختيار الوقت الكافي كي يؤدي مزيدا من الأعمال المطلوبة منه . ثم يأتي على عاتق المعلم سلسلة من الواجبات كالتحضير للامتحانات ,وتحضير الدروس ,وقراءة المقالات , ومناقشة التلاميذ , وتقديم البحوث. وفي مسألة المردود المالي يقول الكاتب إن المعلمين ينتمون إلى مهنة ذات أجر زهيد إذا ماقورنت بمهن أخرى تجني مالا طائلا , مثل مهنة رجال الأعمال وغيرها...ولعل أعظم الاستحقاقات الناتجة عن عمل المعلم هي امتلاكه الفرصة ليكرس عقله وطاقته تجاه القضايا الهامة .وهو يجد أيضا سعادة ما في صراعه الدؤوب ليتغلب على كثير من المصاعب في مادة ما ,ليستقبل كتبا جديدة عن تلك المادة ,والأهم من هذا وذاك أنه كلما علم المعلم تعلم أكثر . ثم بعد هذا العرض السريع عن الامتيازات يطرح المؤلف سؤاله عن صفات المعلم الجيد .
فجاءت الصفة الأولى على لسان (كيلبرت) هي أنه لابد أن يعرف المعلم المادة التي يدرسها , ثم عليه أن يحبها وأن يحب تلاميذه , وأن يعرفهم معرفة عميقة ثم لابد أن يتحلى بحماسة عظيمة نحو المشاكل العقلية حيث يأمل أن يلهم العقول الفاعلة الناشئة . وعلى المعلم أن يكون لديه حس الفكاهة.
وقد ختم المؤلف هذا الفصل بسؤال طرحه حول قدرات المعلم الجيد التي يراها جوهرية تماما وهي ثلاث :
1- الذاكرة الجيدة . 2- الإرادة القوية . 3- اللطف والطيبة .
ينتقل الكاتب إلى الفصل الثاني وإلى طرق المعلم حيث يقول فيه إن للتعليم ثلاثة أقسام : يحضر المعلم مادته , ثم يتواصل بها مع تلاميذه , وأخيرا يراجع درسه ليتأكد أنهم تعلموا ما أخذوه .
أما الفصل الثالث الذي جاء يتحدث عن المعلمين العظام وتلاميذهم فهو برأيي فصل جدير بالقراءة لأن الكاتب استقى من التاريخ قديمه وحديثه صورا تعليمية مشرقة وعبرات مضيئة عن التأثير والتأثر بين عظماء وتلاميذهم , مثل سقراط وتلميذه افلاطون حيث كان الأول سباقا في استخدام النظام التعليمي الذي يتوجه نحو التركيز على تعليم طالب واحد أو مجموعة صغيرة من الطلاب . أما أفلاطون الذي يعد الأعظم بين تلاميذ سقراط فقد مشى على خطا معلمه , لكنه كان أكثر تنظيما منه لأنه أسس كلية أو أكاديمية لينتقي تلاميذه انتقاء حريصا بخلاف معلمه الذي كان يعلم في الطريق . إن كتب أفلاطون هي حول القضايا الفلسفية , وإن معظمها تبين مدى التأثير الكبير الذي تركه سقراط على تلميذه النجيب . لقد تعلم أفلاطون من معلمه أنه لايوجد طريقة ممكنة لتعليم الناس سوى طريقة المحاكمة العقلية الهادئة. وجاء أرسطو ذو السبعة عشر ربيعا , وهو ابن لطبيب غني ليلتحق بأكاديمية افلاطون وبقي فيها حتى بلغ الأربعين. غادرها بعد موت معلمه ليؤسس كلية سماها (ليسيوم)LYCEUM التي تشبه معاهد البحوث الحديثة.
إن طريقة أرسطو في التعليم من خلال الملاحظات التي دونها تلاميذه أثناء محاضراته تبين أنها عبارة عن ربط إلقاء ما يحاضره مع المناقشات الحاصلة فيها . لقد قسم أرسطو الموضوع إلى بضعة أقسام متصلة مع بعضها , في كل قسم ثمة مسائل يتم تمحيصها واحدة تلو الأخرى . وقد بينت الملاحظات أنه كان يتكلم باستمرار ..يحلل الاقتراحات تباعا ويعاين نقاط الضعف فيها حتى يجد حلولا لها.
لاشك أن أرسطو مفكر مبدع ,وقد حاول دائما أن يحسن أفكاره وطرق تعليمه.أما العمل الأصعب الذي يطفو فوق سطح التعليم وهو بلاريب تدريب قادة الشعوب وتعليمهم .لقد حاول ارسطو ذلك مع الأمير الشاب الكسندر الذي كان أبوه الملك فيليب من أعظم حكام الإغريق . وصعوبة المهمة تكمن في صفات الكسندر القاسية التي يعرفها أرسطو معرفة وثيقة ؛ فهو يدرك أنه لايستطيع أن يغير شخصية الأمير وأن نجاحه معه لن يكون كاملا , ولذلك صمم على تأكيد الخصائل الطيبة في شخصية الغلام الشاب وتطويرها إلى نقطة يصعب على المرء ملاحظة جوانبها السلبية . وهكذا سعى أرسطو في تكريس خلق الاحترام ومحبة الثقافة اليونانية في روح الكسندر وجعله يعجب بشعراء الإغريق مثل هوميروس وآخرين . وقد حصد أرسطو ثمرة تعليمه لاحقا عندما أمر الكسندر بعدم هدم بيت أحد الشعراء كذكرى للشعراء قاطبة ,بينما كان جيشه يدمر المدينة تدميرا كاملا.
ينتقل الكاتب بانسيابية صوب العالم الغربي ويطلق اسم أعظم معلم فيه وهو عيسى المسيح عليه السلام الذي استطاع أن ينشر تعاليم الإنجيل من خلال الحواريين الذين تلقوا منهجهم التعليمي من معلمهم وانطلقوا بعدها إلى أصقاع الأرض ليعلموا الناس . إن طريقة المسيح عليه السلام في التعليم كانت تبدأ بكلامه الهادىء البطيء مصحوبا بتوقف طويل حتى يسهل على المنصتين له من تذكر أقواله بيسر وسهولة. ثم كان يقول أمرا هاما وحكيما ليتوقف في لحظة ما .هذه الملاحظات أحيانا تكون إجابات على مسائل صعبة . .إن تلاميذه سوف يطلبون منه أن يجد لهم أجوبة لأسئلة هم حاولوا محاولات غير ناجحة ليحلوها من خلال معرفتهم الناتجة عن نهجه وتعليمه . وكغيره من المعلمين العظماء , كان عيسى عليه الصلاة والسلام يعرف أن ضرب مثل ما هو أجدى من خطابات متعددة , وأن الناس يتعلمون بسرعة كبيرة جدا من خلال قيامهم بعمل ما أو مشاهدته .
بعد سقوط الإمبراطوريتين اليونانية والرومانية اختفى التعليم تقريبا ! ولكن في عام 1000م بدأ يظهر ثانية . وشهدت العصور الوسطى بزوغ بعض المعلمين العظماء بيد أن طرق تعليمهم لم تكن فعالة كما كانت عند الرومان والإغريق . أما في فترة النهضة خلال القرن الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر فقد شهدت ولادة مميزة للتعليم في أوربا الغربية .فقد ظهرت مجموعات جديدة من كبار المعلمين , وتأسست مدارس كثيرة تبناها مؤمنون متحمسون إلى قوى التعليم المتمدنة .
وقبل أن أصل إلى التعليم في القرنين التاسع عشر والعشرين لابد لي أن ألقي نظرة عن كثب على حركة اليسوعية JESUITS التي أسسها اغناتيوس لويولا عام 1534 حيث كان لها أثر عظيم على كثير من الفلاسفة والأدباء ومنهم الفرنسي كرونويل صاحب المسرحيات المأساوية , وديكارت الرياضي والفيلسوف , وفولتير كاتب الملهاة , ومونتسكيو الفيلسوف السياسي .غير أن عملها وصل إلى نهايته بأمر من الفاتيكان عام 1773 .
أما العصر الحديث فقد شهد حركة مطردة نحو التعليم العالمي , كما شهد ثورة حقيقية في الاكتشافات الجديدة في الطب والكيمياء وعلم الأحياء وفي علوم أخرى . كما برزت أسماء لامعة في مجال التعليم مثل البروفيسور (جويت)في جامعة اكسفورد في انكلترا , والمؤرخ الفرنسي فوستيل كولانجه , والفيلسوف والمؤرخ الأمريكي جيمس هارفي روبنسون ,والمؤلف الفرنسي أندريه موريس , والرئيس الأمريكي وودرو ويلسون الذي استلم الرئاسة من 1913 حتى1921 يعتبر من المعلمين البارزين , إذ بدأ مهنته في جامعة بريستون الواقعة في القسم الشرقي من الولايات المتحدة حيث علم السياسة , وكان يتحدث متسلحا بأفكار غنية وبدفء يجذب قلوب طلابه الذين لاينفكون عن الهتاف له في نهاية المحاضرة . ارتقى في عمله وأصبح رئيسا للجامعة ثم حاكم ولاية نيوجرسي حتى انتهى به المطاف إلى رئيس للولايات المتحدة .
ويختم المؤلف هذا الفصل بحديثه عن تأثير الآباء على الأبناء ويقول إن آباء العظماء هم أيضا معلمون مؤثرون , ويضيف بأن عملهم ذو قيمة ولابد من اعتباره نوعا رائعا من أنواع التعليم . وراح الكاتب يضرب لنا أمثلة عن هؤلاء الآباء الذين تركوا بصمات جليلة في مسيرة أبنائهم التعليمية . وأولهم والد الموسيقار موزار الذي علمه العزف على آلة الهاربسيكورد قبل اختراع البيانو , كما علمه بأن الفن لا يفشل أبدا في مواساة الإنسان في أشد لحظات حزنه . وهو أي الفن صوت الحياة ذاته في أسعد لحظاتها . كذلك فعل والد بيتهوفن الصنيع نفسه مع ولده الموهوب الذي تعلم من أبيه كل شيء وهو في سن التاسعة . ويلحق ركب الموسيقيين العظام باخ الذي انحدر من عائلة ذات إرث موسيقي رفيع المستوى .
أما في مجال الشعر فقد برز والد الشاعر الانكليزي الكبير روبرت براونينغ الذي علم ابنه كيف يحب الإغريق والشعر عموما . ولعل أجمل الصور التي طبعت في خيال براونينغ هي تلك المحاولات المؤثرة التي قام بها والده وهو يشرح له الالياذة بطريقة ليست فقط من أجل المتعة بل من أجل أن يزرع فيه الاهتمام الذي ألهمه ليدرس الأدب الإغريقي في السنوات القادمة .
ونأتي الآن إلى الفصل الرابع والأخير والذي عنونه المؤلف بالتعليم في الحياة اليومية . وهنا تتجلى خبرة الكاتب التعليمية في أوج ثمرتها حيث استهل القول بأننا جميعا نعلم , وأننا جميعا نتعلم من خلال حياتنا . لقد طرح الكاتب جملة من الخبرات التعليمية الموجهة إلى كل فرد من أفراد المجتمع , ولايعتبر المعلم هو وحده الفريد في مهنته ؛ إننا كلنا معلمون .
في البيت يعلم الآباء أبناءهم , ويحصل بين الأزواج والزوجات منهج غير مباشر في التعليم والتعلم . والمدير الكفؤ في خطط عمله يقوم بالتوجيه السليم أي أنه يسير على آلية تعليمية منظمة , والأطباء حين ينصحون مرضاهم بالوقاية من الأمراض كي يعيشوا حياة صحية مثالية يتبعون أسلوبا تعليميا واضحا .كذلك يحمل الكهان والقسيسيون مسؤولية النصح والإرشاد وهي بذاتها جانب هام من التعليم .حتى أصحاب الإعلانات التجارية يقومون بدور فعال في مجال نشر منتجاتهم متبعين أساليب تعليمية تكون أحيانا أفضل من أساليب المعلمين عينها.
ونشر المعلومات والأفكار في السياسة تحت اسم الدعاية هو أيضا في حد ذاته أسلوب من أساليب التعليم . ويأتي أخيرا الكتاب والفنانون الذين يعدون معلمين بارزين لأنهم يقنعون جمهورهم . ويضيف الكاتب بأن على كل فنان أن يكون مهتما بما يعلم وإلا أصبح ضمن زمرة الفنانين السيئين . ولعل أجمل ختام رسمه لنا مؤلف هذا الكتاب هو تلك المبادىء الثلاثة التي تأتي متطابقة مع كل أنواع التعليم التي طرحت في كتابه وهي :
الوضوح والصبر والمسؤولية .
هذا غيض من فيض سكبه قلمي جراء قراءتي الأولى لهذا الكتاب القيم الذى كنت أنشد من ورائه تسليط الضوء على موضوع حيوي جوهري له صلة وثيقة مع كل جيل يسطع نوره في دروب الحياة الطويلة وإن كنت عاتبا على الكاتب لأنه أغفل ذكر حقبة ذهبية من تاريخنا الإسلامي والعربي ومحاولته الفاضحة في طمس شعاع حضارتنا الذي بدد ظلام الأمم الأخرى التي كانت نائمة في مستنقع الجهل والهمجية .
عنوان الكتاب: (فن التعليم ) THE ART OF TEACHING
المؤلف :كيلبرت هايت GILBERT HIGHET
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي