تعكس التربية والتعليم واقع وفلسفة المجتمع وتاريخه ومدى تطوره وطموحاته وآماله ، ومن هنا تختلف النظم التعليمية في المجتمعات كليا أو جزئيا باختلاف الظروف المختلفة ، حيث إن لكل نظام تعليمي خصوصيته النابعة من تأثير عوامل متعددة ، ويؤكد ذلك بيوشامب ( 1420هـ ، ص 10 ) بقوله " إن أي نظام تعليمي يشكل نموا طبيعيا لأوضاع ثقافية محددة وإن إبعاد ذلك النظام عن الأوضاع التي نشأ فيها يعني فقدان لمسوغات وجوده " .
لذا يحسن بداية أن نتعرض للعوامل المؤثرة في النظام التعليمي في التعليم الياباني قبل الحديث عن النظام التعليمي .
أولا : العوامل الجغرافية :
1- الموقع والمساحة :
تقع اليابان في أقصى شرق آسيا ، ويحدها المحيط الهادي شرقا ومن الغرب بحر اليابان ، وتبلغ مساحتها ( 377.835) كم وهي عبارة عن أرخبيل يمتد في قوس ضيق يتشكل من سلسلة من الجزر تبلغ (4000 ) جزيرة ، جلها جبال بركانية ، لذا تحتل الجبال الجزء الأكبر من اليابان حيث تغطي (71%) من سطح اليابسة ، مما قلل السهول التي تغطي نسبة ( 29 % ) ، الأمر الذي قلل مساحة الأراضي القابلة للزراعة إلى حوالي (14%).
ونظرا لطبيعة السطح الجبلية تميزت بكثرة البراكين التي تبلغ ( 196) بركاناً منها (30) بركاناً نشطاً ، كما أن الزلازل تحدث باستمرار بمعدل ( 1500 ) هزة في السنة . ( حسين ، 2006م ، ص 347-348 )
2- المناخ :
يتميز مناخ اليابان بأنه معتدل طوال العام مع أمطار وفيرة ، وتكثر الغابات والنباتات في المناطق الريفية ، وإن كانت البلاد تشهد في كثير من الأحيان بعض الكوارث المناخية كالأعاصير والعواصف بحكم وقوعها على المحيط الهادي . ( بكر ، 1420هـ ، ص 50 )
وقد كان لتلك العوامل الجغرافية تأثيرات على النظام التعليمي في اليابان ، ومن تلك الآثار على سبيل المثال :
• نظرا لكثرة الجزر وطبيعتها الجبلية الأمر الذي يعيق انتشار المدارس وتعميميها في كافة المناطق ظهر في اليابان نمط التعليم بالمراسلة ، مثل التعليم الثانوي بالمراسلة الذي يستمر لمدة أربع سنوات للحصول على الشهادة الثانوية ، وكذلك في التعليم العالي في الجامعات والكليات المتوسطة ، كما ظهر التعليم الجامعي التلفزيوني الذي عرف بجامعة الهواء .
• اعتدال المناخ طوال السنة أثر على مواعيد الدراسة في اليابان ، حيث إن الدراسة تستمر في معظم فصول السنة ، فهي تبدأ من أوائل الشهر الرابع ( أبريل ) وحتى نهاية الشهر الثالث ( مارس ) من السنة التالية ، يتخللها إجازات متعددة موزعة طوال السنة ، بل يذكر منير ( 1426هـ ، ص 307 ) " أنه لا يوجد نظام للتدفئة بحجرات الدراسة " .
• العناية بتصميم المباني المدرسية ومرافقها لتكون مناسبة للظروف المناخية ، حيث يراعى أن تكون مرافق المدرسة مغطاة لحماية الطلاب من الأمطار التي تستمر طوال العام .
• تصميم المباني المدرسية بشكل يساعد على مقاومتها للزلازل التي تتميز بها اليابان ، وأن تتوفر فيها المخارج المناسبة ووسائل السلامة لذلك .
• تضمين البرامج المدرسية والأنشطة تدريبات على عملية الإخلاء في حالات الطوارئ عندما تقع الكوارث سواء في المدرسة أو في غيرها ، والعمل على إكسابهم طرق التعامل مع الزلازل والبراكين .
• تشكيل فرق دائمة العمل في المؤسسات التعليمية لتفقد وسائل السلامة في المدارس أو الأضرار التي تنشأ نتيجة الكوارث الطبيعية .
[size=21]ثانيا : العوامل السكانية :
1- التركيب العمري ( الديموجرافي) :
يذكر تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان 2007م ( ص 91 ) أنه عدد سكان اليابان حوالي ( 128.300.000) نسمة ، بمعدل نمو سنوي (0.01%) ، لذا عدت الدولة الخامسة على المستوى العالمي من حيث عدد السكان ، .
ويبين الهرم السكاني لليابان أن (66.2%) من سكانها في سن الإنتاج أي أن المدى العمري من (15-64) سنة , وأكبر نسبة في المرحلة من (30-40) سنة في العمر ، ومعدل المواليد في اليابان في انخفاض حيث بلغ معدل المواليد حوالي ( 9.47 ) لكل ألف نسمة حسب إحصائيات عام 2005م ، بينما وصل معدل الوفيات إلى ( 5.95 ) لكل ألف نسمة . ( حسين ، 2006م ، ص 348 ) ( الزكي ،2006م ، ص 22 )
وتعد مشكلة انخفاض المواليد وارتفاع نسبة المسنين مشكلة معضلة في اليابان حيث تشير التقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان 2007م (ص91 ) أنه سيبلغ عدد سكان اليابان في 2050م حوالي ( 112.200.000) نسمة .
وهذا الأمر ألقى بظلاله على المجتمع الياباني ونظامه التعليمي النظام التعليمي في اليابان حيث يواجه مشكلة في تقلص أعداد الطلاب سنويا ، إضافة إلى ارتفاع مستوى سن العاملين في كافة قطاعات العمل ومنها القطاع التعليمي .
2-التكوين العنصري :
يتميز السكان في اليابان بأن غالبيتهم من أصل عرقي مجانس ، حيث يشكل اليابانيون حوالي ( 99.4% ) من السكان ، والكوريون ( 0.5% ) ، والبقية من جنسيات متنوعة . ( بكر ، 1420هـ ، ص 51 ) ، ويعد التجانس بين السكان من أهم العوامل التي شكلت سياسة التعليم في اليابان ، حيث أدى إلى المساواة في فرص التعليم بين كافة الأفراد بما يتفق وقدراتهم وعدم التمييز بينهم على أساس العرق أو الجنس أو الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي .
3- التوزيع السكاني :
يتركز ( 40% ) من السكان في ( 6% ) من المساحة الكلية ، حيث تبلغ نسبة الكثافة السكانية ( 310 ) فردا في الكيلو متر المربع الواحد ( حسين ، 2006م ، ص 348 ) ، مما جعل السكان يتركزون في المدن الرئيسة ، وتعد العاصمة طوكيو من أكبر مدن العام من حيث عدد السكان الذي يبلغ حسب تقرير "توقعات التمدن في العالم لعام 2007 " الصادر من الأمم المتحدة ( 34 ) مليون نسمة ، كما أنه توجد عشرة مدن في اليابان يزيد عدد سكان كل منها عن مليون نسمة .
وهذا الأمر أدى إلى أن يواجه التعليم الياباني ضغطا في المدن الكبرى لمواجهة عدد الطلاب ، إضافة إلى تأثير ذلك على وسائل المواصلات للوصول إلى المؤسسات التعليمية .
أما السكان الذين يتوزعون خارج مناطق الكثافة السكانية والبعيدة فقد نشأت أنواع من التعليم بالمراسلة أو التعليم التلفزيوني لمراعاة وضعهم .
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي