ما أبعد الفرق بين تلاميذ أيام زمان وتلاميذ هذا الزمان ! :
كما أن الصلاح يزداد في مجتمعاتنا فإن الفساد يزداد كذلك . ومع إيماني وعلمي ويقيني بأن المستقبل لهذا الدين وأن الصراع بين الحق والباطل قائم إلى يوم القيامة ولكن الكلمة الأخيرة ستكون للحق بإذن الله تعالى . مع إيماني بذلك فإنني أعلم من جهة أخرى بأن وقت النصر مجهول الله وحده أعلم به , وكذلك على يد من يتم النصر في النهاية ؟ الله وحده أعلم بذلك .
ومنه فإنني أرى في الكثير من الأحيان ما يطمئنني إلى أننا في وقت دعاة الشر فيه أكثر من دعاة الخير , هم أكثر أو هم أقوى . لذلك فإنني أرى أن مستوى التربية والتعليم في بلادنا ( الجزائر ) متجه من الحسن إلى السيء أو من السيء إلى الأسوأ . ومن علامات ذلك حرص تلاميذ زمان على الدراسة وعدم اهتمام تلاميذ اليوم بهذه الدراسة.
هذا مع ملاحظتين أساسيتين :
1-أنا أتحدث عن الأغلبية بطبيعة الحال ولا أتحدث عن كل التلاميذ , لأنه يوجد في كل جيل تلاميذ
ممتازون وجيدون أدبا وخلقا واجتهادا وتربية وتعليما و...
2-فرق بين جيل سابق وهذا الجيل , وأنا أرى – للأسف الشديد – الفرق لا بين 10 سنوات
سابقة واليوم , وإنما أنا ألاحظ الفرق حتى بين تلاميذ العام الماضي وتلاميذ هذه السنة , الفرق المتجه من الحسن إلى السيء أو من السيء إلى الأسوأ .
أنا لا أخرج التلاميذ من القسم كعقوبة إلا نادرا . وفي يوم من الأيام منذ 3 سنوات أخرجت مجموعة من التلاميذ من القسم كعقوبة لأنهم لم يؤدوا واجبا منزليا . أخرجتهم من القسم على الساعة ال 10 صباحا , وطلبتُ منهم أن يتركوا أدواتهم في القاعة حتى نهاية الحصة ( على الساعة 12 ) , وقلتُ لهم " ستحرمون من حضور الدرس لمدة ساعتين ", فقالت لي إحدى التلميذات المعاقَبات متوسلة , قالت نيابة عن أغلبية زملائها
" ساعتان !. هذا كثير يا أستاذ !". , فقلتُ لها " اخرجي ! قلتُ لكم : لن ترجعوا إلى الحصة إلا على الساعة 12 !", فخرجت التلميذةُ من القاعة وهي تكاد تبكي حسرة على فوات الحضور لساعتين من العلوم الفيزيائية خاصة مع أستاذ تحبه هي وأغلب زملاؤها . أكملتُ الدرس مع بقية تلاميذ القسم , وبقي أغلب التلاميذ المعاقبون أمام القاعة (لم أرسلهم إلى الإدارة ) ساكتين ومنصتين ينظرون إلي من خلال زجاج النوافذ وأنا أقدم الدرس ليستمتعوا ولو بالنظر إلى الإشارت حتى ولو لم يسمعوا كلماتي . وبقوا ينظرون إلي بهذه الطريقة على أمل أن أشفق عليهم وأُرجعهم إلى القسم قبل انتهاء مدة العقوبة التي هي " ساعتان" . وبالفعل عندما دق جرسُ الحادية عشرة , طلبتُ من تلميذ أن يخرج إليهم ليطلبَ منهم الدخول , حيث تابعوا مع زملائهم الدرس وهم فرحون جدا ومسرورون جدا ونادمون جدا على سوء ما فعلوا وعازمون على أن لا يُـقصِّروا في أداء واجب منزلي مرة أخرى حتى لا تتكرر معاقبتهم بحرمان من الحضور للدرس : حرمان يجدون صعوبة في الصبر عليه . وفي نهاية الحصة جاءتني التلميذة وتحدثت إلي راجية ومتوسلة " يا أستاذ رجاء ثم رجاء , لقد بالغت في معاقبتنا . نحن نتمنى منك مرة أخرى ( إن قصرنا ونـتمنى أن لا نُـقصر ) أن تعاقبنا بالطريقة التي تشاء , ولو بالضرب الشديد ( مجرد الضرب ممنوع قانونيا في بلادنا ) , ولكن رجاء لا تحرمـنا من الحضور إلى درسك ولو لساعة من الزمان . ومع ذلك نحن نشكرك على أن خففتَ علينا العقوبةَ , وكذلك نحن نعدك أن نتجنب أي تقصير في المستقبل ما استطعنا !!!".
هذا الحال منذ 3 سنوات فقط , وأما حال الكثير من تلاميذنا اليوم فحدث عنه ولا حرج . إن الكثير منهم – حاشا من لا يستحق ذلك منهم بطبيعة الحال – من أغلى أمنياتهم أن يغيب الأستاذ أو أن يطرأ طارئ يجعل حصة من حصص الدراسة لديهم تتعطل . وأما أن يعاقبَ الأستاذُ التلميذَ فيُخرجه من القسم , فإن التلميذَ يكاد يشكر الأستاذ على ذلك , لأنه خلصه من الحضور للدرس وأتاح له فرصة لاستنشاق الهواء الطلق أو لبعض التجول أو للعب بواسطة الهاتف النقال أو للالتقاء بتلميذ آخر في ساحة الثانوية ليتجاذبا أطراف الحديث أو ... وأما عن ذهابه إلى الإدارة فهو لا يخافه لأن الإدارة هي التي أصبحت تخاف من التلميذ بعد أن كان التلميذ هو الذي يهابُها . وأما أن يأتي التلميذُ بورقة تسمح له بالدخول إلى القسم بعد الغياب فهذا عند التلميذ أصبح أمرا أسهل من شربة ماء , فإنا لله وإنا إليه راجعون .
اللهم حسن أحوالنا وأحوال التربية والتعليم في بلادنا آمين .
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي