فشل التخطيط أم تخطيط للفشل
بقلم: محمد صالح البدراني – يقظة فكر
أن نحلم فهذا أمر طبيعي، وأن نخطط لتحقيق الحلم فهذا أمر مطلوب، لكن أن نخطط لتحقيق الحلم دون دراسة الواقع فهذا تخطيط للفشل، كثير من الناس لا تفكر أن أحلامها هي حالة مثالية تتكامل في ذهنها، وعادة ما يستحضر الحلم النموذج المتكامل، أما النموذج المتكامل هذا فهو على درجة قصوى من التصور ما يخرجه عن الواقع ليسمى حلما؛ وإلا لقلنا أنه تفكير أو عملية ذهنية لتحقيق مراد، اليوم حين نستحضر النموذج من التاريخ ننزهه ونتفادى البقع السوداء في كم البياض، لكننا لو أردنا سبب واقعنا وسوءه لنظرنا إلى تلك البقع لأنها عناصر الهدم والهدم أسهل بكثير من البناء، لماذا الهدم أسهل من البناء؟! لأن الهدم لا يعتني بالتشوهات أثناءه والبناء لابد أن ينظر للتشوهات تلك لأنها ستكون في صلب مظهره، من أجل هذا نرى الأفكار الهدامة والمشوهة فكريا ذات استمرارية وتبحر لأنها أقرب للهوى واقل تحديدا للغرائز وتهذيبها.
كلنا يعلم أنّ الإسلام فهم وتطبيق، وأن الابتعاد عن الفهم نوع من العجز عن المطاولة وعجز عن مقاومة البعد عن الهوى إلى ما هو أطلق منه، نوع من الانتقائية في مغفرة الله تبرر ابتعاد البشر عن الله، والنظر للمتعمقين في الجانب الآخر على أنهم يعقدون تلك المغفرة المتاحة والفهم الذي يملكهم، لكن الحقيقة ليست عند الطرفين، بل الحقيقة في سنن الكون.
أظن أنّ الأمر اتضح الآن أن سبب تأخرنا ليس الإسلام كما يدعي البعض، وليس تقدمنا بالعلمانية كما يدعي البعض، ولا هو بما يُطرح من صيغ مذهبية ونماذج تاريخية عن الإسلام، لأن ما ينقص هذه الأفكار جميعها معطيات التخطيط، لهذا وهي تخطط لا تدرك أنها تخطط للفشل ونرى فشلها في التشرذم والانقسامات الغير مجدية حتى اختزل العلمانيون دعوتهم بأشخاص، وكذلك بعض الإسلاميين فعلوا، وكل يرى بما يسميه من البشر إله من حيث لا يدري سواء عبد مصلحة يحلم بها منه، أو إعجابا بذات الإنسان وما يطرحه من أقوال وقناعة تبرر الخاطئ من الأفعال.
يضعون البناء المفروض وليس الملائم للواقع، شيء في الخيال على واقع محال، حالة الصراع والتخندق بين المثقفين سببها أن هنالك من علم الحقائق ولم يفهمها ويهضمها ويطبقها على سلوكيته ووسائله وتخطيطه، وبين أناس استطابت ما ظنت أنه الصواب وترى فشل فكرها ولكنها تستمر بالتخطيط لمزيد من الفشل، وكأن هذه الناس ترى في السلطة هدف، ونسيت أنها وسيلة وأنها عندما ملكت السلطة لم تزد العالمين إلا تخلفا.
أما الإسلاميون فيقولون جربوا الإسلام، الحقيقة أتساءل، أي إسلام سيجرب الناس، أهو إسلام سلطة أم إسلام مخطط له ولدولته وكيفية الوصول إليها، إنه إسلام سلطة أي الاسم، والاسم لا يحل المشكلة، بل أننا نرى من يعمل على تقدم بلده تحت تسمية علمانية لكن بشروط نهضة إسلامية وحقق نجاحا اقتصاديا وسياسيا هادئا ونهض ببلد يتحدث عن نموه السريع من ألف زيارته، وسيفقدها العالم لو فقدت عدو مغتاظ أو صديق متردد، بينما نرى أحزابا تسمى إسلامية أهلكت بلدها بنظرتها الطائفية وأغرقتها بالكراهية وطبقت كل ما هو في العالم إلا الإسلام، ذلك أنها لم تحمل من الإسلام إلا اسمه وفقدت فهمه ورؤيته وعلمه.
نحن لا يمكن أن نؤسلم أحلامنا ورغباتنا بمجرد تسميتها بالإسلام، فلابد أن نفهم ونخطط، ننظر إلى الواقع ونرى بناءه ثم نحاول أن نضع بناءا نموذجا يصبح القدوة لكل من يرغب في البناء، إن الإسلام هدية الله لعباده تحمله قلوب منفتحة محبة، ولا يمنح الإسلام بلا حب وسيخجل من ينافسه متى استرشد عقله وعندما يتعلم المسلم الداعية كيفية التعبير عن حبه، أما من يعاديه أو من أساء في حمل اسمه.. فلاشك أنه يقفل بباب الكره فسحة النجاة. وأما من صدق النية وفقد الرشاد فلابد أن يستدرك لأنه أيضا كما العلمانيين يخطط للفشل.
دعوة صادقة للجميع أن يجتمعوا ويتحاوروا فأنتم في سفينة غارقة وما انفككتم تحدثون ثقوبا فيها وتظنون أنكم تسربون الماء وتضنون على بعضكم بنسمة هواء، ألم تدركوا أنكم تحت سطح المأساة غرقى وأنكم على هامش التاريخ وصنع الحياة. فاستفيقوا من الوهم واخرجوا من منظومة تنمية التخلف كي تنتشلوا السفينة وتصلحوها، فإنكم تبحرون متصارعين نحو الأعماق.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي