المغرب الأقصى
من الناحية الجغرافية فإن المغرب الأقصى مفصول عن أوروبا من خلال مضيق ضيق وصغير لا يتجاوز بضعة كيلومترات والواقع أن المغرب هو الدولة الوحيدة التي تتمتع بحدود طبيعية واضحة في افريقيا الشمالية. فمن الشمال يحده البحر الأبيض المتوسط. ومن الغرب المحيط الأطلسي. ومن الشرق الصحراء. ومن الجنوب بحر الرمال الذي يفصله عن افريقيا السوداء.
ومن ميزات المغرب انه يمتلك شواطيء طويلة جداً على المحيط الأطلسي. ويبلغ طولها 2500 كيلومتر! ولذلك فهو يعتمد على الثروة السمكية كثيراً. نقول ذلك وبخاصة أنه يمتلك شواطيء طويلة أيضاً على البحر الأبيض المتوسط. وبالتالي فهو البلد العربي الوحيد الذي يقع على بحرين لا بحر واحد. وهذا ما يؤمن له موقعاً جغرافياً متميزاً ورائعاً.
وسكان المغرب من أصل بربري أو عربي. وإذا كانت الجبال هي للبربر حصراً، فإن جميع البربر لا يسكنون الجبال، بل تجد الكثيرين منهم في المدن والسهول. والبربر هم السكان الأصليون للمغرب وقد اختلطوا الآن ببعضهم البعض إلى حد الانصهار والذوبان في أحيان كثيرة. ثم جاء العرب مع الفتح الإسلامي على ثلاث دفعات أو موجات.
أولها كانت موجة الفاتحين في القرنين السابع والثامن للميلاد. ثم جاء بعدهم بنو هلال في القرن الثاني عشر الميلادي من الجزيرة العربية. ثم جاءت موجة ثالثة وأخيرة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر.
وبالطبع فهذه الموجات مشكلة من عدة قبائل: كبني مالك وسفيان وبني موسى وبني عامر والأودايا والرحامة.. الخ.
وقبل الإسلام لم تكن القبائل البربرية موحدة أبداً. وبالتالي فالإسلام هو الذي وحدها. ولكن إذا كان المغرب قد أصبح مسلماً بسرعة، إلا انه لم يتعرّب إلا بالتدريج وببطء شديد. وقد شكل مؤسس الأمة المغربية ادريس الأول قطباً جديداً في العالم الإسلامي بالإضافة إلى قطب بغداد وقرطبة.
وقد وحد المغاربة عرباً وبربراً عن طريق الزواج من امرأة بربرية تدعى: كنزة. وفي عام 809 أعطى ابنه ادريس الثاني للمغرب عاصمته الأولى فاس، وهناك أسس أول جامعة في العالم الإسلامي «جامعة القرويين». وبعدئذٍ تعاقبت على المغرب سلالات عرقية ليس أقلها المرابطون والموحدون والسعديون فالعلويون أخيراً. وتعتبر جامعة القرويين من أعرق الجامعات في العالم الإسلامي.
نتوقف عند عهد الملك محمد الخامس وتحرير المغرب من الاستعمار الفرنسي (1927 ـ 1961). ففي 18 نوفمبر 1927 تم الإعلان عن سيدي محمد بن يوسف بصفته سلطاناً للمغرب.
وكان عمره ثمانية عشر عاماً بالكاد. وهذا التنصيب لسلطان جديد حصل في فترة حرجة وحاسمة من تاريخ البلاد. وذلك لأن نظام الحماية الفرنسية كان قد ترسخ منذ خمسة عشر عاماً ويبدو وكأنه سيدوم إلى الأبد! فالمقاومة المسلحة ضد الاحتلال كانت قد سُحقت في جميع المناطق وأصبحت الساحة مفتوحة أمام الفرنسيين.
وحرب الريف كانت قد انتهت بعد مقاومة ضارية قام بها الزعيم عبدالكريم الخطابي. وبالتالي فالاستعمار كان يعيش عصره الذهبي إذا جاز التعبير عندما اعتلى محمد بن يوسف على سدة العرش.
وكانت فرنسا تعتبر نفسها في مهمة حضارية في المغرب: أي تهدف إلى إدخال الشعوب الهمجية في الحضارة!
وكان الامبرياليون الفرنسيون يحلمون بتحويل المغرب إلى مستعمرة فرنسية كالجزائر تقريباً. ولكن السلطان الجديد كان يحلم بشيء آخر مختلف تماماً.
فالسيادة الفرنسية شيء لا يمكن التفاوض عليه. إنها حق مقدس. نقول ذلك على الرغم من أن العاهل الجديد كان يعرف أن الاستقلال مستحيل عام 1927. بل إن مجرد التفكير فيه يعتبر جنوناً ما بعده جنون. ولذا فإن الشيء الوحيد الذي كان يهمه آنذاك هو المحافظة على الهوية المغربية وكذلك الوحدة المغربية.
وخلال عشرين عاماً كان همّه يكمن في المحافظة على سمعة المغرب الدولية. ولكن بدءاً من عام 1944 لم يعد له إلا هم واحد: استقلال المغرب وخروج الفرنسيين. وبالتالي فالرجل كان عملياً أو واقعياً ويعرف ما يصنع. فلكل مرحلة ضروراتها وإمكانياتها.
وقد استطاع محمد بن يوسف بفضل إرادته المصممة والواعية تحقيق هذين الهدفين الكبيرين: المحافظة على هوية المغرب ووحدته من جهة ونيل الاستقلال من جهة أخرى، ولذلك أصبح البطل المتوج للشعب العربي، وكانت له هيبة كبيرة لا تضاهيها أي هيبة أخرى.
والواقع ان الماريشال ليوتي فهم ذلك جيداً منذ عام 1925. لقد عرف ان عهد الاستعمار سيكون قصيراً، ولذلك قال لجماعته: ينبغي أن نراعي المغاربة لأنهم سينالون استقلالهم عاجلاً أو آجلاً. ولا ينبغي أن يحصل ذلك من خلال الصراعات الدموية معنا، وإنما من خلال التفاهم، لكي نستطيع أن نحافظ على علاقات جيدة معهم بعد الاستقلال. وهذا ما كان.
والواقع ان الأفكار العروبية والتحررية كانت قد انتشرت منذ القرن الثاني عشر في حوض البحر الأبيض المتوسط، وقد استقبلها رجال الدين المغاربة بالترحاب، وكذلك فعل سلاطنة الغرب، وفي عام 1912 كان أبطال النزعة العروبية أشخاص من نوع الشيخ أبو شعيب الدوكالي والشيخ محمد بن العربي العلوي.
وكانا ينتميان إلى التيار الإصلاحي السلفي الذي يقول ما يلي: ان علاج انحطاط العالم الإسلامي لن يكون إلا بالعودة إلى الإحلال: أي أصول الإسلام، ولكن مع أخذ التقدم بعين الاعتبار ورفض الوصاية الأجنبية، ومن جهة الشرق كان الأمير شكيب ارسلان قد أسس الحركة الوحدوية العربية بين سقوط الخلافة العثمانية.
وكان يدعو إلى وحدة العالم الإسلامي ويقول: ان هذه الوحدة لن تتحقق إلا بعد استقلال كل الأقطار العربية الواحد بعد الآخر، وقد نشر في جنيف مجلة بعنوان «الأمة العربية» وبقيت لها أصداء كبيرة في الغرب، ثم تصاعدت المقاومة المغربية بعدئذ على يد علال الفاسي وحزب الاستقلال من جهة، ثم على يد السلطان محمد الخامس من جهة أخرى حتى أدت إلى الاستقلال.
حكم الملك الحسن الثاني والطفرات النوعية الكبرى التي شهدتها البلاد من عام 1961 إلى عام 1999 وتقول: عندما صعد الحسن الثاني على سدة العرش كان عمره اثنتين وثلاثين سنة. وقد استطاع خلال حوالي الأربعين عاماً من الحكم ان ينتقل بالبلاد من مرحلة الإمبراطورية الشريفية التقليدية إلى مرحلة المملكة الحديثة للمغرب. وقد فعل كما فعل والده فتخلى نهائياً عن لقب السلطان لكي يتخذ لقب الملك. ماذا؟ لأن لقب السلطان عتيق جداً ويدل على الرجعية والأزمان الخوالي.
وكانت سياسة الحسن الثاني تهدف إلى شيء واحد: إدخال المغرب في الحداثة مع المحافظة على تقاليده التاريخية وتراثه. والواقع ان البلد الذي تركه لابنه محمد السادس كان متخلفاً كلياً عن البلد الذي ورثه عن والده محمد الخامس.
فالمغرب كان متمحوراً حول الداخل أي حول الجبال، وليس حول البحر الأبيض المتوسط أو حول المحيط الأطلسي. فإذا بالحسن الثاني يميل به في اتجاه الغرب. وهكذا نقل مركز الثقل عن فاس أو مراكش إلى الرباط والدار البيضاء. وأصبحت الرباط هي العاصمة السياسية، والدار البيضاء هي العاصمة الاقتصادية.
ثم دخل المغرب في الحداثة على كافة الأصعدة والمستويات من تعليمية وتكنولوجية واقتصادية وحضارية.
وتزايد عدد سكانه ثلاثة أضعاف فأصبح الآن يعد ما لا يقل عن ثلاثين مليون نسمة. وتأسست في الجامعات الحديثة كجامعة محمد الخامس في الرباط، أو الحسن الثاني في الدار البيضاء، وسواهما في بقية المدن الكبرى كفاس ومكناس ومراكش وطنجة ووجدة، إلخ. وتطور قطاع السياحة في المغرب كثيراً إلى درجة انه أصبح إحدى الدول السياحية الأساسية
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي