freeman المـديـر العـــام
عدد المساهمات : 19309 تاريخ التسجيل : 05/01/2011 العمر : 64 الموقع : http://sixhats.jimdo.com/
| موضوع: الجوع في زمن الوفرة..بقلم إيفلين المصطفى الأربعاء ديسمبر 26, 2012 11:43 pm | |
| إن التعارض مابين المساواة والكفاءة يعد من أكبر الأمور الاقتصادية الاجتماعية، التي من الصعب الجمع بينها، خاصة وأننا بتنا نعيش في مجتمع مزدوج المقاييس، حيث تدعي القوانين وجود حقوق متساوية للجميع ومبدأ تكافؤ الفرص، هذه الشعارات باتت هي الوجه المنمق للديمقراطية الحديثة، لكن الحياة اليومية الاقتصادية تتكلم بشكل مختلف، في حين يجوع بعض الناس وليس لديهم مكان يبيتون فيه، يعيش بعضهم الآخر في مساكن فخمة ويسرفون في الطعام بمبالغ ضخمة. والسؤال أيهما هو وجه الحقيقة؟ اليوم وفي ظل الصراعات التي يشهدها العالم، باتت وسائل الحرب تتعدد كل حسب موقعها ولأن الاقتصاد يشكل الحصة الأكبر، والفتيل الأقوى لاندلاع هذه الصراعات نجد أن المؤشرات العالمية بدأت بدق نواقيس الخطر محذرة من اندلاع أزمة غذاء جديدة، البعض يعتبر ذلك إنذاراً خطيراً، خاصةً وأن الأسعار المرتفعة ضربت مواد أساسية جداً مثل: القمح والذرة وغيره من السلع حيث بلغ سعر طن القمح 328 دولاراً للطن، ما يعادل 22000 ليرة للطن الواحد، كذلك بلغ سعر طن الذرة 325 دولاراً ما يعادل 22000 ليرة للطن، في حين بلغ سعر طن السكر 559.5 دولار ما يعادل 39000 ليرة للطن، كذلك ارتفع سعر الأرز حيث بلغ سعر الطن 585 دولاراً ما يعادل 40000 ليرة للطن. وفيما تنشغل الدراسات الاقتصادية باحتمالية حدوث أزمة غذاء جديدة، تخرج الولايات المتحدة الأمريكية، التي تنعم بإنتاج زراعي عال للغاية، لتعلن أنها فقدت سدس محصولها من الذرة الشهر الماضي، إضافةً إلى محاصيل أساسيه أخرى، نتيجة ارتفاع درجة الحرارة خلال فصل الصيف، الأمر الذي دفع وزارة الزراعة فيها إلى أن تتوقع ارتفاعاً للأسعار بمستويات قياسية. لكن الحقائق التاريخية تؤكد أن ما يتم الترويج له من ادعاءات لحدوث أزمة غذاء، ما هي إلا وسائل تعتمدها الدول في حروبها الاقتصادية لزيادة فرض السيطرة على دول أخرى. وما يحدث ما هو إلا ترجمة واقعية لسياسة اقترحها هنري كيسنجر عام 1974 حين قدّم تقريراً وضّح من خلاله أن هناك 13 دولة في العالم ستشهد زيادة في عدد سكانها وهي الهند والصين وبنغلادش وباكستان وإندونيسيا وتايلاند والفلبين وتركيا ونيجيريا ومصر وإثيوبيا والمكسيك والبرازيل، ما يهدد بالتالي المصالح الأميركية، ولاحتواء هذا الأمر اقترح كيسنجر تجويع هذه الدول، بقصد تحديد النسل، وتم تبني هذا المقترح وبدأ الغرب بمنع تطور الزراعة في عدد من البلدان من خلال إغراق الأسواق بسلع غذائية بأقل من سعر كلفتها، ما تسبب بخسارة عدد من الدول لقطاعها الزراعي. البعض من هذه الدول كان لديه ملكة سياسة النملة، وتمكّن من تأمين احتياجاته الغذائية على مبدأ الاكتفاء الذاتي، ولكن في المقابل لم تتمكن بعض هذه الدول من كسر إرادة سياسة الولايات المتحدة وغرقت في استيراد السلع الغذائية ومعظم هذه الدول تقبع في المنطقة العربية. الغرب لم يكتفِ بالقضاء على القطاع الزراعي لعدد من الدول، بل اتبع منهج التجويع رغم الوفرة من خلال رفع أسعار المواد الغذائية، بحيث لا تتمكن عدد من الدول من اقتناء هذه السلع، وهذا النهج تم توكيله إلى المضاربين الذين تم دعمهم من قبل وسائل الإعلام الذين روجوا بأن الإنتاج الغذائي لا يكفي عدد السكان، كما أن نشوء صناديق تحوّط التي تقوم على شراء عقود آجلة من المواد الغذائية ساهمت بتكريس مثل هذه الادعاءات، وبات التداول اليومي لمثل هذه العقود أكبر من حجم التجارة الحقيقية للمواد الغذائية، فمثلاً لا تتجاوز صادرات القمح العالمية سنوياً 125 مليون طن في حين أن التداول الافتراضي تجاوز الحجم الحقيقي لإنتاج الكرة الأرضية. ولو نظرنا في الإحصائيات الصادرة عن مكتب الزراعة الأميركي، لوجدنا أن إنتاج العالم الإجمالي من القمح لعام 2011 قُدر بحوالي 645.8 مليون طن في حين بلغ إنتاج الحبوب الأخرى المتمثلة بالشعير والذرة وفول الصويا فقدرت بحوالي 1083 مليون طن، ولو قدرنا أن البشرية ستستهلك فقط القمح والأرز وقسمنا كمية الإنتاج على عدد سكان العالم، لوجدنا أن كل مواطن يناله ما يقارب 155 كيلو غرام من القمح والأرز سنوياً دون احتساب بقية أنواع الأطعمة المتوفرة. للأسف فإن مصيبة العالم الغذائية تكمن في شيئين، الأول ناتج عن فشل حكومات عديدة في الوصول إلى الحد الأدنى من الضمانات الغذائية لشعوبها، نتيجة الفساد والنهب المنظم من قبلها لثروات هذه الشعوب، بما في ذلك فوضى الأولويات، التي ينبغي أن يكون الغذاء على رأسها. والثاني: التغييرات المناخية، التي يتحمل مسؤوليتها الأولى البشر أنفسهم، عن طريق التخريب المستمر للبيئة بكل أشكالها، إلى جانب مشيئة القدر. وبالتالي ألا يتوجب كشف هذه الحقائق، وإطلاع الناس عليها كي لا يتم استغلالهم ورفع الأسعار دون وجه حق ؟؟!! وألا يتوجب على الحكومات العربية أن تولي قطاعاتها الزراعية أهمية وأولوية خاصة لأنها تشكل الثروة الحقيقية لأمان واستقرار اقتصاد أي بلد.
إيفلين المصطفى Evlism86@gmail.com ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________ لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي
| |
|