]كلمة السر/size]
ربما تتساءل ـ ويحق لك ذلك ـ ما هو العقل الباطن؟ وماذا تعني ببرمجته؟
وقبل الحديث عن ذلك، دعني أسألك: هل تذكر كم مرة نسيت أمرًا ما، كاسم شخص أو مكان أو بلد، وعبثًا حاولت أن تتذكره فلم تنجح، ثم فجأة وأنت منشغل بأمر آخر لا علاقة له تمامًا بذلك الاسم تذكرته، وكأن أحدًا ما أخبرك به؟
هل حدث لك أنه كان يتعين عليك الاستيقاظ مبكرًا في ساعة معينة على غير عادتك، فإذا بك تنتفض من نومك قبل الموعد بدقائق، وكأن أحدًا أيقظك؟
هل حدث لك أنك كنت أمام مشكلة مستعصية لا تستطيع حلها، فإذا بك بعد فترة قصيرة يقفز الحل إلى رأسك فجأة، وبدون سابق إنذار؟
هل حدث أنك كنت تقود سيارتك وذهنك مشغول بالتفكير في عملك أو أسرتك أو دعوتك، وفي نفس الوقت تقود سيارتك بكفاءة تامة؟
إن الرابط بين كل هذه المواقف السابقة هو العقل الباطن، هو الذي ذكرك بالاسم الذي نسيته، وأيقظك من نومك على غير عادتك، وهو الذي أهداك حل المشكلة بعد أن أعطيته إياها ونسيتها، وهو الذي كان يقود سيارتك ويتحكم بجوارحك، بينما عقلك الواعي منشغل بالتفكير في أمر آخر تمامًا.
ودعنا نوضح لك كيف يعمل العقل الواعي والعقل الباطن سويًّا على برمجة الإنسان تجاه نفسه، سواءً أكان بالإيجاب أم بالسلب؟
فلنعتبر أن العقل الباطن هو ذاكرة الكمبيوتر، وأن العقل الواعي هو مبرمج الكمبيوتر، فإذا كان هذا المبرمج يغذي ذاكرة الكمبيوتر بالرسائل الآتية في برنامجه: ليس هناك أهمية لتحديد أهدافي في الحياة، حتى وإن حددت أهدافي فلن أتمكن من تنفيذها، أنا كما أنا ولا أستطيع تغيير نفسـي، فإذا تم تشغيل الكمبيوتر، فإن الذي سيظهر على الشاشة هي نفس الرسائل السابقة.
إذًا فوظيفة العقل الواعي هو تجميع المعلومات وإرسالها إلى العقل الباطن ليغذيه بها، ومن خصائص العقل الباطن أنه لا يعقل الأشياء، ولا يستطيع أن يميز فيها بين الصواب والخطأ، فهو يخزن المعلومات ويقوم بتكرارها كما هي، فلو حدث أن رسالة ما برمجت فيه لمدة طويلة، فإنها سترسخ وتستقر في أعمق مستوياته، وبالتالي تصبح قناعة راسخة لدى الإنسان تحكم تصرفاته وسلوكياته.
ولكن من فضل الله تعالى أن هذا العقل الباطن يمكن إعادة برمجته، وذلك باستبدال الرسائل السلبية برسائل إيجابية، وبالتالي يمكن أن نبني قناعات جديدة إيجابية تؤدي إلى سلوكيات إيجابية، وهو في ذلك أيضًا يشبه الكمبيوتر، الذي يمكن إعادة برمجته باستمرار بما نشاء من برامج.
ولذلك فمن الممكن الاستعانة ببعض التقنيات الحديثة من علم البرمجة اللغوية العصبية"NLP"، وهو العلم الذي يختص بإعادة برمجة العقل الباطن بصورة سريعة وفعالة؛ بحيث تستبدل البرامج السلبية، التي ترسخت عبر السنين بأخرى إيجابية، تُحدِث تغييرًا حقيقيًّا إيجابيًّا في مشاعر الإنسان وسلوكياته.
وعن طريق بعض التقنيات يمكن إعادة هذه البرمجة للعقل الباطن، ولعل من أشهرها أن تبعث برسائل تأكيد إيجابية إلى عقلك الباطن، بمواصفات خاصة، وفي ظروف معينة، وتواظب على ذلك فترة من الوقت حتى ترسخ فيه هذه البرمجة الجديدة، وقبل أن نعطيك البرنامج العملي لذلك، لابد أن تعرف أولًا:
v قواعد برمجة العقل الباطن:
والتي لابد أن تراعى في تلك الرسائل الإيجابية حتى يكون لها تأثير قوي وفعال في إعادة البرمجة الإيجابية للعقل الباطن، هذه القواعد هي:
1. أن تكون رسالتك واضحة ومحددة:
فتستخدم عبارات مفهومة، وألفاظًا واضحة المعنى، وذلك حتى يمكن أن يفهمها عقلك الباطن، ومن ثَم يتقبلها وتستقر فيه بعمق.
2. أن تكون رسالتك دالة على الوقت الحاضر لا المستقبل:
وذلك لأن المستقبل يفيد الشك، أما الحاضر فيفيد اليقين، فإذا صُغت رسالتك في صورة المستقبل، كأن تقول مثلًا: (سوف أكون قادرًا على تحقيق أهدافي)، فإن هذا الشك سوف ينتقل أيضًا إلى عقلك الباطن، أما إذا قلت: (أنا قادر بعون الله على تحقيق أهدافي) فإن عقلك الباطن سيستقبلها بيقين تام، وبالتالي سوف يكون مفعولها قويًّا.
3. أن يصاحب رسالتك إحساس قوي بمضمونها:
فتقولها في ثقة ويقين وحسن ظن بالله تعالى، وأنت تشعر بها فعلًا وتتخيلها كأنها متحققة بين يديك، ولا تشك لحظة في أنها حقيقية، وبذلك يتقبلها عقلك الباطن ويبرمجها داخله.
4. التكرار:
يجب أن تكرر رسالتك يوميًّا عدة مرات حتى يتقبلها عقلك الباطن وتتم برمجتها تمامًا بداخله، لاسيما في الأوقات التي يتراجع فيها نشاط عقلك الواعي ويبدأ ظهور العقل الباطن، وهي قبل النوم مباشرة وعند الاستيقاظ من النوم.
نصائح لإعادة برمجة العقل الباطن:
إليك ـ عزيزي القارئ ـ بعضًا من التمارين اليومية التي تساعدك على برمجة عقلك الباطن من أجل تحقيق أهدافك بإذن الله:
1. التخيل والتصور:
بمعنى أن تتخيل أهدافك بتفاصيلها وكأنها منجزة متحققة بين يديك كأنك تراها بعينك وتسمعها بأذنك وتحسها بجوارحك ومشاعرك كلها، فإذا كان هدفك مثلًا في الجانب المهني أن تصبح مالكًا ومديرًا لمصنع سيارات، فتخيل شكل المصنع وصور السيارات التي ينتجها، اسمع نفسك وأنت توجه التعليمات إلى مرءوسيك وعمالك، وأشعر نفسك بالفرحة الغامرة لنجاحك في إبرام صفقة كبيرة.
ولكي تنجح في ذلك إليك هذا التمرين الذهني الذي نطلب منك أن تفعله ولو مرة واحدة يوميًّا:
أ. تخير مكانًا مريحًا يساعدك على الاسترخاء.
ب. خذ الشهيق أربع مرات بهدوء، ثم الزفير أربع مرات بهدوء.
ج. أغمض عينيك وتخيل نفسك تحقق أهدافك، اجعل الصورة واضحةً تمامًا أمام عينيك قدر استطاعتك، وتذكر أن الهدف الذي يتقبله عقلك الباطن ويقوم ببرمجته سوف يدفعك إلى تحقيقه.
د. افتح عينيك الآن وادع الله عز وجل وأنت موقن بالإجابة أن يحقق لك أهدافك.
2. التأكيد [أسرار قادة التميز، د.إبراهيم الفقي، ص(186)]:
أرسل تأكيدًا إيجابيًّا كل يوم إلى عقلك الباطن، واستغل قوة التأكيد هذه لتدفع بأهدافك لتعمق إحساسك وتخيلك للأهداف.
مثال: كرر هذه الرسالة عدة مرات (أستطيع بفضل الله تحقيق جميع أهدافي).
3. تصرف كما لو:
يقول د.إبراهيم الفقي: (تصرف كما لو كنت بالفعل تحقق هدفك، تحدَّث وتنفَّس وامش كما لو كان فشلك مستحيلًا، تصرف كما لو كان هدفك يتحقق الآن، وأنك تراه حقيقة، وأنها مسألة وقت قبل أن تحققه.
عندما كنت في السادسة من عمري رأيت حلمًا أنني أصبحت مديرًا عامًّا لأحد الفنادق الكبرى، واعتدت بعد ذلك أن ألعب دور مدير فندق مع أصدقائي، وكنت أتكلم وأمشي كما لو كنت فعلًا مديرًا عامًّا، وكانوا كثيرًا ما يضحكون عليَّ، لكنني في 1987م استطعت أن أكون مديرًا عامًّا لأحد فنادق الخمسة نجوم في مونتريال بكندا، فإنني تصرفت كما لو كنت مديرًا عامًّا، وفعلًا أصبحت كذلك، استخدم قوة (كما لو) اليوم وسوف تنبهر بالنتائج) [أسرار قادة التميز، د.إبراهيم الفقي، ص(186-187)].
نصائح قبل الختام:
وهي مجموعة من النصائح أسديها لك قبل الختام، فاحرص عليها حيث تضع أهدافك:
1. ابحث عن مكان مريح لا يزعجك فيه أحد، واجعل معك مفكرة وقلم.
2. اجمع معلومات كافية عن الهدف الذي تود تحقيقه، سواءً عن طريق القراءة أو الإطلاع، أو سؤال ذوي الخبرة.
3. إن كان الهدف في حاجة إلى تدريب، فالتحق بدورة تدريبة لتتعلم كيفية تحقيقه.
4. سل نفسك الأسئلة التالية:
أ. كيف يمكن الوصول إلى هذا الهدف؟
ب. ما هي الطرق المختلفة التي توصلك إلى هذا الهدف؟ (اطرح كل البدائل الممكنة، دون تقييمها).
ت. ما هي الطريقة التي تناسبك أنت؟ (اختر البديل المناسب).
5. جزئ الهدف إلى مجموعة من المهام الجزئية، واجعل لكل مهمة وقتًا محددًا.
6. تخيل أهدافك كما لو كانت في الواقع، ولكن لا تظن أنه بمجرد تخيل الهدف فقد حققته، ولذا تعود أن تجعل قلبك في المستقبل وعقلك في الحاضر.
7. التزم بما قطعته على نفسك من أهداف، ضع جدول أهدافك الأسبوعي والشهري في مكان بارز في حجرتك أو مكتبك.
وأخيرًا، توكل على الله تعالى، ولا تنسَ الدعاء أن يوفقك الله عز وجل.
وأخيرًا:
(بدون أهداف ستعيش حياتك متنقلًا من مشكلة لأخرى، بدلًا من التنقل من فرصة إلى أخرى) [سيطر على حياتك، د.إبراهيم الفقي، ص(18)].
المصادر:
· أسرار قادة التميز، د.إبراهيم الفقي.
· سيطر على حياتك، د.إبراهيم الفقي.
[/color]
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي