تمثل القمامة في العادة عبئاً على المجتمع ومصدرا من مصادر تلوثه، كما يمكن أن تكون سبباً رئيسياً للعديد من الأمراض. وعلى النقيض من ذلك اختارت ألمانيا الإستفادة من المهملات وتحويلها إلى ثروة توفر أموالاً طائلة.
تعتبر ألمانيا البلد الأشد صرامة في العالم من ناحية القوانين البيئية، فهي أول دولة يدخل بها حزب "الخضر" إلى البرلمان. كما أنها تطبق نظاماً دقيقاً في فرز الفضلات الذي يجد القادم إلى ألمانيا بعض الصعوبة في فهمه وتطبيقه في بداية الأمر. ولكن معرفة ما توفره هذه المشاركة الفردية يوفر على المدى البعيد المال ويحافظ على المواد الخام، كما يساعد على حماية البيئة من التلوث. فالفرد ينتج في ألمانيا في المتوسط عشرة كيلوجرامات من الفضلات يومياً، كما يستهلك ما يزيد على 600 لتراً من المياه. وإذا تم التخلص من كل هذه النفايات بالطريقة المعتادة وهي حرقها فسيلوث الجو، كما ستهدر طاقة كبيرة من أجل حرق هذه النفايات. فإما أن تصرف الدولة الملايين للتخلص من هذه الفضلات، أو تستثمرها وتعيد تصنيعها، وبالفعل اختارت ألمانيا الحل الثاني والذي يوفر لها سنوياً مليارات اليوروهات، وعلى هذا النحو أنشأت صناعة كاملة معتمدة على إعادة تصنيع النفايات. ويتطلب هذا الأمر أن تصنع العبوات والمنتجات منذ البداية بطريقة تسمح بإعادة تصنيعها، وهذه العبوات تحمل علامة خضراء مميزة. ولكن هذا المشروع لا يمكن إتمامه بدون مشاركة من كل فرد في المجتمع.
فصل المهملات أمر يجب تعلمه
تكرر هذا المشهد أمامي عدة مرات، فكلما يأتي أحد الأقارب أو الأصدقاء لزيارتنا في ألمانيا، تحدث حالة ارتباك. أجدهم واقفين أمام صندوق القمامة في حالة من الحيرة، لا يعرفون في أي قسم يلقون بهذا الشيئ. وتزداد حيرتهم عندما أقول لهم لا، إن هذا الشيء لا يجب إلقاؤه في هذا الصندوق على الإطلاق، فهذا له صندوق آخر خاص به. وفي الواقع، فقد استغرق الأمر مني أنا أيضاً وقتاً طويلاً حتى فهمت أين علي أن ألقي الفضلات المختلفة. فالقمامة مقسمة لأربعة أقسام أساسية بالإضافة إلى صناديق خاصة، هذا بالإضافة للزجاجات البلاستيكية والزجاجية والتي يجب إعادتها إلى السوبرماركت، فعلى كل زجاجة رهن، يعاد عند إرجاع هذه الزجاجات، وهذا هو أحد القوانين التي فرضتها الحكومة لتشجيع الأفراد على المشاركة في هذا المشروع القومي.
أما صناديق القمامة ذات الألوان المختلفة فهي المرحلة الأولى للتعرف على هذا النظام، فهناك أربعة ألوان رئيسية، فالصندوق الأزرق هو الأسهل، فهذا هو الصندوق حيث تلقى الأوراق، والورق المقوى، أما الصندوق الأصفر، فهو صندوق العبوات، البلاستيكية والمعدنية. ويزداد الأمر تعقيداً مع الصندوق الأخضر، فهو صندوق الفضلات العضوية، وهذا يعني المواد الغذائية غير المطبوخة أحياناً، والمطبوخة أيضاً في بعض الولايات، وهناك ورقة تحوي التعليمات معلقة على كل صندوق. فبقايا الفواكه والخضروات تستخدم كسماد، ولذلك فممنوع استخدام أكياس بلاستيكية في هذا الصندوق، فهناك أكياس ورقية خاصة من الورق المعاد تصنيعه، والتي تذوب بعد عدة أيام حتى لا تؤثر على هذا السماد الطبيعي الذي ينتج من القمامة. والبقية تذهب إلى الصندوق الأسود. ولكن لم ينته الأمر بعد!!!
"نفايات" أخرى
للزجاج صناديق خاصة، ويتم فرزه حسب اللون، الزجاج الأبيض وحده والبني في مكان آخر والأخضر في مكان ثالث. وبالطبع غير مسموح بإلقاء الزجاج بعد الساعة الثامنة مساءاً، فهذا أمر مزعج، والحفاظ على البيئة يستدعي أيضاً الحفاظ على الهدوء وراحة السكان في المنطقة. أما البطاريات، فتلقى في صناديق خاصة في السوبر ماركت. وبالطبع لا تنتمي فضلات الكمبيوتر إلى هذه الصناديق، فلها صندوق خاص، تلقى فيه الأسطوانات المدمجة والديسكات، والأدوات الالكترونية بصفة عامة، وهذه هي الصناديق الحمراء والتي توجد في مناطق محدودة من بينها المحلات التجارية المتخصصة في بيع هذه المنتجات.
أما الفضلات الكبرى كقطع الأثاث، أو الأجهزة الكهربائية فهي تترك في الشارع في "مواعيد التخلص من النفايات الكبرى". وهذه المواعيد توزع في كراس يوزع على كل أسرة، لتعرف هذا الموعد الذي تنتظره أحياناً بفارغ الصبر لتتخلص من الأشياء المزعجة بالمنزل. ولكن، أحياناً ما تكون هذه الأشياء في حالة جيدة جداً! ولذلك فهذه "الفضلات" تترك على الأرصفة لمدة يوم كامل، لتتاح الفرصة لمن يرغب في أخذ ما يحتاجه منها. وفي الواقع هناك العديد من الناس الذين يقومون بفرش منزلهم بالكامل من هذا الأثاث المستعمل، بل وقد تجد أجهزة كهربائية، عيبها الوحيد أن"موديلها" قديم.
المهرجانات فرصة للتحرر من القواعد
حقاً إن حماية البيئة أمراً هاماً ولكنه أحياناً ما يكون أمراً متعباً يحتاج إلى مجهود وتنظيم، ولذلك فقد يرغب المرء لوقت يرتاح فيه من الحرص على أن يلقي كل شيء في مكانه المخصص. وفي الواقع لا يقتصر الأمر على هذا السبب، ولكن في المهرجانات الكبرى حيث يتجمع مئات الآلاف من الأشخاص، لا يمكن مطالبة كل شخص بالاحتفاظ بالقمامة في يده حتى يصل إلى صندوق القمامة. لذلك تعتبر هذه الاحتفالات فترات استثنائية يمكن إلقاء الفضلات فيها في الشارع. وتأتي العربات الخاصة بعد نهاية المهرجان لتنظيف المكان.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي