ليس ثمة شك في أن حياتنا بدأت تصبح معقدة، وتزداد حدة تعقيداتها شدة يوماً بعد يوم ، ولهذه التعقيدات التي نعيشها تأثيرها المباشر علينا وعلى نفسياتنا التي تجد أحياناً صعوبة ما في سرعة تقبل التغييرات المستحدثة العصرية المتسارعة .. وليس هناك شك أيضاً بأن الكثير منا يمر بلحظات الضيق والانزعاج الذي نتج عن كآبة ما حطت رحالها فوق عالمنا فأطبقت بظلامها فوق أنفسنا وقترت علينا صفو الحياة بهجتنا بها، فالمشاكل والضغوطات التي نتعرض لها يومياً تصنع الألم وتفلح في رسم التعاسة على جدراننا النفس الداخلية .. ولذا من المهم أن يبقى هناك حداً ما معقولاً يصنع التكيف لنا حين لا نفلح في التواصل معه، بحيث لا تصبح التغييرات مصدر قلق وكآبة دائمة لا نجد لها حلاً ، فتنعدم معها رؤيتنا التفاؤلية للمستقبل ونتصورها ككابوس مزعج نضطر لخوضه رغماً عنا، ومن ثم نتحول إلى فريسة سهلة للقلق والمرض النفسي ، فتسيطر علينا الأوهام والمخاوف ونلجأ بعدها للانتحار لإنهاء هذه المتاعب .
إن محاولة التفاهم مع الحياة وتعقيداتها المستمرة هو الأمر الذي يضمن وجود حالة شعورية مستقرة تحقق نوع من الراحة والرضا النفسي الذي ننشده على كل حال . ولأن مجتمعنا بدأ فعلياً يتعقد من النواحي التكنولوجية والمادية والاتصالية فهو في المقابل أيضاً بدأ يتعقد كذلك من النواحي النفسية والروحية، وهذا الأمر يحدث نوع من التضارب والصراع والبلبلة لدينا ، فتكثر بسببه نوبات التذمر والسخط والخلافات والمشاكل، وإن تفاقمت أكثر داخل الإنسان فهي مؤكد تسبب حالة بلبلة وتشويش نفسي إن ازداد نوبات الكبت ولم تجد هذه الضغوطات فضاء واسعاً ومتنفساً مريحاً تخرج إليه .
ولا يهم أن تصنعك السعادة إن كنت تبحث عنها، بل الأهم أن تكون أنت من تصنعها حين تسعى إليها، فلا أحد يولد في شقاء دائم، وكذلك لا أحد يولد في سعادة متواصلة .. إن فرص السعادة والشقاء متساوية في الحياة ، فالكثير من المشاهير الذين رفلت السعادة في حياتهم لم يستطيعوا التأقلم مع حياتهم الصارخة والضاجة بمحافلها المبهجة التي نسمع بها أو نتابعها وراءهم ، إذ أن الكثير منهم قد أنهوا خط حياتهم بالانتحار !! .. فما الداعي لذلك إن كانوا سعداء فعلاً ، وهم حين أقدموا ببساطة على قرار الانتحار ، قد فقدوا حد التأقلم والاتزان المعقول ما بين واقعهم وما بين أنفسهم .
فما هو الحل الذي يجعلك نخرج من قوقعة الألم والحزن والكآبة التي تودي بك نحو أمراض نفسية مزمنة تنتهي غالباً بالانتحار؟ ، لعل الحل الأول الذي يتبادر إلى أذهاننا لعلاج مثل هذه الحالات ، هو البحث عن عائلة تحتوي هذا الوجع وتكون متنفساً له .. إن الأسرة والعائلة قبل أي شيء تعتبر ملجأ الإنسان وملاذه الأول في تلقي الصدمات واحتضان الوجع والمساعدة على التخلص من كم هائل من الشحنات الاجتماعية و أمراض العصر السارية، كالقلق والاكتئاب المزمن وهما العامل الرئيسي المسبب للانتحار، لذا من المهم أن يلجأ المرء للأسرة عند اشتداد الأزمات .
ومن الأهمية بمكان أن تفتش عن صديق أيضاً ، يساعدك ويحتويك ويتفاعل معك .. وربما تكون أعقد مشاكلنا بل وأبسط الحلول التي نتطلبها كعلاج لها، هي أننا لا نجد من نبوح له بما نشعر، ففي حياتنا نشاهد الكثير ونتلقى ما هو أكبر مما نظن أننا تهيئنا لحمله ، وهنا يبدأ الجدل بالداخل، إن لم نتدارك الأمر بالبحث عن رفيق أو صديق يستمع لنا باهتمام حتى وإن لم يستطع أن يعاوننا بالكثير من الحلول ، فأن يكون الاستماع وحده غايته معنا فهذا الأمر سيخفف الكثير من حدة الكآبة والحزن الذي يعترينا ، كما وأنه سيطرح بحمولة ثقيلة ينوء بها كاهلنا ، ولا يبقيك التردد جانباً إن لم تجد من بين كل هؤلاء تجاوباً واضحاً بأن تتجه نحو جماعة ما تشاركها نشاطاتها وتنفس عن طاقاتك معها سعياً وراء خدمة الآخرين .
هناك الكثير من الناس ممن يؤمنون بأن الحزن والتعب النفسي الذي يجتاح حياتهم فجأة يمكنه أن يشكل محطة جديدة للتأمل والانطلاق والإبداع، وبأن الحزن حالة من حالات التنفيس التي تليها محاولة جادة لتكريس الطموح بداخلنا ، وقبل هذا وذاك فتش عن الجانب الروحي المهمل في حياتك والذي أوصلك نحو هذه الحالة ، وابحث عن صلة قوية تربطك بالله تعالى ، فهذه الصلة تذلل كل الصعوبات التي تعترض حياتك وتمنع توافقها
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي