من ملاحظتنا اليومية.. أن كل سلوك يلقى استحساناً أو تشجيعاً أو ينال مكافأة مادية أو معنوية.. فإنه يتكرر باستمرار حتى يصبح عادة شبه دائمة .
ذلك التشجيع أو تلك المكافأة.. تسمى "بالتدعيم".
أما السلوك أو التصرف الذي لا يلقى استحساناً ولا ينال قبولاً .. أو ينتج عنه عقاب أو حرمان وزجر .. فإنه غالباً ما يتوقف .. وهذا ما يسمى بظاهرة "الانطفاء".
وأننا إذا أردنا أن نعلم أنفسنا سلوكاً جديداً مثل : الانتظام على القراءة اليومية لمدة ساعتين .. أو الانتظام على ممارسة نشاط رياضي لمدة ربع ساعة مثلاً .. فإنه لا يجب الاكتفاء بتنظيم العملية وتحديد الوقت المناسب وخلافه .. وإنما يجب أن نعلم أن أى سلوك جديد نرغب فى استمراره ليصبح عادة شبه دائمة .. يجب أن يدعم بالمكافأة والتشجيع . أى يجب أن تدعم هذا العادة فى نفسك .. معنوياً ومادياً .
معنوياً : بتشجيع النفس وبث مشاعر الثقة والقدرة والكفاءة وغالبا ما يتم ذلك على شكل إيحاء نفسي .
وماديا : بأن تكافئ نفسك بنزهة أو شراء أى شئ تحية أو زيارة شخص محبب إلى نفسك .. بل يمكن أن تكون المكافأة مجرد شراب أو طعام شهى .
ومن التجارب الغريبة والناجحة التى أجريت فى هذا الصدد ، تجربة فى الامتناع عن التدخين باستخدام أسلوب التدعيم .. وكانت المكافأة التى تقدم للشخص الذى يمتنع يوما بأكمله عن التدخين شيئا محببا إلى نفسه .. وهو : سيجارة .. يدخنها كمكافأة له عن امتناعه عن التدخين يوما بأكمله !! مع ملاحظة أن هذا الأسلوب لا ننصح بإتباعه فى كثير من الحالات .
فسلوك الفرد يحدده دائماً ، والى حد بعيد ، رد فعل البيئة على ذلك السلوك .. من إثابة واستحسان أو عقاب واستهجان . والتدعيم المعنوي من خلال عبارات التشجيع والثناء على السلوكيات الإيجابية .. والمدح وتقديم مشاعر التقبل والتقدير يؤثر فى الناس جميعاً .. ويأسر مشاعرهم ويشجعهم على تكرار السلوك الإيجابي المرغوب .
ويرجع السر فى نجاح البعض اجتماعياً الى إتباعهم هذا الأسلوب بمهارة .. وبدون مبالغة أو افتعال .
بل يعتقد البعض أن التدعيم عنصر فعال ومؤثر فى العلاج النفسي .. أياً كان أسلوب العلاج المتبع ، وأن التدعيم يستخدم تقريباً فى أغلب مدارس العلاج النفسي حتى تلك التى لا تعمد إلى ذلك ، لأن مجرد الاهتمام الذى يبديه المعالج بالاستماع للمريض والاهتمام به وبمشكلاته هو نوع من القبول والتدعيم .
كما أن التدعيم الذى تقدمه البيئة يحدد إلى درجة كبيرة سلوكيات أفراد المجتمع واتجاهاتهم .
فإذا كانت البلطجة والوصولية والتملق تتيح للبعض الحصول على مكاسب مادية بدون جزاء أو عقاب .. فإن مثل تلك الظروف تعتبر تدعيماً يساعد على انتشار وتفشى السلوكيات الانتهازية المنحرفة .. أما إذا كانت مثل تلك السلوكيات السلبية تقابل بالاستنكار أو الاستهجان أو الزجر والعقاب فإنها غالباً ما تختفي ليحل محلها النظام والالتزام بالقانون وقواعد الأخلاق .
والأم التى تستجيب لطفلها كلما بكى بأن تعطيه ما يريد وما يرغب .. أو أن تقوم بحمله وتدليله استجابة لبكائه .. هي فى الحقيقة تدعم فيه هذا الأسلوب لتحقيق أهدافه وللحصول على ما يرغب بالصراخ والبكاء ، فيشب وقد أصبح هذا السلوك عادة متأصلة فيه , فإن لم يحصل على ما يشتهيه وما يرغبه انفعل وتوتر وثار وحطم كل شئ حوله . أما الأم الواعية فإنها تتجاهل بكاء طفلها عندما يكون البكاء وسيلة لتحقيق رغبة أو للحصول على مزيد من الرعاية والاهتمام .. فإذا ما هدأ الطفل ، وتوقف عن الصراخ والبكاء ، فعليها أن تقدم له ما يريد بعد أن تشرح له أنها أعطته هذا الشئ لأنه طلبه بأدب وبدون بكاء .. ولأنها موافقة على إعطائه ذلك الشئ .
وهكذا يتعود الطفل على ألا يستخدم أسلوب الصراخ والبكاء للحصول على الأشياء .. وأن الانفعال والتوتر لا يجلب له إلا التجاهل والحرمان .. كما يجب على الأم أن تتفق مع باقي أفراد الأسرة على تجاهل الصراخ أو البكاء أو الضغط الناتج عن التدليل الزائد.. وأن لا يهتمون بالطفل ولا يقدمون له أية مساعدة إلا إذا توقف عن السلوك غير المرغوب .
مع الاهتمام بتدعيم وتشجيع ومكافأة كل سلوك ايجابي يصدر منه . ويمكن عمل جدول للتدعيم .. فيتم حصر وتحديد السلوك الغير مرغوب فيه (اللجلجة ، الخوف ، السلوك العدواني ، عدم القدرة على عقد صداقات مع الأطفال الآخرين) ، ويتم أيضا حصر وتحديد الأشياء المحببة للطفل من أنواع الحلوى واللعب وخلافه, ثم يتم الاتفاق مع الطفل ومع باقي أفراد الأسرة على أنه فى كل مرة ينجح فيها الطفل فى تجنب السلوك الغير مرغوب سوف يدون ذلك فى الجدول وسوف يمنح التدعيم أو المكافأة إلى جانب عبارات التقدير والتشجيع والثناء من جميع أفراد الأسرة .
فالخطوة الأولى إذن هي تحديد السلوك الغير مرغوب
والخطوة الثانية هي الالتزام بعدم العقاب (يكفى التجاهل أو الحرمان من المصروف و الامتيازات الأخرى) .. ولا يجب إتباع أسلوب العقاب إلا فى حالة الأخطاء والسلوكيات الشاذة على أن يكون العقاب غير جسدي , بل لفظي .. مع تجنب توجيه الألفاظ النابية أو الساخرة للطفل .
والخطوة الثالثة هي عمل جداول للتدعيم .. كما ذكرنا
وعموماً .. يفضل أن يكون التدعيم مستمرا فى البداية .. أى أن تقدم المكافأة أو التشجيع عقب كل مرة يسلك فيها الفرد السلوك المرغوب ثم متقطعاً .. أى أن تقدم المكافأة أو التشجيع كل ثالث أو رابع مرة .. وهكذا .
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي