فوائد القراءة والمطالعة ..
1 ـ أن القراءة تعد وسيلة مهمة لتحصيل العلم الشرعي وإدراكه .
2 ـ القراءة وسيلة لتوسيع المدارك والقدرات .
3 ـ القراءة وسيلة لاستثمار الوقت،
4 ـ القراءة وسيلة للتعويد على البحث،
5 ـ القراءة وسيلة للإستفادة من تجارب الآخرين،
6 ـ طرد الوسواس والهم والحزن.
7 ـ اجتناب الخوض في الباطل.
8 ـ الاشتغال عن البطالين وأهل العطالة.
9 ـ فتقُ اللسان وتدريبٌ على الكلام، والبعد عن اللحن، والتحلي بالبلاغة والفصاحة.
10 ـ تنمية العقل، وتجويد الذهن، وتصفية الخاطر.
11 ـ غزارة العلم، وكثرة المحفوظ والمفهوم.
12 ـ الاستفادة من تجارب الناس وحكم الحكماء واستنباط العلماء.
13 ـ إيجاد الملكة الهاضمة للعلوم، والمطالعة على الثقافات الواعية لدورها في الحياة.
14 ـ زيادة الإيمان خاصةً كتب أهل الإسلام، فإن الكتاب من أعظم الوعاظ، ومن أجل الزاجرين، ومن أكبر الناهين، ومن
أحكم الآمرين.
15 ـ راحة للذهن من التشتت، وللقلب من التشرذم، وللوقت من الضياع.
16 ـ الرسوخ في فهم الكلمة، وصياغة المادة، ومقصود العبارة، ومدلول الجملة ومعرفة أسرار الحكمة.
كيف ننمي حب القراءة في أنفسنا ؟
ربما راودت البعض منَّا الرغبة في تنمية حُبه للقراءة، والتهامه للكتب، إلاَّ أننا -ربما- لم نهتدِ بعدُ للطريقة المثلى لتحقيق
هذا المطلب، وإليك - جملة من النقاط التي قد تكون كفيلة بمساعدتك في أن تصبح قارئاً نهماً، ومنها :
أولاً:
وعي أهمية القراءة :
فـ"الناسُ أعداءُ ما جهلُوا" فمن يدرك هذا الأمر ويعي فوائد القراءة وأهميتها في
الارتقاء بفكره وسلوكه وحياته ومجتمعه؛ فإنه سيلجأ للكتاب دوماً، وسيأخذه بقوَّة ليضعه بين يديه؛ مقلباً أوراقه. إذ
علينا أن نقرأ، وأن نتمسك بالكتاب حتى لا يفاجئنا الطوفان كل يوم .
ثانياً:
إزالة النفور من القراءة:
عن طريق تخصيص الوقت الملائم لها، إضافة للتدرُّج في ممارستها، عبر اختيارك
للكتب الصغيرة الحجم في البدء، باعتبار أن "قليلٌ تدُومُ عليه أرجى من كثيرٍ مملولٍ منهُ"؛ فمن السهل أن تقرأ كُتيب لا
تتراوح عدد صفحاته (50) صفحة.. لكن، من الصعوبة أن تقرأ كتاباً من (500) صفحة في خطواتك الأولى.. أليس كذلك؟
ولتحصيل الرغبة في ممارسة القراءة، يُحبذ أن نصطحب معنا كتاباً ونحن ننتظر في المستشفى -مثلاً-، أو في
الأماكن التي نضطرُّ فيها للانتظار -عادةً-، وسنرى أنفسَنا مندفعين في قراءته.
ثالثاً:
القراءة الموجَّهة:
لتحقيق طموحات الإنسان وتطلعُّاته؛ فمن يرغب في كسب الأصدقاء مثلاً؛ فإنه سيعمد
لقراءة كتب في مبادئ العلاقات الإنسانية والاجتماعية، ومن يرغب في تطوير تجارته فسيعمد للقراءة فيما يخصُّه من
أمور، ومن يرغب في تربية أولاده فسيعمد لقراءة كتب في التربية ... ألخ.
رابعاً:
انتقاء الكتب المناسبة:
ويتم هذا الأمر بزيارة دورية للمكتبات التجارية، ومعارض الكتب، ففيها سيجد
القارئ ما يشبع احتياجاته، ويتناغم مع ميوله، ويمكنك أخذ النصيحة بما يناسبك من كتب ممن تثق به.
خامساً :
وضع الكتب وعرضها بشكلٍ لافت للنظر في البيت، ولتكن في متناول الأيدي دوماً.
سادساً :
محاورة العلماء والمثقَّفين؛ فمجالستهم قد تجعلك قارئاً نهماً، أوليس من جالس العلماء أصبح عالماً!
سابعاً :
حرر صحيفة منزلية؛ لتكتب فيها مع باقي أفراد الأسرة.
ثامناً :
تحبيب القراءة والكتاب إلى النفس، حتى تلزمها وتألفها فـ"أفضل الأعمال ما أكرهت نفسَك عليه"، وعليك
بالتنويع في قراءتك، ويفضل أن تنتقل من موضوع لآخر، فمثلاً، إذا كنت تقرأ كتاباً عميقاً من الحجم الكبير، فبإمكانك
تركه جانباً للحظات لتقرأ قصيدة من ديوان، أو قصة من كتاب، لتسلي نفسك قليلاً وحتى لا تشعر بالملل من القراءة،
جاء في الأثر: "إنَّ هذه القلوب تملُّ كما تملُّ الأبدانُ ؛ فابتغوا لها طرائف الحِكم".
تاسعاً :
التقليل من جلسات الديوانية الطويلة مع الأصدقاء، والاستعاضة عنها بقراءة في كتاب. بل يمكن الاستفادة من
هذه المجالس في القراءة بصورة جماعية مع الأصدقاء والمعارف والزملاء، فكما يمكن المذاكرة مع زملاء المدرسة
والصف بالنسبة للكتب والمقررات الدراسية كذلك يمكن تشكيل حلقات للقراءة الجماعية في مجالات المعرفة والثقافة
العامة بنفس الطريقة والكيفية. ولو اعتاد طلاب الثانوية -مثلاً- على هذا النمط من القراءة لأصبحت لديهم عادة في أيام
الجامعة "ومن شبَّ على شيءٍ شاب عليه" كما يقال. والخير عادة كما يقول علماء التربية والأخلاق.
وهنا أذكر هذا البيت من الشعر:
نعم الأنيس إذا خلوت كتابُ تلهو به إن ملك الأحبابُ
لا مفشياً سراً إذا استودعتهُ وتنال منهُ حكمة وصوابُ
لماذا لا تقرأ؟
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فإن المتأمل في واقع أمتنا العربية والإسلامية وما يحفل به من أدواء يلمس أول ما يلمس تفشي الأمية في قطاع كبير
من شعوبنا؛ مع أن ديننا الإسلامي الحنيف هو دين العلم والمعرفة، وأول ما نزل من القرآن الكريم على الرسول صلى
الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين قوله تعالى:
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق:1- 5).
ولا شك أن تلقي سلفنا الصالح من الصحابة الكرام والتابعين ومن تبعهم بإحسان لتلك الآيات كان تلقياً بالأخذ بأسباب
العلم والتعلم، ومن هنا كنا أمة العلم والعرفان، فسادت أمتنا الدنيا. إلا أنه كلما بعدت هذه الأمة عن مشكاة النبوة كلما
أدى ذلك إلى انحرافها عن الصراط المستقيم مما ينشأ عنه ضعفها، وتداعي أعدائها عليها حتى بلغ الجهل من أمتنا
مبلغه فأسقطها في الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق حتى صرنا أمة تابعة لا متبوعة.
والحالة الثقافية أصبحت من أسوأ ما يكون لانتشار الأمية واضمحلال المؤسسات التعليمية، وضعف الموجود منها مما
أدى إلى الانهزامية أمام أعدائنا واتباعهم حذو القذة بالقذة، وهذا ما قاله المفكر المسلم عبد الرحمن بن خلدون في
مقدمته الشهيرة: (المغلوب مولع أبداً بتقليد الغالب).
ولا شك أن القراءة هي عنوان الحضارة، ودلالة بارزة على أي مجتمع متحضر، ولكننا نصاب بالخيبة حينما نقرأ ما
ذكرته منظمة مختصة هي (اليونسكو) في تقرير لها عن القراءة في الوطن العربي؛ حيث جاء في التقرير: "المواطن
العربي يقرأ (6) دقائق في السنة، وفي الوطن العربي يصدر كتاب لكل (350) ألف مواطن؛ بينما يصدر كتاب لكل (15)
ألف مواطن في أوروبا، كما أن كل دور النشر العربية تستوعب من الورق ما تستهلكه دار نشر فرنسية واحدة هي
(باليمار)".
ونعتقد أن التقرير فيه مبالغة واضحة في دعوى أن المواطن العربي لا يقرأ إلا (6) دقائق في السنة؛ لأن أمتنا بغض
النظر عما ينتشر فيها من (الأمية) إلا أن القراءة فيها ليست من الضعف حتى تصل إلى تلك النسبة المتدنية؛ إلا إن كانت
الدراسة على عينة عشوائية؛ فقد يكون لذلك نوع من الصحة؛ لكن ذلك له جانب آخر مقبول، وهو في نظري تسليط
الضوء على ظاهرة بارزة في مجتمعاتنا وهي ضعف القراءة في كتب العلم والمعارف الكثيرة لا سيما بعد ا نتشار
وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة آلياً التي شغلت الكثير من الناس عن القراءات الجادة ولا سيما وسيلة
(الإنترنت) التي يغلب عليها الأخبار والإثارة والحوارات مع أن هناك إمكانية الاستفادة منه بشكل أكثر فاعلية.
وقد يكابر بعضهم بأن اتهام فئات منا بعدم القراءة هو تحامل لا سيما بعدما أُثر عن وزير الدفاع الصهيوني (دايان) أن
العرب لا يقرؤون لكونه نشر خطة عسكرية هزم بها العرب فيما بعد، وعندما سئل: ألم تخش كشف الخطة؟ قال: (إن
العرب لا يقرؤون). وكلامه هذا والحال ما ذكر صحيح، ولا تجدي المكابرة عن هذه الكارثة.
ولا يغيب عن الذهن ظاهرة انهماك فئات من الناس في مجتمعاتنا بالانكباب على قراءة المواضيع السطحية والتافهة
أمثال قراءة الشؤون الرياضية والمسائل الفنية، وصدق من قال: (على قدر أهل العزم تأتي العزائم). وأحسب أن هذه
الظاهرة من أسباب ضعف الأمة؛ لأن هذا مظهر من مظاهر ضعفها.
تلك الحال التي لا تسر؛ بينما العلم هو الذي يحقق صحة المجتمع ليكون متوازناً وسوياً، فلا يعتريه انحراف عن الجادة.
ومن هذا المنطلق جاء القول المأثور: (من عمل بما علم أورثه الله علم ما لا يعلم). ولا شك أن الأمية وصمة عار علينا معشر
المسلمين ونحن الذين حث ديننا على العلم والتعلم، ومن هنا اعتبر القرآن الكريم أن الأمية ليست أمية القراءة والكتابة
فحسب، بل أمية الأفكار. يقول الله تعالى:
(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ) (البقرة: من الآية78) أي لا يعلمون
الكتاب إلا تلاوة فقط على أحد وجوه التفسير. ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن ابن عباس وقتادة عن الآية (وَمِنْهُمْ
أُمِّيُّونَ..) أي غير عارفين بمعاني الكتاب يعلمونها حفظاً وتلاوة بلا فهم ولا يدرون ما فيه. وقوله: (إِلَّا أَمَانِيَّ) أي تلاوة
بلا فهم لا يعلمون فقه الكتاب إنما يقتصرون علا ما يسمعون بشكل عام.
فلماذا لا نقرأ؟ ولماذا لا نداوم على القراءة؟ مع ما لها من فوائد شتى ذكرها أحد الباحثين، ويمكن إجمالها في الآتي:
1- أن القراءة مع شقيقتها الكتابة هما مفتاح العلم.
2- أنها الأسلوب الأمثل لمعرفة الله سبحانه وتعالى، وعبادته وطاعته، ومعرفة الإسلام بالأدلة.
3- أنها من أقوى الأسباب لعمارة الأرض والوصول إلى العلوم النافعة المؤدية لذلك.
4- تعرف القارئ على أخبار الأمم الماضية والاستفادة من أخبارهم وأحوالهم.
5- تطلعك على اكتساب المهارات ومعرفة الأساليب النافعة.
6- أنها سبب لمعرفة ما ينفع الإنسان وما يضره من العلوم والفنون.
7- أنها تعرفك وتدلك على اكتساب الأخلاق الحميدة، والصفات النبيلة، والسلوك المستقيم.
8- ينال القارئ بفضلها الأجر والمثوبة لما فيها من العلم النافع والعلم الصالح.
9- أنها سبب لرفعة الإنسان للمقامات العليا، وصدق الله العظيم: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
(المجادلة: من الآية11).
10- أنها تعرفك على مكائد الأعداء، وتدلك على حقيقة الفِرَق المنحرفة لتعرفها فتجتنبها.
11- أنها سبب للأنس والترويح عن النفس.
12- أنها أسلوب أمثل لقضاء وقت الفراغ بما يعود على القارئ بالنفع والفائدة.
فإذا كانت هذه هي فوائد القراءة؛ فلماذا لا نقرأ ولا تكون هذه العادة السليمة ديدناً لنا. لا شك أن هناك معوقات تدعو
إلى النفور عن القراءة؛ فما أسباب ذلك؟.
لا شك أن لذلك أسباباً تُجمَل فيما يلي :
1 ـ عدم معرفة قيمة القراءة وفضلها؛ فإن الإنسان عدو ما جهل.
2- عدم وجود القرين الجيد المحب للقراءة والذي يشجع عليها.
3- الانشغال بالغث عن السمين بقراءة الصحف والمجلات التافهة.
4- غلاء أسعار الكتب، وعدم وجود مكتبات تجارية لهذا الغرض في بعض القرى والهجر.
5- عدم معرفة الأسلوب الأمثل للبدء بالقراءة؛ فربما يقرأ في كتاب ذي أسلوب عالٍ فينصدم القارئ من القراءة لأول
وهلة.
لماذا ينصدم القارئ بما يقرأ؟
وذلك لما يلي:
1- قراءة الكتب المتخصصة صعبة الفهم.
2- الاطلاع على الموسوعات ذات المجلدات المتعددة.
3- ضعف اللغة العربية لدى القارئ، ومن ثم عدم فهم الأساليب الراقية.
4- عدم فهم بعض المصطلحات التي قد يتناولها الكُتّاب فيما يكتبون.
5- عدم التركيز أثناء القراءة مما لا يساعد على الفهم والاستيعاب.
6- دنو الهمة، وضعف الطموح؛ فلا يفكر إلا بأكله وشربه.
قد هيؤوك لأمر لو فطنتَ له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
7- الانشغال بالملهيات من وسائل الإعلام وخاصة المسموعة والمرئية.
8- الانشغال بأنشطة أخرى رياضية أو مهنية.
9- الافتقار إلى الخبرة في اختيار الكتاب المناسب للبداية.
كيف تقرأ، وتعتاد القراءة؟
كثير من الناس لا يعرفون كيف يقرؤون؛ وهذا لا يتوقف على مدى تذوقهم أو تعلمهم أو حتى معرفة المادة التي
يقرؤونها إنما يتوقف ذلك أساساً على الأسلوب الذي يتناول به القارئ أي كتاب يقع بين يديه سواء كان كتاباً
تاريخياً، أو عملاً فكرياً، أو رواية طويلة، أو ديوان شعر... فأكثر الناس يتناولون الكتاب وعقولهم غير مهيأة له؛ فهم
يعجزون عن أن يضعوا أنفسهم مكان الكاتب، ولا يملكون الصبر على أن يتركوا الكاتب يستكمل أقواله، وسرعان ما
يعبرون عن سخطهم وغضبهم بقولهم: إن هذه كتابة قديمة جامدة، أو هذا هراء المولعين بالجديد... وهم في هذا
يشبهون رجلاً جاهلاً أعطي يوماً كتاباً يناقش بعض النظريات الاقتصادية، ولكنه أعاده وهو يقول: "لن أقرأ هذا الكتاب؛
لأن أي كتابة ضد هذه النظريات تغضبني" ولا يعني مثل هؤلاء القراء ما إذا كان الكاتب قد أوضح الغرض من كتابته في
لغة سليمة أم لا؟ فما دام هو لم يساير المبادئ أو الأفكار التي يعتنقونها سواء كانت قديمة أو حديثة فهو كاتب تافه لا
قيمة له، بينما تكون موهبة الكاتب ذات قيمة فعلاً. أما موهبة القارئ في هذه الحالة فهي التي تحتاج حقاً إلى وضوح.
لماذا ؟
ربما لأن قراء اليوم قليلو الاحتمال نافدو الصبر لا يملكون قوة الخيال. والمقصود بالخيال هو (النشاط الذهني) وليس
الخيال العاطفي؛ فذلك هو الذي يهيئ للقارئ أن يضع نفسه كلية مكان العقول والقلوب الأخرى يكتشف فيها الحب
والتعاطف لا البغض والكراهية... وكثير من القراء يبدؤون القراءة وفي أذهانهم حكم مسبق مما يجعلهم يتحاملون أو
يتحيزون ضد ما يقرؤون؛ فبدلاً من أن يسألوا أنفسهم: ما الذي يقوله هذا الكتاب؟ إذا بهم يتساءلون: ما هو رأيي في
هذا الكتاب؟ والمفروض أن يقول القارئ لنفسه: لعل الكاتب ذو موهبة فنية، أو لعله كاتب فاشل؛ ومع ذلك فإني
سأقرؤه وكأنه أول كتاب تم تأليفه، وبانتهاء قراءته يصل فيه إلى رأي محدد.
وأحياناً يتأثر القارئ بصورة الغلاف، أو باسم المؤلف، أو بطريقة الطباعة، أو بنوع الورق، أو بحجم الكتاب؛ وكل هذا
لا يهم؛ فالمهم هو أن يضع القارئ نصب عينيه ما جاء في الكتاب من أفكار وأساليب، وألا يتأثر بأي شيء غيرها.
ويجب أن يستكشف القارئ بنفسه ما يعتبره طيباً أو سيئاً في الكتاب دون التقيد بخلفية معينة، ودون مشايعة لكاتب
بعينه على حساب كاتب آخر كما يفعل كثير من نقاد اليوم.
فإذا كان هناك من لا يعرفون كيف يقرؤون فيجب أن نرشهم ونوضح لهم الطريق، ونهيئ لهم السبل حتى يمكنهم
القراءة بعقول مفتوحة.
من كل ما سبق تتضح لنا القراءة الحقة، والقراءة الراسخة، والقراءة المتفتحة التي تصل بنا في الأخير إلى ما يريده
المؤلف؛ فإن نجح في إيصال المعنى لنا كان ناجحاً، والعكس بالعكس.
ماذا نريد من القراءة؟
لم تعد القراءة هي مجرد فك الحرف كما يقال؛ فلقد تطور مفومها من ذلك المعنى البسيط السهل والمتمثل في التعرف
على الحروف والكلمات والنطق بها نطقاً صحيحاً إلى العملية التعليمية المعقدة التي تشمل الإدراك والتذكر والاستنتاج
والربط ثم التحليل والمناقشة، والقراءة الناقدة تحتاج إلى إمعان النظر في المقروء ومزيد من الانتباه والدقة.
أما القراءة المقصودة في هذا المقام فهي قراءة الرموز التي يتلقاها القارئ عن طريق عينيه أو عن طريق ملامسة
أصابعه للرموز الممثلة للحروف والكلمات – بالنسبة لمكفوفي البصر – وتختزن المعارف والمعلومات في بطون الكتب
والتي ما تزال أداة رئيسية لاكتساب المعرفة والاتصال بالآخرين، باعتبارها وسيلة للرقي والتقدم.
ولأهمية القراءة يلزم كل مسلم الانكباب والاستمرار عليها؛ ومن العجب أن يضرب المثل اليوم بغير المسلمين في حب
القراءة واستعمال الوقت في القراءة سواء في الحدائق العامة، أو وهم راكبون في الحافلات وغيرها؛ بينما سلفنا
الصالح قد فاقوا في هذا المجال كل الأمم قاطبة، وضربوا أروع الأمثلة في هذا الباب. لكن مشكلتنا أننا نجهل حال
سلفنا، ونستشهد بغيرهم؛ وفاقد الشيء – كما قيل – لا يعطيه. ولكننا لو راجعنا أمهات الكتب في تراثنا الإسلامي
لوجدنا العجب العجاب؛ ومن ذلك ما يلي:
1- كان الخطيب البغدادي (392هـ - 463هـ) يمشي وفي يده جزء يطالعه.
2- كان أبو بكر الخياط النحوي يدرس في جميع أوقاته حتى في الطريق، وكان ربما سقط في جرف، أو خبطته دابة
وهو يقرأ.
3- ويقال عن الجاحظ الأديب المعروف "إنه لم يقع كتاب في يده قط إلا استوفى قراءته حتى إنه كان يكتري دكاكين
الكتبيين ويبيت فيها للمطالعة".
4- كان الفيروزبادي صاحب معجم "لسان العرب" قد اشترى بخمسين ألف مثقال من ذهب كتباً، وكان لا يسافر إلا
وبصحبته منها عدة أحمال، ويخرج أكثرها في كل منزل، فينظر فيها، ثم يعيدها إذا ارتحل.
فما أحوجنا للاقتداء بسلفنا الصالح في حب القراءة، واختيار الصالح منها، واستغلال أوقاتنا بالنافع المفيد، وصدق
الشاعر:
أعزُّ مكانٍ في الدُّنا سَرْجُ سابِحٍ
وخيرُ جليسٍ في الأنامِ كتابُ
مع تحياتي