ان التطور الحضاري السلمي للشعوب التي استطاعت من سير في موكب التطور الحضاري هي تلك الشعوب التي استطاعت من التمسك وممارسة ثقافتها وتطويرها والاضافة عليها كل ما هو جيد وايجابي من ثقافات الشعوب التي تعيش معها والشعوب المحيطة بها والشعوب الاخرى سواء كانت قريبة او بعيدة. ان عامل التطور الحضاري للشعوب هو العامل الحاسم لمدى استمرار وديمومة هذه او تلك الحضارة. فاذا ما استطاعت حضارة بشرية مهما كانت صغيرة او كبيرة من جذب المجموعات البشرية الاخرى فان هذه الحضارة تكون حضارة متكاملة لها القدرة على فهم الواقع الاجتماعي التطوري ولم شمل الحضارات الساكنة والجامدة والتي لم تستطع من السير في عجلة التطور الطبيعي للمجتمعات الانسانية عندئذ نستطيع القول ان هذه الحضارة حضارة ذات ميزات وصفات تستطيع من اغناء الحضارة الانسانية من اجل البقاء والديمومة والسير في موكب التقدم الحضاري العالمي.
هنا نستطيع من اعطاء امثلة حية في التاريخ القديم والحديث وكل حسب الظروف الزمنية واننا لا نود هنا من التطرق الى كل الجوانب في تلك الازمنة الغابرة. فاذا القينا مثلاً نظرة خاطفة على تاريخ بلاد ما بين النهرين نرى بكل وضوح ان الحضارة الاشورية استطاعت من دمج الحضارات المحلية في حضارة متكاملة لكل بلاد ما بين النهرين وبحكمة ملوكها وحكامها استطاعت الحضارة الاشورية من رفع شأن حضارة ما بين النهرين بحيث اخذت بعض الحضارات المحيطة بها من اخذ الجوانب الكثيرة التي كانت ناقصة في تلك الحضارات مثلاً كبلاد الفرس والفراعنة. اما اذا اخذنا امثلة من الازمنة الحديثة حيث نرى كيف ان الحضارات في البلدان المتطورة تقترب من بعضها ويصبح عالم هذه البلدان عالم واحد لا يمكن رؤية الفروق الحضارية فيما بينها الا ما ندر وهذه ما هي الا بعض العادات والتقاليد المميزة التي تختلف حتى في البلد الواحد احياناً ولكنها كلها تعتبر في نظر الانسان في هذه البلدان المتحضرة عادات وتقاليد يفتخر كل ابناء هذه البلدان بها بل واخذت الكثير منها هذه العادات والتقاليد تصبح عادات وتقاليد البلدان المتحضرة وبمرور الزمن نرى زوال الفروق الحضارية بين شعوب هذه البلدان ومعها تزول كل المشاكل والتعقيدات بين شعوبها.
اما الحضارت التي تقوقعت على نفسها وحاربت كل بصيص للتغيير او التطور واعتبرت كل خروج عن مفاهيم هذه الحضارة خروج عن القيم البشرية والالهية لهذه المجموعة ولا يحق للذي خرج عنها الاستمرار او الحياة ضمن مجموعتها لانه لا يؤمن بما تؤمن هي به. ان هذه الحضارة الساكنة والتي لا تقبل اية حركة ديناميكية هي حضارة محنطة تحفر قبراً لنفسها وتجلب المآسي والاضرار الكبيرة للمجتمع الانساني كله واكبر امثلة على ذلك ما مرت عليه شعوب منطقتنا التي كانت من اول الشعوب للمنبع الحضاري وخاصة بلاد ما بين النهرين التي هي منبع كل الحضارات في العالم المتحضر اليوم ولكن نتيجة التراجع العكسي لعملية التطور الحضاري بسبب تسلط ثقافة العنف وعدم التخلص من المفاهيم القديمة وثقافة الجمود والانغلاق الديني والحضاري التي يقودها كثير من الاحيان رجال الدين والمهرعين وراء السيطرة والمال لبناء امبراطورياتهم الموهومة متناسين انهم يجلبون لانفسهم ولشعوبهم الويلات والفناء.
كلمة اخيرة اقولها، ان الحقيقة العلمية والسيرة الطبيعية لتطور المجتمعات الانسانية تعلمنا اذا لم نستطع من رؤية مرض تقسيم شعبنا الى ملل وطوائف والجري وراء المفرقين والمهرجين الذين لا يريدون لهذه الامة ان تتوحد، فان صراخنا العاطفي والحنين الى القديم والجامد سوف يزول بمرور الزمن ولن يبق سوى سطور ومعالم اثرية لنا تصلح فقط مراجع للبحوث للشعوب المتحضرة من اجل اخذ الدروس منها لتطور شعوبها والتغلب على الاخطاء وفهم واقع تطور الانسانية وتقدمها واستمرارها في المجتمع الانساني على هذه الكرة الارضية.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي