عوامل التطور الاجتماعي
(
[1]
) :
التطور الذي يمر به أي مجتمع من المجتمعات ـ سواء القديمة أو الحديثة ـ يرجع إلى عوامل وأسباب متعددة ، وتوفر هذه العوامل أو بعضها ، يرجع إليه سرعة التطور أو بطئه، وإذا كان المجال لا يتسع لعرض تفصيلي لجميع عوامل التطور ، فإنه تكفي الإشارة هنا إلى أهم هذه العوامل.
1- العوامل الأيكولوجي البيئي :
يقصد بهذا العامل: تفاعل الإنسان ببيئته الطبيعية ، ومدى ما تجود به من موارد أولية تشكل نشاطاته وخاصة في المراحل الأولى من حياة الجماعات البشرية ، ومعنى ذلك أن التغير الذي يطرأ على البيئة الجغرافية ولو بصفة موسمية، تنعكس آثاره في تحولات وتغيرات اجتماعية ، .
2- العامل الأيديولوجي :
الأيديولوجية : هي حركة فكرية هادفة لها فاعلية إيجابية في البيئة الاجتماعية ، وفي العلاقات الاجتماعية ، وتنعكس روحها على التنشئة الاجتماعية بما يحدث تغييرا في القيم الاجتماعية وفي النظرة لطبيعة التدرجات الطبقية ، والعمليات الاجتماعية المختلفة .
وتعتبر الأيديولوجية قوة فكرية تعمل على تطوير النماذج الاجتماعية الواقعية وفقا لسياسة متكاملة تتخذ أساليب ووسائل هادفة ، وتساندها عادة تبريرات اجتماعية أو نظريات فلسفية ، ، ومن هنا ترتبط الأيديولوجية بالحركة الاجتماعية ؛ لأن انتشار مذاهب اجتماعية وتيارات فكرية متعددة يؤدي إلى تشريعات جديدة وتنظيم الأساليب الحياة الاجتماعية.
3- العامل التكنولوجي :
ويقصد بها كل العوامل التي هى من ابتكار الإنسان للعمل على تلبية حاجاته المختلفة ، فاختراع أية وسيلة من الوسائل النافعة للإنسان ، لها أثرها الكبير على التطور والتغير الاجتماعي ، فقد أدى مثلا اكتشاف البخار والكهرباء إلى انتقال الصناعة من المجال اليدوي إلى المجال الآلي الذي يقوم على التخصص وتقسيم العمل من أجل زيادة الإنتاج ، وقد استلزم العمل الآلي تجمع العمال وتكاتفهم في الأماكن الصناعية، مما أدى إلى قيام صراع بين العمال وأصحاب رؤوس الأموال ، كان من نتائجه ظهور المبادئ الاشتراكية في الإنتاج، التي أدت بدورها إلى تغيرات كثيرة بالنسبة لقوانين العمل .
كما أدى التقدم التكنولوجي إلى هجرة بعض الظواهر الاجتماعية وانتقالها لها من مجتمع إلى آخر إثر تقدم وسائل الإعلام المختلفة .
4- العامل الثقافي :
يعرف " تايلور" الثقافة بقوله:" الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يتضمن المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق الاجتماعية والقانون والعادات الاجتماعية ، وغير ذلك من القدرات والعادات التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع " ([2]) . ومن المعلوم أن نظرة كل أمة للحياة قد تختلف عن نظرة غيرها من الأمم. ولهذا كانت قيم الحياة تختلف من مجتمع لآخر .
ولما كانت القيم تتولد عن ثقافة المجتمع ونظرة أفراده لطبيعة الحياة التي يعيشونها، فإن هذه القيم الاجتماعية تعد عامل من عوامل التغير الاجتماعي .
5- الثورات والحروب :
تتعرض المجتمعات أحيانا لثورات داخلية ، وأيا كانت أسبابها فإن الثورة تقوم من أجل إحداث بعض تغيرات في بناء المجتمع وأنظمته.
وقد تكون هذه التغيرات جزئية فتشمل تعديل بعض الأوضاع وتصحيحها طبقا
لفلسفة الثورة القائمة أو تغييرها كلية بحيث تختص الأولى لتحل محلها أوضاع جديدة ، مما يغير من شكل البناء القائم تغييرا يشمل أنظمته .
كما تعتبر الحروب أيضا من العوامل القوية في إحداث كثير من التغيرات في المجتمع ، فالشعب الغازي مثلا قد يأتي بثقافة جديدة يفرضها على أبناء المجتمع الذين غلبوا على أمرهم. وهذه الثقافة والأفكار والفلسفات الجديدة إذا ما أخذ بها المجتمع فإنها تؤدي إلى تغيير كبير من تراث المجتمع الحضاري غير المادي، بالإضافة إلى أنها تؤدي إلى تغيرات كثيرة في جوانب المجتمع المادية
هذا بالإضافة إلى تغيرات جذرية يفرضها الغالب على المغلوب بالنسبة لنظم المجتمع القائمة ، وأوضاعه الاجتماعية .
6- نمو الوعي القومي :
تعتبر القومية من العوامل المحركة الدافعة للتغير، فهى تعد قوة كبيرة لتشكيل اتجاهات الأفراد والجماعات ، بما توفره من الحماية والأمن والولاء ، وما تنميه فيها من شعور الجماعة بكيانها متميزا عن كيانات الجماعات الأخرى وما يفرضه هذا الإحساس من التصدي لعوامل التحدي الداخلية والخارجية، وما يؤدي إليه الوعي بهذا الشعور من احتدام الصدام بين أفكار قديمة وأفكار جديدة تظهر في الصراع بين الاستعمار والاستقلال من ناحية ، وبين التحرر وحق الشعوب في تقرير مصيرها واستثمار مواردها من أجل تقدمها وارتقاء مستوى مواطنيها من ناحية أخرى ولا شك أن التغيرات السريعة الشاملة التي تسود مجتمعنا وتسود الكثير من مجتمعات الوطن العربي يمكن أن يكون لنمو الوعي القومي فيها نصيب كبير في إحداثها.
([1]) راجع في ذلك التغير الاجتماعي د/ أحمد الخشاب ص56-62 وراجع أيضا أسس علم الاجتماع د/ حسن شحاته سعفان ص 313، 314
([2]) نظرية علم الاجتماع طبيعتها وتطورها . نيقولا تيماشيف ترجمة د/ محمود عودة وآخرون ص89 / ط7 سنة 1982م/ دار المعارف .