رغم أن الاحتجاجات غير المسبوقة التي شهدتها مصر مطالبة برحيل النظام فاجأت الكثيرين في العالم العربي وخارجه فإن أسبابها الموضوعية قائمة على الأرض ممثلة من بين أمور أخرى في الأوضاع الاقتصادية التي عرفت تدهورا غير مسبوق في السنوات الأخيرة.
وشكل انتهاج الحكومات المصرية المتعاقبة، ولا سيما حكومة أحمد نظيف -التي تم حلها قبل أيام- سياسات ليبرالية توصف بـ"المتوحشة" أدت إلى زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتآكل الطبقة المتوسطة وسط سيطرة ظلت تتزايد لرجال الأعمال على السياسات الاقتصادية.
عمالة للتصدير
وتظهر الإحصائيات المستقلة أن نسبة البطالة في مصر وصلت 18% خلال الأعوام الأخيرة وهو رقم يقارب الأربعة عشر مليونا في بلد يزيد عدد سكانه على الثمانين مليون نسمة غالبيتهم من الشباب، وشعب لا يستطيع 36% منه (29 مليون شخص) الحصول على مياه الشرب.
عدد البطالة يؤكده تصريح الرئيس المصري حسني مبارك ساخرا لمراسلة إحدى كبريات الصحف الغربية عارضا إرسال عشرة ملايين من الأيدي العاملة المصرية إلى بلدها, ففي مقال حديث تروي مراسلة صحيفة إلباييس الإسبانية في طهران، آنخليس أسبينوسا، أن مبارك خاطبها ساخرا في مقابلة أجرتها معه قبل ثلاثة أعوام بالقول "هل تحتاجون يدا عاملة في بلادكم؟ إن بوسعي أن أمنحكم عشرة ملايين مصري". وترى أسبينوسا أن إجابة الرئيس تثبت أنه "فقد الاتصال بالحقائق في بلاده".
فتيل الأزمة
ذات الأمر تؤكده بعثة من صندوق النقد الدولي أدت مهمة في مصر قبل أيام فقط من اندلاع الاحتجاجات الحالية المطالبة برحيل مبارك, وأقرت بأن مصر بحاجة لتوفير 9.4 ملايين فرصة عمل من أجل التعامل مع موضوع البطالة الذي كان فتيل الأزمة الراهنة، رغم المطالب السياسية التي ترفعها.
وقالت راتنا ساهاي -نائبة رئيس إدارة الشرق الأوسط بصندوق النقد الدولي- إن مصر تعد من أسوأ دول المنطقة من حيث مستويات التعليم وكفاءة سوق العمل، محذرة من عواقب ارتفاع معدل البطالة، خاصة بين فئة الشباب.
ورأت المسؤولة الدولية أن مشكلة البطالة "من أهم التحديات التي تواجه مصر" وهو ما ثبت صدقه بعد اندلاع الاحتجاجات.
مجتمع شاب
نسبة البطالة المرتفعة يفاقمها كون المجتمع المصري مجتمعا شابا, إذ إن 33% من المصريين تنقص أعمارهم عن 14 عاما فيما تبلغ نسبة من تراوح أعمارهم بين 15 و64 عاما 62.7%. أما من تزيد أعمارهم على 65 عاما فلا تزيد نسبتهم عن 4.3%.
ويتزايد المجتمع المصري بنسبة 2% كل عام وذلك بمعدل ولادات 25 ولادة لكل ألف مواطن، فيما لا يتعدى معدل الوفيات 4.85 لكل ألف مواطن.
ويبلغ عدد السكان القاطنين في مناطق حضرية نسبة 43% من مجموع السكان وهي نسبة تزداد سنويا بـ1.8% حسب معطيات الفترة 2005-2010 فيما تناهز نسبة الأمية 42.3%.
احتجاجات
وقد رصد تقرير حقوقي صادر عن مؤسسة أولاد الأرض لحقوق الإنسان وتعرض للفترة من مايو/أيار 2009 وحتى أبريل/نيسان 2010 تصاعد الحركة الاحتجاجية لجميع الفئات العمالية خلال تلك الفترة بسبب "تعنت النظام الحاكم في الاستجابة لدعوات الإصلاح السياسي والاقتصادي".
ونتج عن هذه الحركة العمالية الاحتجاجية خلال تلك الفترة 169 اعتصاما و112 إضرابا و87 مظاهرة و63 وقفة احتجاجية و21 تجمهرا, وانتحار 57 عاملا وفصل وتشريد أكثر من 67 ألف عامل، ومصرع وإصابة 673 عاملا.
كان ذلك في الشهور والسنوات الخوالي أما اليوم فإن مطالب الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي قد توارت تماما أمام مطالب الإصلاح السياسي وتحديدا أمام المطلب الوحيد وهو رحيل نظام مبارك، وباتت الأزمة الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي تعيشها البلاد هامشية ومحدودة، بل ومجرد عنوان وواجهة لأزمة الحكم في البلاد بحسب ما يبدو للشباب الثائر في مصر.