إذا كانت كل الأنظمة العربية دون استثناء قد أصيبت بالحمى بسبب الثورة المصرية، وسارعت معظمها إلى عمليات جراحية اقتصادية وسياسية وأمنية تحسبا لأي طارئ، فإن الجار الصهيوني أيضا تحرك بكل شرائحه وآخر استطلاع للرأي أكد أن97 بالمائة من الإسرائليين يتابعون ثورة الشارع المصري بكثير من الهوس والخوف، لأنهم يعلمون أنهم لن يجدوا ولو في الأحلام رئيسا مسالما وحبّوبا مثل الرئيس حسني مبارك، الذي أنامهم في أطول شهر عسل منذ قرابة الثلاثين عاما، إذ لم يكن صديقا لهم فقط، بل كان يحميهم من كل مكروه، ولقاءاته مع مختلف رؤساء الوزراء الإسرائليين فاقت لقاءاته مع زعماء العرب ودخل معهم في معاهدات سياسية وديبلوماسية واقتصادية وسياحية وثقافية جعلت مصر تخرج من الصراع العربي الإسرائيلي، وتلعب دور المتفرج خلال ثلاثة حروب كبرى في احتلال لبنان عام 1982وحرب حزيران على حزب الله، حيث لم تقدم حتى ننديدا صغيرا لمجازر دامت 33 يوما، وانتهاء بمجزرة غزة الأخيرة، وكانت مصر في الحروب الأربعة الأولى الطرف العربي الأهم في حرب 1948، مما عرضها إلى العدوان الثلاثي عام 1956وللضربة الجوية القاصمة عام1967 وانتهاء بحرب1973 .. وخسارة إسرائيل كبيرة جدا هذه المرة، فالدولة العبرية لم يعد بمقدور استخباراتها قراءة المستقبل كما كان يحدث في الماضي، فالثورة الشبابية قامت دون أي تكهن استخباراتي صهيوني بحدوثها، وحتى عندما قامت في ساعاتها الأولى، قال رئيس الاستخبارات الإسرائيلي الجنرال كوشافي، بأنه يستبعد أن تتواصل، وقال إن انهيار النظام من المستحيلات، وكان جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، قد خسر كل معاركه مع جهاز استخبارات حزب الله التي تحدثت عن ثورة مصرية في القريب العاجل، وهو ما أدخل الكيان الصهيوني في دوامة وصراع مع الوقت، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة أن الولايات المتحدة تغيرت مع الوضع، وبدت مهتمة بمصالحها في المنطقة قبل اهتمامها بإسرائيل، وبدأت تسابق الحدث لأجل إيجاد النظام البديل لحسني مبارك، بينما تبذل إسرائيل الجهود الكبرى لأجل الإبقاء على نظام مبارك الذي عاشت معه حلما مدته ثلاثين عاما، ونسيت أن الرجل شاخ والنظام في مرحلة احتضار والعيال الصغيرة من الشعب كبرت، وصار لها رأي وقول وفعل رغم أن دعمها لصديقها عمر سليمان لا جدال فيه.. الإسرائليون يعيشون منذ عشرة أيام على نبض الشارع المصري.. وكل اجتماعات نتانياهو وتصريحاته تخص المشهد المصري، وإسرائيل تعلم أنه لو خرجت مصر من صفها فستكون في مشكلة فعلية، فالكل يعلم أن مبارك هو الذي منحها الضوء الأخضر، لأجل الحرب على حزب الله وحركة حماس، ولولاه ما تمت العملية، كما أن مبارك ساعد الغرب في الكثير من الكوارث التي ألمت بالعالم العربي والإسلامي، مثل غزو العراق وأفغانستان.. كما منح الدفء لإسرائيل عبر الغاز العربي الذي توقف مده نهار أمس، بسبب انفجار الأنبوب وفتح الطريق لتواجد إسرائيلي في الأردن وحتى في المغرب وقطر.. إسرائيل لم تمتلك زعيما مثل بن غوريون مؤسس الكيان وحسني مبارك.. هذا ما يقوله أعداء مبارك في العالم العربي، وهذا ما يقوله أصدقاء مبارك في الجانب الصهيوني، وقالت يديعوت أحرنوت إن مبارك هو الرجل الوحيد في العالم الذي مازال يسأل عن أحوال شارون منذ أن دخل في غيبوبة.. قد يكون أنور السادات هو صاحب معاهدة كامب ديفيد التي صدمت الأمة، ولكن راعيها الحقيقي وحاضنها هو حسني مبارك، لأجل ذلك تتورط إسرائيل حاليا في عناده الذي جعله يتشبث بالكرسي، رغم كل ما حدث من اضطرابات.. أحداث مصر بقدر مما حركت الإسرائليين بقدر ما أدخلت الإعلام الإسرائيلي في اضطراب، على غرار الصحيفتين الكبيرتين "هاآراتس" و"يديعوت أحرنوت" اللتين خصصتا كل صفحاتهما للشأن المصري، ودخلتا في تناقض كبير، فهي تدعو أحيانا لتفعيل السلام وأحيانا أخرى إلى طمأنة سكان الكيان.. مشكلة إسرائيل في السنوات الأخيرة أنها أصبحت لا تتمكن من تحقيق أهدافها في عدوانها على الحركات والأحزاب الصغيرة، وكونها فقدت صديقها الفارسي والتركي ففد صار لها عدوّان كبيران، هما إيران وتركيا، وتخشى الآن أن تنضم إليهما مصر، وحينها فإن القول باقتراب زوال الدويلة التي عجزت أمام حزب الله يصبح أقرب إلى الحقيقة.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي