أشرف سلفيتي
أقامت "إسرائيل" ومعها الصهيونية العالمية الدنيا ولم تقعدها قبل شهور من أجل مسلسل تلفزيوني قالت: إنه يتسبب في كراهية الأطفال المصريين لـ"إسرائيل".كيف إذن يربي الإسرائيليون أبناءهم؟ هل يلقنونهم دروس حب العرب؟!
سوانا صفر
"لقد علموك منذ أن كنت صغيراً فن الحرب وزرعوا فيك مشاعر التعصب والحقد على العرب، وأرادوا لك أن تحقد بكل ما أوتيت من قوة على العرب الذين أعدوك لمحاربتهم، لكي لا ترتجف يداك عندما تضغط على الزناد، وعندما دخلت المدرسة الابتدائية كان هناك من قرر بعد اثنتي عشرة سنة أنك ستكون جندياً، لذلك ستتركز تربيتك منذ الآن على تعلم الحرب، وبدأ ذلك بتنمية مشاعر التفوق القومي فيك مع ما لك من رصيد في ماضيك من إهانة لقيم الشعب الآخر. «نحن فقط.. وسوانا صفر» هذا ما استنتجته بحق من مادة التدريس» وهذا الشيء في مجال السياسة معناه «لنا كل البلاد ومن سوانا لا وجود لهم ما اتفه العرب: - هكذا بدو في عينيك بالقياس الى كل هذا المجد.
وعندما بلغت سن الرشد علموك عن الطبيعة السيئة للعربي الذي لا يفهم إلا لغة القوة والقسوة، والمستعد دائماً أن يقضي عليك بلا رحمة فرددت وراءهم عبارة حكمائنا «الذي ينوي قتلك سارع إلى قتله» لأنه لا يوجد لك خيار طبعاً. لهذا فإن السلام سيأتي فقط بعد أن ننتصر على العرب في الحرب لأنهم لا يفهمون إلا لغة القوة».
كلمات المحامية الإسرائيلية (فيليتسيا لانغر) مخاطبة الشباب اليهودي الذي يهدم بيوت العرب في الأراضي المحتلة معبرة بذلك وبصدق عن واقع التربية الصهيونية في "إسرائيل".
سموم
في العام 1946 زارت فلسطين لجنة تحقيق إنجليزية أميركية لتتحقق حول أساليب التربية الصهيونية وخلصت من التحريات التي أجرتها بأن المدارس اليهودية، و هي تحت اشراف الطائفة اليهودية وتدار بأموالها، قد أصبحت مشبعة بروح قومية ملتهبة، وغدت وسائل فعالة بالغة الأثر لبث روح القومية العبرية العدوانية. وفي العام 1959 وجه المجلس الأميركي لليهودية في مؤتمره السنوي الخامس عشر المؤسسات التعليمية اليهودية لتجرد مناهجها من الطابع الصهيوني والقومية اليهودية المتطرفة التي تنادي بها الصهيونية.
وخلال مناقشات الكنيست في العام 1975 وصف النائب (مائير فلنر) التربية الصهيونية في "إسرائيل" بقوله: «إن التربية الصهيونية في "إسرائيل" تسعى إلى ترسيخ مشاعر التعالي القومي والعنصرية -ومعاداة العرب- والروح العسكرية وانكار حقوق الآخرين.. إن كل سياسة الحكومة الإسرائيلية غير إنسانية، بما في ذلك سياستها تجاه تربية أولادنا.
وتحت عنوان «سموم من الغلاف إلى الغلاف» كتب الإسرائيلي (رامي ليبنه) مراجعة لكتاب «استقلال إسرائيل» الذي عد أساسياً لتدريس التاريخ كنموذج واحد من جملة الكتب المدرسية في "إسرائيل". ولكثرة التحريف والتزييف الذي وجده فيه كتب قائلاً: «هناك طريق واحد لتفهم السبب الذي يجعل من أبناء البلاد الطيبين لاذعين إلى هذا الحد. هناك إمكانية مجربة للوقوف على دوافع التشوه النفساني الكبير الذي يعاني منه الكثيرون من شباب المستقبل. ببساطة يجب أن نفتح دفاتر الرسم لنرى الموضوع الذي رسموا فيه الدرس الأخير. ولا شك أن هذه المتفجرات «الكتب» التي يحملها الأولاد في حقائبهم والتي خصصت لنسف كل امكانية تفاهم يهودي عربي تشير إلى وجه تطور الجيل الناشئ، ويجب أن نطلع على هذه الأمور حتى لا نفاجأ في المستقبل من الظواهر الوحشية التي تنشأ نتيجة لهذه الكميات الضخمة من السموم.
أما (تسفي ادار) عميد كلية الآداب السابق في الجامعة العبرية، فيقول: بينما تقوم التربية القومية على أساس التربية الإنسانية الواسعة الشاملة فإن خطة التوعية اليهودية تسعى إلى خصوصية الشعب اليهودي ونتيجة لذلك تشوه التربية اليهودية وتتحول إلى تربية من أجل خلق التعصب القومي بتربية شوفونية عدوانية موجهة وهذا يتناقض مع جوهر التربية.
واعتبر الأديب الإسرائيلي (يزها سيملانسكي) أسلوب التربية الصهيونية خليطاً من الضغط والإغراء بهدف الحصول على تغيير مقصود في الإنسان لأن هذا التعليم الموجه ليس إلا عمليات غسيل دماغ كريهة وإرغاماً وإغراء على إغلاق العقول.
مقاطع التلمود
يقول الدكتور إبراهيم أبو جابر رئيس مركز الدراسات المعاصرة في مدينة أم الفحم إن الديانة اليهودية تعتبر مصدراً مهماً من مصادر الفلسفة التربوية عند اليهود، إذ اعتمدت التربية اعتماداً كبيراً على الدين في سبيل تشكيل أجيال متشبعة بتعاليم التوراة والتلمود، ومن أجل ترسيخ مفاهيم معينة في نفوس الناشئة اليهود. و يضيف: تهدف التربية الدينية إلى تربية الطفل جسدياً واجتماعياً وانفعالياً وعقلياً عن طريق قصص من التوراة وأسفارها. وفي هذا يقول حاييم وايزمن أول رئيس لدولة "إسرائيل": «عندما بلغت ما لا غنى عنه لأي طفل يهودي، وخلال السنوات التي قضيتها في مدارس الدين تلك، كان عليّ أن أدرس أشياء من أصول الديانة اليهودية، والذي ملك عليّ قلبي هو سفر الأنبياء».
وما يمكن ملاحظته وفقاً لأبي جابر هو الاهتمام الكبير بتدريس المواد الدينية في جميع مراحل التعليم لأبناء اليهود أينما وجدوا، حيث تأتي مادتا التوراة والتلمود في مقدمة الدراسات، وتعتبر المادتان أساساً وإطاراً للغايات التربوية، حيث يقول (مائير بار إيلان) أحد مفكري التربية اليهودية: «إن روح التلمود ومعرفة عامة شرائعه وآدابه يجب أن تكون جزءاً من دراسة كل يهودي متعلم، حتى وإن لم يكن سيجعل من حقل الدراسة هذا مجالاً للعمل، والأمر شبيه بتعليم الفيزياء والرياضيات. فمع أنه ليس كل تلميذ يتخصص فيهما، ولا يستخدم جميع ما يتعلمه فيهما في حياته العملية، إلا أنهما ضروريتان له، كذلك بالنسبة للتلمود يجب أن يحفظ كل تلميذ مقاطع معينة منه وأن يتشرب روحها».
وقد أصدر الباحث الإسرائيلي الدكتور (ايلي فودا) مؤخراً دراسة تتقصى الخلفية والبعد العنصريين في الكتب المدرسية الإسرائيلية المعتمدة في المراحل الابتدائية والاعدادية والثانوية.
هذه الدراسة التي صدرت عن الجامعة العبرية في مدينة القدس، غطت 60 كتاباً مدرسياً على مدار الأربعين سنة الماضية، وتستغرق في التحريض العنصري ضد العرب وتقذفهم بالتهم نفسها التي كان اليهود يقذفون بها في القرون الوسطى في أوروبا والتي شهدت مرحلة ما يسمى بمحاكم التفتيش التي طاولت اليهود حصراً.
الباحث الدكتور (ايلي فودا)، ضمّن دراسته تحليلاً عميقاً وموثقاً للكتب التعليمية الإسرائيلية، والتي يصفها بأنها قادت إلى تكوين أفكار مسبقة عن العربي الموصوف في الكتب بأنه «غشاش» و«متخلف» و«لص»، يستحيل التعايش معه. وتقول الدراسة: إن مناهج التعليم الإسرائيلية تمحورت فقط حول تاريخ «أرض إسرائيل» والصراع مع العرب من منظور محدد لا يستعمل سوى مصطلحات القاموس السياسي الإسرائيلي، وقد وضعت هذه الكتب وفقاً لمناهج شرعها مؤلفون يجهلون كل شيء عن العرب تقريباً، ولذلك تتضمن الكتب التعليمية تلك حقائق مشوهة ومزورة في أحيان كثيرة، ليس بسبب الخضوع مسبقاً للأيديولوجيا السياسية بل نتيجة انعدام المعرفة بالحياة العربية والإسلامية وبالمكونات التاريخية للمنطقة.
ويورد الباحث الإسرائيلي الدكتور (ايلي فودا) 12 قصة يعتبرها محطات بارزة في التكوين التربوي الذي اعتمدته "إسرائيل" في كتب التاريخ، ويدعم الباحث دراسته بنصوص وصور ورسوم للكاريكاتير تظهر كيفية اخضاع التاريخ لـ «السياسة الإسرائيلية» وبحيث تظهر هذه النماذج عمق النظرة العنصرية إلى العرب، وبصورة يشير فيها المؤلف ألى أن الفتاة الإسرائيلية «تاتيانا سوسكين» التي أساءت في العام 1997 عبر رسومات بذيئة إلى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ليست حالة استثنائية أو هامشية في المجتمع الإسرائيلي، بل هي إفراز طبيعي للحقن العنصري الذي قامت عليه "إسرائيل".
وتظهر الدراسة كيف أن العربي يتميز بالظلم والعدوان، وأن اليهود ضحية، ومعظم هذه الكتب تركز كثيراً على انتصار الأقلية الإسرائيلية على الأكثرية العربية في جوار فلسطين، وأما تشريد الفلسطينيين من أراضيهم في العام 1948، فلا يوجد له أثر في الكتب التعليمية الإسرائيلية.
وتقول الدراسة، إن "إسرائيل" عملت على صناعة تربوية كاملة هدفها الفصل بين تاريخ ممنوع وتاريخ مسموح، وذلك في سياق بناء الشخصية الإسرائيلية، وبشكل غدت معه الكتب المدرسية عارية من الحقائق العلمية ومستغرقة بالميتولوجيا، وقد استصلحت كتب التاريخ أساطير ورموزاً أخذت من الذاكرة اليهودية الجمعية، وساعدت في إيجاد صورة للماضي وتدوينها والتعامل معها كحقيقة تلبي احتياجات الحاضر.
ويقتبس المؤلف ما ورد في منشورات وزارة التعليم الإسرائيلية في العام 1985 حول الغاية من تعليم التاريخ وجاء «أن الهدف الأعلى من تعلم التاريخ تنمية مشاعر التضامن الوطني»، ومن خلال ذلك جردت كتب التاريخ الإسرائيلية العرب والمسلمين من كل نزعة إنسانية وإيجابية.
شطب آية من القرآن الكريم!
يستغرب أحمد اكتيلات مدرس التربية الإسلامية في مدرسة دبورية الثانوية من المفارقة الحاصلة بالنسبة لتدريس الدين في الثانويات العربية إذ أن تعليم الدين اليهودي مطلب اجباري للطلاب العرب في حين أن الدين الإسلامي لا يعرض في المدارس اليهودية ولو اختيارياً. ويضيف أن مضمون مناهج الدين الإسلامي التي وضعتها وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية للعرب المسلمين في "إسرائيل" منفر للطلاب لأنها فقط تركز على التكاليف والعبادات وهي الأمور الثقيلة على النفس ولا ترغب وتحبب الطلاب بالدين مثل الحديث عن الجنة والثواب.
كما أن كتب الدين الإسلامي لا تتضمن الآيات التي تتحدث عن اليهود ففي العام 1989 وردت آية «مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً...» من سورة الجمعة في كتاب الدين الإسلامي فأمرت الوزارة بشطب الآية من الكتاب وهكذا كان. وحتى علامة الدين الإسلامي في التوجيهي لها شروط خاصة.
ويخلص المحامي أسامة حلبي إلى أن الواقع يثبت أن برامج التعليم في المدارس العربية لم تخرج عن نطاق أهداف التعليم الرسمي كما حددتها المادة الثانية من قانون التعليم الرسمي في "إسرائيل"، والادعاء القديم بوجود تمييز مقصود ضد المواطنين العرب في مناهج التعليم ومحتوياتها ما زال صحيحاً. فمراجعة هذه النماذج تقود إلى نتيجة أنها تتجاهل المطالب والحاجات الحقيقية للمواطنين العرب كأبناء أقلية لها تراثها وانتماؤها القومي. فهي تشتمل على تدريس تاريخ الشعب اليهودي القديم والحديث بصورة موسعة، بما في ذلك تاريخ الحركة الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين في حين أفرغت موضوعات التاريخ والأدب العربي من كل العناصر والرموز التي تعطي الطالب العربي شعور الاعتزاز بتراثه وتاريخه وانتمائه القومي. ولا تنكر وزارة المعارف والثقافة أن السبب هو خشيتها أن تثير هذه الموضوعات والعناصر والرموز الشعور القومي لدى المواطنين العرب.
إنتاج الإرهاب
«إن جميع الجنود ممن يؤدون الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة أولئك الشباب الذين يسكنون "أور يهودا" حيث عمليات إحراق العمال العرب إن ذلك كله نتاج مدرستنا نتاج البرامج التعليمية نتاج التربية الرسمية وغير الرسمية ولكن للتربية الرسمية نصيب الأسد في ذلك. إذ لم ترد كلمة واحدة في البرنامج التعليمي لليهود حول التطلع للسلام بين "إسرائيل" وجاراتها فمثلاً من منا يذكر كتاباً واحداً في الجغرافيا فيه اسم جبل باللغة العربية لا وجود لها على الإطلاق الطلاب يتعلمون ذلك، وكأنه خلق هكذا الأسماء العربية لا وجود لها على الإطلاق أنا لا أتكلم عن قرى عربية تم محوها... لا يذكرونها قطعاً، هل هذه تربية؟ وماذا يعني كل هذا؟ لا توجد في الصفوف إطلاقاً، خرائط تشمل الخط الأخضر أرض "إسرائيل" الكاملة في جميع الخرائط بما فيها القدس والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة كجزء من دولة "إسرائيل"».
هذا ما قالته الدكتورة الإسرائيلية (تسيبورا شاروني) مخاطبة جمهور الحضور ضمن يوم دراسي عن التوجه القومي في برامج التدريس في المدرسة العبرية.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي