صناعة التغيير وأنموذج إستراتيجية الكايزن"Kaizen"
1- ملاحظات في فلسفة التغيير:
التغيير لغة - كما في المعجم الوسيط -: "جعْل الشيء على غير ما كان عليه".
ويُعرف التغيير في العلوم الاجتماعية بأنه: "التحول الملحوظ - في المظهر أو المضمون - إلى حالة جديدة، وقد تكون حالة أفضلَ أو أسوأ".
أما التغيير باعتباره مصطلحًا ينتمي لحقل القِيَم، فجانب الأفضلية فيه أرجح، ومعنى ذلك: أننا عندما نتحدث عن التغيير، فنحن نشير إلى التغيير نحو الأفضل والجميل مقارنة بالتجارب السابقة، ولا مجال للثبات في مصطلح التغيير؛ فهو عملية دائمة ومستمرة، والنقد والمساءَلة والتطوير كفيلان بضَخِّ الدماء الجديدة.
كما يُعرف التغيير في الإطار الإداري بأنه: "عملية تحليل الماضي لاستنباط التصرُّفات الحاليَّة المطلوبة في المستقبل"، أو "التحول من نقطة التوازن الحاليَّة إلى نقطة التوازن المستهدفة، أو من حالة اختلال التوازن إلى حالة التوازن المنشود".
قوة التغيير: هذه القوة موجودة في كل واحد منَّا، وهي تنتظرنا حتى نُوقظها من رُقادها؛ لتستمتع بالحياة وتعيش، وكأننا وُلِدنا من جديد.
ولكن هنالك بعض الحواجز والعراقيل التي تُغلف هذه القوة وتَمنعك من الوصول إليها، فما هو الحل؟
أولاً: يجب أن تعلمَ وجود قوة التغيير في أعماقك، وتَسكنك على نحو عجيب، وأن تَثق ثقة مطلقة بأنك - بإذن الله وقدرته - ستصل إلى هذه القوة لتَستخرجها، وستكون بذلك قد قطَعت نصف الطريق نحو التغيير، ويُمكنك الحصول على هذه الثقة بأن تُقنع نفسك بأنك ستتغيَّر؛ لأن الله يطلب منك ذلك، وأُسرتك تطلب منك ذلك، والحياة تطلب منك ذلك[1]!
قال الله تعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11].
الآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن الله - تبارك وتعالى - بكمال عدْله وكمال حِكمته، لا يُغيِّر ما بقوم من خير إلى شرٍّ، ومن شرٍّ إلى خير، ومن رخاء إلى شدَّة، ومن شدة إلى رخاء، حتى يغيِّروا ما بأنفسهم، فإذا كانوا في صلاح واستقامة وغَيَّروا، غَيَّر الله عليهم بالعقوبات والنَّكبات، والشدائد والجدب، والقحط والتفرُّق، وغير هذا من أنواع العقوبات جزاءً وفاقًا؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46][2].
التغيير عملية ضرورية تقتضيها السُّنة الكونية، وطبيعة الظروف الوطنية والدولية، وتغيُّرات مختلفة ومستجدات، وينبغي أن يَنضبط التغيير بضوابط الشرع والمصلحة المُعتبرة.
وأوَّل خُطوة في التغيير هي فَهم الأسباب المنطقية العملية الداعية إليه، فهو عملية تحليل ودراسة للماضي؛ لاستنباط التصرُّفات الحاليَّة المطلوبة؛ حتى نصل إلى الحالة المنشودة، أو نِسَبِ نجاحٍ مُرضِية.
أما الذي يطمع في النتائج كاملة، فيطمع في مُحال، "فالذي يريد تغيير كل شيء أو لا شيء، لن يفعل شيئًا"؛ نانسي استور.
ويخطئ مَن يظن أن التغيير عملية ميكانيكية: الفعل = رد الفعل.
فهو عملية تَكرارية تراكمية تصحيحية، ذات مسارات متعددة، مفتوحة على توقُّعات وسيناريوهات كثيرة، وقد تأخذ وقتًا.
"غالبًا ما يكون النجاح حليفَ هؤلاء الذين يعملون بجرأة، ونادرًا ما يكون حليف أولئك المترددين الذي يتهيَّبون المواقف ونتائجها"؛ جواهر لال نهرو.
ولا ينفصل التغيير - من حيث هو مَطلب حضاري وشرعي - عن البرامج التقويمية وفلسفات التشاور، باعتبارها من أبرز أُسس التغيير الناجح.
وتجب الإشارة إلى أن التغيير غير مضمون النتائج؛ لذا يجب حُسن إدارة حالات الفشل والاستفادة منها، والتعامل مع المُعطيات الجديدة برَزانة وحُنكة إدارية، بل قيادية عالية.
ويمكن تنويع التغيير إلى:
• التغيير الإستراتيجي، أو تغيير الرؤية الإستراتيجية، ويتعلق الأمر بالفلسفات العامة والمرامي الرئيسة.
• التغيير الوظيفي، ويتعلق الأمر بالهياكل والتقنيات ذات الصلة المباشرة بتنظيمات العمل وإجراءاته الميدانية.
[ويمكن تنويعه إلى أنواع ونماذج كثيرة].
وقد يكون التغيير وسيلةً للإصلاح وإنتاج الجودة والفعالية، وتحسين المَردودية، وقد ينقلب عن مساره إذا لم يدبر تدبيرًا حسنًا، فالتغيير يَحمل في داخله عواملَ تدميره.
والجدير بالذكر أن التغيير يكون أسلوبًا من أساليب التكيُّف والاندماج والمواكبة الفعَّالة، إذا بُني على برامجَ فعَّالة مَرِنة، فالتغيير عملية عسيرة وشاقَّة ودقيقة.
فالملاحظ في مفهوم التغيير أنه تشارُكي، يساهم فيه الجميع مساهمة مثمرة، وكل إهمال لفئةٍ ما سيُؤثر لا محالة على عناصر الإنتاج؛ بشكل مباشرٍ، أو غير مباشر.
ولهذا؛ فالتغيير الناجح مبني على أُسس ومراحلَ وخُطط قابلةٍ للتطبيق ومُواكِبة للمستجدات، فيُحتمل ألا يُؤدي التغيير إلى النتائج المرجوَّة لأخطاءٍ في الدراسة، أو ظهور متغيرات جديدة لم تُؤخَذ بعين الاعتبار، وقد يسبِّب التغيير صداماتٍ وصراعات متباينةً؛ ولهذا فاقتناع العاملين والشركاء بأن التغيير ممكن، وسيؤدي إلى نتائجَ إيجابية تَخدم مصالح الأُطر العاملة - كل الأطر- مسألةٌ مهمة تضمن نجاح الخطط التغييرية.
وتغيير عادات الناس وما ألِفوه صعبٌ وعسير وشاق؛ إذ يمكن نقْل الجبال من مواضعها، أما عادات الناس، فتَلتصق بهم - بعقولهم وقلوبهم - وتَمتزج بكِيانهم ووجدانهم، ولعلنا لن نُجازف إنْ عَدَدْنا تغيير عادات الناس من أعسر أنواع التغيير.
وكلما كان جانب المصلحة ظاهرًا في التغيير، تَحفَّز الناس للانخراط فيه والمساهمة في إنجاحه، فالحديث عن مقامة التغيير مُرتبط بالخوف من زوال مصالح كان المنخرطون يتمتَّعون بها، أو عادات كان الناس يستفيدون منها، فلا يقاوم الناس إلا تغييرًا ظنوه جالبًا لمفسدة، أو مناقضًا لعادات راسخة، أو شعائرَ دينية ثابتة؛ قال محمد الغزالي: "هاتِ البديل إذا أرَدت أن تغيِّر وضعًا خاطئًا".
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/44207/#ixzz33lki1BTc
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي