الطفولة وكل ما تحويه الكلمة من معاني تمثل ثلثي عدد سكان الجزائر، وقد أشارت آخر الإحصائيات أن عدد الأطفال بلغ 9 ملايين و600 ألف طفل، ما يترجم نسبة 30 % من المجموع السكاني. حيث يمثل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة 63 %، فيما تتجاوز نسبة هؤلاء ممن تقل أعمارهم عن الخمس سنوات 20 %، وهي في رأي المختصين نسب معتبرة تحتاج للرعاية والتكفل الحقيقي كونها جيل المستقبل.
الحديث عن وضع الطفولة في الجزائر يقود حتما إلى الحديث عن باقي المشاكل المرتبطة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية، وعن تقصير لم يأخذ بعين الاعتبار هذه الشريحة الهامة، ولتدارك هذا النقص تعكف الدولة على تحسين ظروف الطفل الجزائري.
وفي مقدمة الجهود التي تبدلها الدولة تأتي توصيات رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي ألح على إصدار قانون خاص بالطفل، وننوه إلى تفطن الدولة تجاه كل هذه النقائض من خلال تعديلها لمنظومة مؤسسة رعاية الأحداث لجعلها تتواكب مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وأدت برئيس الجمهورية على هذا الأساس إلى تكليف وزير العدل حافظ الأختام بإعداد قانون خاص بالطفولة، حيث أنشأ هذا الأخير لجنة خاصة تتكون من مختلف القطاعات الوزارية، أنهت مهمتها في إعداد تقرير خاص بتعديلات التشريع المتعلق بحماية الطفولة، والذي يهدف إلى خلق ميكانيزمات جديدة تضمن راحة الطفل بصفة عامة والأطفال المحرومين من أسرة على وجه الخصوص أو المعرضين لخطر معنوي أو جسدي. ولأول مرة أقر مشروع القانون الجديد استحداث يوم وطني للطفل على غرار ما هو معمول به في الكثير من بلدان العالم.
تفيد القراءة الأولية لهذا المشروع أنه جاء بالدرجة الأولى لتكريس مفهوم حماية الطفل من مجمل الآفات الاجتماعية التي يكون عرضة لها نتيجة مشاكله العائلية والاجتماعية ومن الاستغلال العنفي والعمل في سن مبكرة. وقد خلصت مجمل المواد التي وصل مجموعها 168 مادة، إلى رعاية الطفل منذ حداثة سنه ينبغي أن يتم إحاطتها بمجموعة من آليات الحماية الاجتماعية على اعتبار أن المصلحة العليا للطفل هي الغاية الكبرى، مع التأكيد على أن الأسرة هي الراعي الأساسي له.
جميل أن نرى مثل هذه الترسانة من المواد القانونية الحامية للطفل، إلا أن واقع الطفولة بالجزائر لا يزال متدهورا، بل ولا يختلف كثيرا عما هو عليه في كثير من بلدان العالم الثالث، ولعل الوجه الحقيقي لوضع الطفولة تتراء في التسرب المدرسي، التشغيل، الأمراض، سوء تغذية والأحلام المؤجلة.
الطفل وواقع التربية والتعليم
أشارت الإحصائيات الرسمية، أن نسبة الدخول المدرسي لسنة 2006 قد بلغت 97 %، ليتواصل ارتفاع عدد التلاميذ الذين يلتحقون بالمدرسة لأول مرة بعدما بلغت نسبتهم 94,8 % سنة 2005، و83 % في السنوات الماضية، مما يعني ارتفاع معدلات الدخول المدرسي السنة الحالية، لكن هذا الارتفاع لم يمنع من تسجيل انخفاض بنسبة 0.24 % في عدد المتمدرسين عامة.
وتوحي النسب المقدمة باستقرار مستوى التعليم، رغم أن نسب الدخول المدرسي تبقى غير متكافئة عبر التراب الوطني، حيث تقل في المناطق النائية التي تبعد فيها المدارس عن المداشر والمناطق السكنية، مما يقلل من حظوظ التعليم بها نتيجة عجز الأولياء عن توفير وسائل نقل لأبنائهم باتجاه المدارس البعيدة وعادة ما تكون الضحية الأولى لهذه الظروف جراء خشية الأولياء على أبنائهم ولانعدام ثقافة تدريس البنات بهذه المناطق نتيجة العقلية والعادات المتحجرة السائدة بها والتي تضطر الفتاة فيها مغادرة مقاعد الدراسة في سن مبكر رغم تفوقها الدراسي لمساعدة الأم في أشغال البيت وفي تربية اخوتها أو لتكوين أسرة. هذه الظروف ساعدت على ظهور نسب الأمية وسط الأطفال والتي أشارت الإحصائيات الرسمية إلى أنها بلغت 6 % عند الأطفال، رغم أن بعض الجهات والمصادر غير الرسمية أكدت أن نسبة الأمية لدى الأطفال تفوق النسبة المعلن عليها.
وفي هذا السياق كشفت السيدة عائشة باركي، رئيسة الجمعية الجزائرية لمحو الأمية "اقرأ" بأن الإحصائيات أظهرت بأنه لا يزال نحو 10 % من مجموع الأطفال الجزائريين أي ما يعادل 200 ألف طفل غير مسجلين على مستوى المدارس سنويا، و500 ألف طفل آخرين يتركون مقاعد الدراسة بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشون تحت وطأتها. وحملت رئيسة جمعية "اقرأ" الآباء جزءا من المسؤولية، فيما ألقت الجزء الآخر منها على عاتق الإدارة الجزائرية التي تتسبب بدورها في صرف بعض الأولياء النظر بعدم إرسال أبنائهم إلى المدارس، بالرغم من وجود قوانين حول إجبارية التعليم في مثل هذه السن. وتشير الإحصائيات المتعلقة بظاهرة التسرب المدرسي بالنسبة لتلاميذ السنة السادسة ابتدائي تصل سنويا إلى نحو 7,73 % من مجموع التلاميذ الجزائريين المتمدرسين، وتصل النسبة حدود الـ8 % بالنسبة لتلاميذ مختلف أقسام الطور المتوسط، فيما تبلغ حدود الـ23 % في نهاية هذا الطور.
وعن واقع الطفل في الجزائر أكد ممثل اليونيسيف "ريمون جانسنسن" أنه يتطلب فتح قنوات حوار مع الطفل حتى يتسنى له التعبير عن آرائه قصد معرفة الوسائل التي يجب تسخيرها لحمايته. مشددا في نفس السياق على أن حماية الطفل تبدأ من المدرسة ولهذا فلابد من السلطات الجزائرية أن تولي اهتماما كبيرا لهذه المؤسسة التربوية التي يمكنها أن تؤطر الطفل تربويا، ثقافيا وحتى من الناحية الصحية. كما دعها إلى ضرورة تعميم هذا التعليم، خاصة وأن نسبة الأطفال المتمدرسين في القسم التحضيري تقدر بـ 4 % فقط.
من جهتها دعت رئيسة جمعية ترقية المرأة الريفية السيدة بن حبيلس منظمة اليونيسيف إلى ضرورة تحويلها إلى قوة ضغط حتى تتمكن من القضاء على الصعوبات التي تواجه الأطفال، معربة في نفس الصدد عن استيائها من جعل الفاتح من جوان، اليوم الوحيد الذي تناقش فيه قضايا الطفل، مشيرة إلى حتمية الاهتمام بجميع الأطفال على المستوى الوطني وليس فقط مناطق الوسط، مضيفة في نفس الصدد أن جميع المعاناة التي يعيشها الأطفال هي نتيجة تصارع السياسات والمصالح.
واقع مزر سببه تردي الأوضاع الاجتماعية
الحديث عن الأوضاع الاجتماعية التي يعيشها أطفال الجزائر تقودنا لتسليط الضوء على تفشي ظاهرة تشغيل الأطفال بشكل لافت للانتباه، وإذا كانت الأسباب الرئيسة التي تدفع بهؤلاء الأطفال إلى عالم يفترض أن يكون للكبار فقط، تكمن في الوضعية المزرية لكثير من العائلات الجزائرية وانتشار البطالة في صفوف عدد كبير من أرباب الأسر، وإمكانية إيجاد بدائل ليضمنوا بها قوتهم اليومي، قد تصل أحيانا إلى حد إرسال فلذات أكبادهم للعمل خارج أوقات الدراسة والتخلي عنهم، وتشير آخر التحقيقات الذي أنجزتها مفتشية العمل بوزارة العمل والضمان الاجتماعي حول عمل الأطفال بالجزائر، عن وجود 95 طفلا فقط يعملون بالمؤسسات أي بنسبة 0.56 % من مجموع 16895 عاملا تابع لـ 5847 مؤسسة بالقطاع العام، وهو رقم ضئيل جدا لا يعتبر مخيفا في نظر الخبراء. كما أشارت أنه من بين 13999 محضر مخالفة، سجل على مستوى المؤسسات، تم تحرير خمسة محاضر مخالفة تتعلق بعمالة الأطفال.
نتائج التحقيقات لا تدل على حجم الظاهرة المنتشرة على نطاق واسع في الشوارع والمؤسسات غير الشرعية، والتي يجب محاربته بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية بحماية الطفولة بداية من الدولة، كون أن الإحصائيات الرسمية الخاصة بتشغيل الأطفال الأقل من السن القانونية تشير إلى وجود أكثر من 25 ألف طفل يعمل، الغالبية منهم لا تتعدى أعمارهم عتبة الخامس عشرة سنة، أي ما يمثل نسبة 0,34 % من مجموع أطفال الجزائر الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6 و14 سنة. ولأن الدراسة لا تعكس الحقيقة المطلقة للواقع كون هذه الأرقام المقدمة ليست سوى محصلة لعيّنات استطلاعية، فإن توقعات المختصين الخاصة بظاهرة تشغيل الأطفال في الجزائر قد يتعدى ذلك بكثير.
وعلى خلاف ما أفادت به السلطات عن ظاهرة تشغيل الأطفال، قدرت الهيئة الجزائرية لتطوير الصحة والبحث عدد الأطفال الذين يتم استغلالهم للعمل في مهن لا تتناسب واعتبارات أعمارهم بحوالي 300 ألف طفل. مما يدعو حسب الرئيس التنفيذي للهيئة عبد الحق مكي إلى دق ناقوس الخطر لأن ظاهرة استغلال الأطفال معرضة للانتشار أكثر ما لم يتم اتخاذ إجراءات ضرورية للحد منها. هذا وأفادت تقارير المنظمة العالمية للعمل ومنظمة اليونسيف أن الظاهرة متفشية بشكل كبير، نتيجة استمرار تشغيل الأطفال الجزائريين البالغين سن أقل من 18 سنة، وكشفت في هذا الصدد عن وجود نحو 600 ألف طفل جزائري يتراوح سنهم ما بين الـ 7 و17 سنة في عالم الشغل.
وفي سياق هذه التقديرات، كشف تحقيق ميداني حول تشغيل الأطفال بالجزائر، أنجزه مرصد حقوق الطفل الذي ينشط تحت لواء الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، شمل 08 ولايات من الوسط وهي الجزائر العاصمة – البليدة – تيزي وزو – عين الدفلة – تيبازة – بجاية – بومرداس – البويرة، عن وجود 2979 طفل عامل تتراوح أعمارهم بين 04 و17 سنة، ينشطون في مجالات بيع السجائر والرعي وأخطارها المتاجرة بالمخدرات والدعارة.
وبينت المعطيات في التحقيق أن 06 % من هؤلاء الأطفال تقل أعمارهم عن 10 سنوات، في حين تراوحت أعمار الـ63% منهم بين 13 و16 سنة، وأن 77% من الأطفال الذين شملهم التحقيق هم من الذكور فيما تمثل نسبة الفتيات العاملات 23 %، وعن مستواهم التعليمي بيّن التحقيق أن 31 % من الأطفال متمدرسون وأنهم يمارسون أعمال موازاة مع تمدرسهم، في حين بلغت نسبة الذين لفظتهم المدارس 37,5 %، كما أقرّ نسبة 31 % من العمال الصغار تركوا مقاعد الدراسة بمحض إرادتهم، علما أن الجزائر العاصمة احتضنت أكبر عدد من هؤلاء بعدد 679 طفل عامل.
وعن نوعية الأعمال التي يمارسها هؤلاء الأطفال، بينت نتائج التحقيق أنه ثبت ممارسة أكثر من 60 حرفة من طرف هؤلاء الأطفال مع تفاوت في نوعية الحرفة الممارسة في جهة الوطن خلافا لجهة أخرى، أو حسب مميزات كل منطقة، حيث أكدت النتائج إقبال الأطفال على ممارسة النشاط الزراعي "57 طفلا ممارسا للنشاط الزراعي" وحرفة الرعي استحوذت عددا كبيرا من عمالة الأطفال " 197 طفل"، ومربو ماشية "48 طفل مرب للماشية" في الولايات ذات الطابع الزراعي مثل عين الدفلى، تيزي وزو وتيبازة. ويكفي أن نعرج على القليعة لنلاحظ أنه من بين باعة الديك الرومي الذي يربى بكثرة في المنطقة هناك عدد كبير من الأطفال، في حين يتحول هؤلاء الصغار إلى صيادين في الولايات الساحلية، إلى جانب أعمال أخرى مثل العمل في مجال الكهرباء والميكانيك وفي البناء وجمع القمامات، علما أن النشاط الذي سجل توجه عدد كبير من الأطفال نحوه ومن مختلف أنحاء الوطن يتمثل في بيع السجائر "التبغ" بـ 369 طفل. ولم يُستثن من عمالة الأطفال حرف كان يظنها الجميع حكرا على البالغين بل وعلى فئة معينة منهم فقط، حيث أكدت معطيات التحقيق تورط الأطفال في نشاطات خطيرة مثل الدعارة، مبينة تورط 08 أطفال في هذا النشاط بولاية بجاية، ناهيك عن تورط 03 آخرين في المتاجرة بالمخدرات في ولاية البليدة.
وعن الظروف التي يعمل فيها هؤلاء الصغار، بين التحقيق أن 28 % منهم يمارسون نشاطهم بعيدا عن مقر سكناهم. أما عن الظروف التي بعثت بهم إلى العمالة المبكرة، أجمعت نسبة 53 % من الأطفال على أن السبب راجع للظروف المادية الصعبة التي تعيشها عائلاتهم، علما أن 75 % من هؤلاء الصغار يمدون عائلاتهم بالمال الذي يحصلونه مقابل عمالتهم.
انحراف الأطفال... قنبلة موقوتة
أطفال يستنشقون الغراء... يبيعون السجائر... يستهلكون المخدرات، أقراص، سرقة واعتداءات... ليجد الطفل نفسه مع بزوغ فجر الرجولة مجرما. هذه ظواهر تفشت وما خفي كان أعظم عن ظواهر قد تتعدى حدود المعقول... ظواهر تعيشها شريحة هامة من أطفال الجزائر، غير تلك الشريحة التي تذهب للمدارس والثانويات المرموقة، الطفولة الكادحة غير تلك التي نشاهدها في التلفزيون أو نسمع عنها على أمواج الراديو... غير تلك الطفولة التي يتم عرضها أمام المسؤولين في المناسبات وخلال زياراتهم الميدانية، فمن يبالي بهؤلاء ؟ هل صنفوا في خانة اللاعودة ؟
اللاعودة للأسف تزيد من معانات الأطفال التي لا تتوقف حيث أحصى المكتب الوطني لحماية الطفولة وجنح الأحداث بمديرية الشرطة خلال السداسي الأول (لعام 2006)، 3925 قضية تتعلق بجنوح الأحداث تورط فيها 5462 طفل منهم 75 فتاة، احتلت الصدارة قضايا السرقة بـ 1760 قضية، الضرب والجرح العمدي بـ750 قضية، تحطيم الممتلكات بـ 156 قضية، تكوين جمعية أشرار بـ 100 قضية، استهلاك وحيازة المخدرات بـ 121 قضية، والعنف ضد الأصول بـ 46 قضية، كما شهد عام 2005 حسب محافظة الشرطة القضائية السيدة مسعودان تورط 11302 قاصر في ارتكابهم جنحا وجرائم مختلفة. كما تشير إحصائيات الدرك الوطني للسنوات الماضية استفحال الانحراف وسط الأحداث. وفي هذا السياق تشير إحصائيات مصالح الأمن تسجيل 10965 حدث متورط في مختلف الجرائم سنة 2004 م فيما سجلت نهاية 2005 عدد 11302 حديث تركوا آثار للجريمة بمختلف أنواعها في مقدمتها السرقة بعدد 4739 حدث متورط، و2728 طفل متورط جنحة الضرب والجرح العمدي، كما تدخل جنحة تحطيم أملاك الغير ضمن مختلف الجرائم التي يقبل عليها الأطفال بتسجيل 665 حدث. أما أعنف الجنح التي سجلت تورط الأطفال قصر فيها، فمثلتها جريمة القتل العمدي التي سجلت مصالح الأمن الوطني تورط 25 طفل فيها حيث عرفت الظاهرة تنامي بتضاعف المتورطين إذ سجل سنة 2004 تورط 13 حدث، وهو ما ينذر بالخطر علما أن شهري مارس وأفريل لسنة 2006 سجلا 3 قتل عمدي، وهو ما يفرض بالضرورة اتخاذ إجراءات استعجاليه للحد من الظاهرة التي انتشرت عبر كافة التراب الوطني، فيما تبقى المدن الحضرية الكبرى هي الأكثر معانات من الظاهرة، فخلال سنة 2002، احتلت مدن العاصمة، وهران وباتنة المراتب الثلاث الأولى.
من جهة أخرى أرجعت محافظة الشرطة القضائية أسباب انحراف الطفل إلى عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية مؤكدة أن الطفولة هي الفئة التي أولتها مصالح الشرطة اهتماما كبيرا خاصة وأن الطفل أكثر استعدادا لارتكاب مختلف أنواع الجرائم، وهو ما جعلها تخصص فرق أمن مختصة في حماية الأحداث متواجدة على مستوى كل ولاية، وقد أفضى نشاط هذه الفرق لإحصاء 3485 حدث في الشارع سنة 2005 ليتم تسليم 2445 منهم لأسرهم وذلك بفضل مجهودات مصالح الأمن التي أكدت محافظة الشرطة القضائية أنها وحيال الخطر المعنوي المحدق بهؤلاء الأطفال أضحت تمارس إضافة إلى مهامها الرسمية عملا اجتماعيا قصد إعادة إدماج الأحداث ضمن عائلاتهم. وذلك بمتابعتها لحيثيات التحقيق الذي يكون صعبا في غالبية الأمور خاصة وأن الطفل يعطي عنوانا خاطئا لبيته قصد تضليل رجال الشرطة لأنه يرفض العودة لبيت سبق وأن هرب منه، علما أن عدد الأحداث الهاربين من منازل العائلة خلال سنة 2005 بلغ 2411 ذكر مقابل 1074 فتاة.
وفي نفس السياق اتخذت قيادة الدرك الوطني، قرار تنصيب خلايا وقاية انحراف الأحداث، مبادرة تجريبية على مستوى مجموعات الدرك الوطني لكل من ولايات الجزائر، وهران، عنابة، توكل لها عدة مهمات من بينها تشخيص الفئات المهددة بالظاهرة، ربط قنوات الاتصال مع الناشطين في مجال حماية الطفولة، والمحيط التربوي، كما سيقوم أعضاء هذه الخلايا بمتابعة القصر الموقوفين ومرافقتهم لتعزيز إدماجهم من جديد، ويبقى مشكل انحراف الأحداث الذي يمكن اعتباره قنبلة موقوتة تهدد الجزائر.
الأطفال ضحيا نزوات الكبار
قد يتعرض الأطفال في كثير من الأحيان إلى أخطار يرتكبها البالغين بقصد أو بغير قصد، فالحدث يكشف أخطاء الكبار في حق البراءة، ولعل أحرج ما يعنيه الأطفال وما ضاعف من معاناتهم ارتفاع عدد الأطفال المشردين والمسعفين الموزعين في مختلف دور الحضانة المنتشر في ربوع تراب الجزائر، والسبب في ذلك عدم تحمل الأولياء لمسؤولياتهم تجاه أولادهم لأنه وببساطة وجودهم ناتج عن دقائق شهوة وطيش شباب أو غريزة شيطانية، الأمر الذي خلف حسب إحصائيات أوردها وزير التضامن الوطني جمال ولد عباس، أن عدد الولادات غير الشرعية في الجزائر يبلغ ما بين 1100 و1200 مولود سنويا دون حساب الولادات غير المصرح بها ! وبحسب قول الوزير عبر منبر البرلمان في رد على سؤال لنائب حمس عن ولاية الشلف، فإن ظاهرة الولادات غير الشرعية تضاعفت بشكل مطرد خلال مرحلة سنوات الجمر في الجزائر، وأن عددا من هؤلاء الأطفال من صلب إرهابيين مجهولين.
أما عن العدد الإجمالي للأطفال غير شرعيين فقد قدر ما بين 3 آلاف و5 آلاف طفل مشرد، منهم من يتواجد بالشوارع وآخرين متواجدين على مستوى دور حضانة الأطفال المسعفة المقدر ما بين 10 و15 مركزا على مستوى القطر، هذا ما كشف عنه نائب رئيس جمعية الجزائر للطفولة السيد علي بحمان، مؤكدا أن المشاكل العائلية والعلاقات الجنسية غير الشرعية هي الأسباب المؤدية لتنامي هذه الظاهرة، وأضاف بحمان المراكز المنشرة عبر التراب الوطني تستقبل سنويا بين 30 إلى 40 طفل يتم التكفل بهم بين 3 إلى 5 أشهر ليتم فيما بعد دمجهم وسط عائلات، موضحا أن جل الأطفال نجموا عن علاقات غير شرعية ولأمهات عازبات.
معانات الأطفال لا تتوقف عند طيش العلاقات الغرامية أو الظروف المعيشية القاهرة، بل تتعدى حدود المنطق لتشمل ظاهرة الاعتداءات الجنسية، حيث تضاعفت في الآونة الأخيرة هذه الظاهرة، حيث سجلت قيادة الدرك الوطني 354 قضية متعلقة بالاعتداء الجنسي على الأحداث من الجنسين، 224 قضية معالجة كانت باستعمال العنف تم من خلالها توقيف 340 شخص منهم امرأة واحدة، كما ضم قائمة الموقفين 110 حدث. من جهة أخرى سجل 130 قضية اعتداء جنسي على الأطفال من دون استعمال العنف أوقف على إثرها 164 شخص من بينهم 67 حدثا. أما عن حالات الاغتصاب والمحاولات المشابه له ضد القصر فقد تم تسجيل 88 قضية.
وحسب الإحصائيات المسجلة لدى مصالح الشرطة القضائية فقد تم تسجيل سنة 2005 عدد 5091 طفل تعرض لعنف المجتمع في مقدمتهم 3038 طفل ضحايا العنف الجسدي أغلبيتهم ذكور، يليه العنف الجنسي الذي تعرض له 1472 ضحية مثلت البنات أغلبيتهم في هذه الحالة 838 فتاة مقابل 634 ذكر. ليبلغ ذات العنف أقصاه بإحصاء 28 طفلا قتلوا عمدا منهم 22 ذكر و6 فتيات. كما سجل حالات لظاهرة الاختطاف بتسجيل 139 حالة سنة 2005 و26 حالة بين شهري مارس وأفريل من 2006.
وفي ذات السياق جاءت دراسة مخبر التطبيقات النفسية والتربوية بجامعة قسنطينة لتشير إلى الانتشار الكبير لظاهرة التحرش الجنسي على الأطفال، حيث كشف أساتذة من المخبر عن إحصائيات لمصالح الشرطة القضائية تثبت التزايد في حجم الاعتداءات من سنة لسنة، حيث تم تسجيل أكثر من 3382 طفلا تعرض للعنف الجسدي خاصة داخل أسرهم، و5503 حالة عنف ضد الأطفال سنة 2002 من بينها 18 حالة قتل عمدي بعد تعرضهم لاعتداء جنسي من بينهم 12 ولد و 6 بنات بينما سجل في سنة 2003، حوالي 3213 حالة عنف من بينها 847 فتاة لمختلف أنواع الاعتداءات الجنسية، وحتى تعرضهم للخطف والضرب وبالتالي فإن نسبة 0,2 بالمائة من الأطفال والتي تقل أعمارهم عن 18 سنة يتعرضون إلى اعتداءات جنسية، علما وأن هذه النسبة تمثل الحالة المسجلة بينما ما خفي كان أعظم.
أطفال الجنوب...
الصحراء جنوب الجزائر الشاسع، الحديث عن أطفال الجنوب يقودنا لتسليط الضوء على عينة حيث يعيش آلاف الأطفال بالمناطق الحدودية والنائية معاناة حقيقية بسبب استفحال مظاهر التفكك العائلي والفقر والإهمال، بحيث تفتقر كل البلديات لمرافق الترفيه والتسلية ولا يجد الأطفال سوى اللعب في الشوارع أو التزحلق على كثبان الرمال والأسوأ البحث في النفايات المتراكمة أو العمل في ظروف سيئة.
هذا الموسم حرم أكثر من 620 طفل من الدراسة بسبب عدم تسجيلهم في سجلات الحالة المدنية ويتعلق الأمر ببعض أبناء عائلات قبائل التوارق بحي بني وسكت والمناطق الحدودية تيمياوين وبرج باجي مختار، وبعض أبناء قصور شمال ولاية أدرار، رغم جهود اللجنة الولائية الاستشارية للحالة المدنية، أطفال أدرار ضحايا نقص الرعاية الصحية، فبحسب مصادر متطابقة تم إحصاء أكثر من 6000 حالة مرضية في الوسط المدرسي عام 2004. من جهة أخرى بلغ عدد الأطفال المسعفين أكثر من 121 طفل منهم حوالي 80 طفلا يستفيدون من المنحة، و46 آخر من إعانات أخرى، فيما يحظى حوالي 117 طفل بتكفل الأسرة ويعكس هذا الارتفاع لعدد الأطفال المسعفين، استفحال مظاهر التفكك الأسري وانتشار البغاء وتجبر عدة أمهات عازبات على إهمال أطفالهن. وفي هذا الصدد تم إحصاء أكثر من 20 طفلا مهملا بمصلحة الأمومة والطفولة بأدرار.
رعاية صحية دون المستوى
في آخر الإحصائيات بلغت نسبة النمو الديمغرافي في الجزائر ما يعادل 11,63 % في الوقت الذي وصل فيه عدد السكان إلى 32 مليون نسمة. وقد أشارت الإحصائيات أن عدد أطفال في الجزائر خلال سنة 2004 بلغ 9 ملايين و600 ألف طفل، ما يترجم نسبة 30 % من المجموع السكاني.
ومن خلال هذه الإحصائيات اتضح أن نسبة الأطفال منخفضة، والسبب الرئيس في ذلك تراجع نسب الولادات، حيث بلغت 669 ألف مولود جديد خلال سنة 2004 يقابلها وفاة 30 ألف مولود جديد سنويا ما يمثل 45 حالة من بين ألف مولود، كما بقيت نسب الوفيات مرتفعة لدى الأمهات.
ويكون الأطفال ذوو الوزن الضعيف في الأسابيع الأولى للحياة معرضين لخطر متزايد للإصابة بالأمراض والوفاة وفي حالة بقائهم على قيد الحياة يبقون يعانون كثيرا من الأمراض ومن نمو عصبي غير عادي (اضطرابات في الرؤية، نتائج مدرسية رديئة، حالات أكثر للعجز الحركي الدماغي، الصمم، التوحد) إلى جانب بعض حالات الإعاقة مهما كان نوعها (حركية، عصبية، حسية، معرفية، سلوكية) والتي تتعب كاهل الأولياء. واقع مرير رغم عديد الحملات الصحية التي تقوم بها السلطات، يكاد يبقى مستوى الرعاية الصحية للأطفال من دون المستوى، فبرامج التلقيح لم تشمل النسبة المطلقة للأطفال، حيث تشير الأرقام إلى تسجيل 10 % من الأطفال الجزائريين لم يحصلوا على تلقيح ضد الكزاز كما أن الملقحين ضد "الديتليوليو" لم تتجاوز نسبتهم 60 %، وعن التلقيح ضد البوحمرون لم تشمل سوى 35 %.
أطفال الجزائر لم يسلموا من داء العصر السيدا حيث سجلت الإحصائيات الرسمية48 طفلا مصابا بالداء في الجزائر توفي منهم 33 منذ 1985، يتم توليد أغلبهم بالعاصمة من أمهات حاملات لفيروس. وعن دعم الأطفال المرضى تم مؤخرا الاتفاق على إنشاء لجنة فرعية مصغرة تنشط ضمن اللجنة الوطنية لمكافحة داء السيدا، مهمتها التكفل بالأطفال المصابين بهذا الداء بالجزائر، فيما قررت وزارة الصحة إنشاء 42 مركزا آخر خلال سنة 2006 حتى تكون التغطية شاملة لكل ولايات الوطن لتدعيم الـ 06 مراكز المتوفرة للكشف السري والمجاني. وهو ما يضمن الكشف المبكر عن الداء، أما عن الأدوية الخاصة بداء السيدا كشفت وزارة الصحة أنه هناك أكثر من 32 دواء مسجل على مستوى الوزارة تدخل كلها في إطار التكفل بمرضى الإيدز. وموازاة مع ذلك كشف البروفيسور ضيف أنه رغم توفر الأدوية المعالجة لداء السيدا والتي تتماشى مع سن الأطفال، تطرح إشكالية أخرى نعاني منها باستمرار على مستوى مستشفى القطار وتتمثل في التكفل بالأطفال المنحدرين من آباء مصابين.
ولكن الأخطر من كل هذا أن 30 % من أطفال الجزائر يعانون من سوء التغذية، نتج عنه تسجيل نحو 15 % من أطفال الجزائر يعانون من نقص حاد في الوزن. كما أفرزت هذه الوضعية حالات لتأخر في النمو الجسماني لهم، حيث يشكل الأطفال الذي يعانون من هذه الظاهرة 25 %. وباتت ظاهرة الإعاقة تسجل في السنوات الأخيرة أرقاما مقلقة، إذ تشكل نسبة الأطفال المعاقين الذين لا يتجاوز أعمارهم 15 سنة 2.5% من مجموع المجتمع الجزائري أي ما يعادل 800 ألف طفل يعاني من إعاقة، 40 % منهم من إعاقة الصم و20 % مكفوفون. وعلى خلاف لهذه الإحصائيات، أوضحت نتائج التحقيق الذي أنجزته الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي ''فورام'' أن 50 % من أطفال الجزائر يشكون سوء التغذية ونقصا في القامة والوزن.
هذه جزء من معانات شريحة من المجتمع الجزائري يعيشون على أمل تحقيق أحلامهم لغدا أفضل تسوده الحياة الكريمة، في وقت بلغت فيه خزينة الدولة مستوى لم تبلغه عبر تاريخها الحديث بتجاوزها 50 مليار دولار، ولعل آخر ما كشفت عنه إحدى الدراسات الأمريكية على أن ثروات الجزائر الطبيعية تكفي 300 مليون نسمة أي 10 أضعاف سكان بلادنا المحروسة في الوقت الراهن، للتذكير يمثل الأطفال ثلثي عدد سكان الجزائر يحلمون بغد أفضل تسوده التربية، التعليم، الترفيه، الصحة، التغذية والمستقبل زاهر. ولو توقفت الزمن وزاد به العمر وأصبحوا شبابا تبدأ قصة أخرى لشريحة تمثل أكثر من نصف سكان البلاد تعاني البطالة، التهميش، الإقصاء، واللامبالاة، ومن يقول العكس، سوف يصطدم بالواقع... واقع لا يرحم البقاء فيه لمن يصنع قدر الآخرين...!؟
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي