بهيج بهجت سكيك
كثيرة هي الكتب التي تناولت أسطورة - أكذوبة - خديعة «شعب الله المختار» وأكثر منها من كتبوا عن هذه الأسطورة، وبجميع لغات العالم: فلسطينيون وعرب، وأوروبيون، ويهود، وغيرهم.
tadnees2_opt.jpegوكان بعض اليهود الأكثر وضوحًا في فضح هذه الأسطورة والتوظيف السياسي لها لتحقيق أطماع اليهود في السيطرة على العالم واستعباد شعوبه ونهب موارده.
وربما لا تكون هناك أسطورة في تاريخ البشرية تركت أثرًا في العالم أجمع مثل أسطورة «الشعب المختار» والتي صاغها صانعوها وكاتبوها على أنها تفضيل إلهي لصاحبها بصرف النظر عما يقول ويفعل- وينظر إلى الآخر (الغير) من علٍ - فهو «المرفوض» أو «المستبعد».
وقد سببت تلك الأسطورة عند اليهود تكبرًا على الآخر واحتقارًا له واستهانة بحقوقه ومصادرة أمواله، بل حتى وصلت إلى حد إزهاق الأرواح.
إن فكرة شعب الله المختار مفهوم سياسي محض ابتكره الحاخامات اليهود لحض اليهود على السعي الدؤوب للسيطرة على العالم، وهذا المفهوم أحد الأسس الدينية التلمودية التي يعتبرها اليهود دستورًا لهم في الحياة.
ولعل من أكثر الكتب شهرة والتي تناولت هذه الأسطورة، الأكذوبة كتاب «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية» للفيلسوف الفرنسي «روجيه جارودي» والذي قيل في وقت من الأوقات أنه أعلن إسلامه بعد زيارته لعدد من الدول العربية وتعاطفه مع القضايا العربية وعلى الأخص القضية الفلسطينية، وقد لاحقه اليهود بعد صدور الكتاب وكاد أن يكلفه حياته مع صديقه القس الذي هرب إلى النمسا، وتأتي شهرة هذا الكتاب من أن جارودي تناول هذه الأسطورة مع أساطير أخرى تقوم عليها السياسة الإسرائيلية الحالية، منها: الأرض الموعودة لليهود في فلسطين، واليهود شعب الله المختار، وأسطورة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، ثم أسطورة الهولوكوست: المحرقة النازية لليهود في زمن هتلر، ترجم هذا الكتاب إلى لغات عدة ومنها اللغة العربية وقدم له الكاتب المصري الشهير محمد حسنين هيكل، وامتنعت دور النشر في فرنسا ومعظم دول أوروبا عن نشر أي كتاب له عقابًا له على تطاوله على «شعب الله المختار» وبعد أن كانت أقواله ومقالاته تملأ الصحف والمجلات أصبح نسيًا منسيًا.
القبيلة الثالثة عشرة
في إشارة إلى أبناء يعقوب بن إسحق - المعروف أيضا باسم إسرائيل- وعددهم اثنا عشر، وقد أصبح كل واحد منهم أبًا ورأسًا لقبيلة من قبائل إسرائيل، والذي أعطاهم الله - كما يدعون - «الوعد الأبدي بالأرض» واختارهم من بين شعوب الأرض.
آرثر كوستلر - وهو يهودي هنغاري - مجري - ولد عام (1905م) ثم رحل إلى بريطانيا 1941م ألف كتابه الشهير «إمبراطورية الخزر وميراثها» - القبيلة الثالثة عشرة - ومنه قدم بالدليل والبحث الميداني رؤية جديدة للقضية الصهيونية وفيه ينقض مقولة أن اليهود الحاليين ساميون أو أنهم من نسل بني إسرائيل القدامى، وشاركه في هذا البحث الأستاذ «بولياك» مدرس التاريخ اليهودي في جامعة تل أبيب، وفيه ينقض مقولة أن اليهود جنس نقي متميز ويثبت أنهم هجين أجناس لا سمة خاصة له، واعتمد في ذلك على دراسات أصدرتها اليونسكو، ونفت فيها الاستقلال الجنسي لليهود، كما أنه ينفي تمامًا أن لليهود اليوم تراثهم الحضاري المشترك ويؤكد أن ما يصدر عنهم اليوم ليس يهوديًا بالمعنى المحدد وإنما هو جزء من تراث لثقافات وحضارات الشعوب التي يعيشون بينها! news1.648959_opt.jpeg
القبيلة الثالثة عشرة، إشارة إلى أن يهود الخزر- وهم شعب قوقازي من أصل تركي سكنوا المنطقة الواقعة بين بحر قزوين والبحر الأسود وشمالها، وقد كونوا إمبراطورية مزدهرة مابين القرنين السابع الميلادي والحادي عشر، وهم لا يمتون بصلة إلى نسل يعقوب وإسحق وإبراهيم، ولا علاقة لهم بفلسطين، ولا بـ «وعد الرب» ولا «اختيارهم» ليعمروا الأرض - من الفرات إلى النيل- بل إنهم شعب تركي قد «تهود» في القرن الحادي عشر هروبًا من الضغط المسيحي في الغرب - الإمبراطورية الرومانية الشرقية في بيزنطة، والضغط الشرقي للمسلمين في آسيا الوسطى وفي الجنوب، لقد تهود هؤلاء الخزر بعد كتابة التوراة اليهودية بعدة قرون.
يقول «كوستلر» إن التباين الواسع المدى بين المميزات الجسدية للجماعة اليهودية والتفاوت بين تكرار الجينات في فصائل دمهم يشكفان عن التناقض في أي تصنيف جنسي لهم، «أنهم طائفة دينية مكونة من عناصر سلالية اكتسبتها من عمليات اعتناق الدين، ويستند إلى الكتاب المقدس لهم فيقول: لقد صاهر اليهود العبريون القدامى العموريين، وهم شعب طويل القامة شقر طوال الرؤوس، والحيثيين وهم مغول سود البشرة، والكوشيين جنس زنجي وآخرين غيرهم...
مملكة الصعاليك
جورجي كنعان مؤلف هذا الكتاب وصاحب مؤلفات قبله، لها علاقة بالموضوع منها «تاريخ يهوه» و«الأصولية المسيحية» و«محمد واليهودية» و «تاريخ الله» يقول في كتابه: إن موضوع «أرض فلسطين» هو الهم الذي يملأ حياتي ويغمس في صحني وأنه يقصد من كتابه هذا العمل على إحياء الحق الموءود، أو على الأقل إجلاء وجهه المطموس.
ويعني ذلك تحرير تاريخ فلسطين من شبكة الدراسات التوراتية والتي شحنت الغربيين بالأيدلوجيا اليهودية، ومنهم طوائف الإنجيليين والمعمدانيين والدهريين والمتجددين والسبتيين وشهود يهوه وجميعهم منشقون عن البروتستانتية، وهم الذين يقدمون الدعم بكافة أشكاله إلى هؤلاء «الصعاليك» ويعني بهم أولئك المشردين الذين قدموا من أركان المعمورة الأربعة واحتلوا فلسطين تحقيقًا لدعاوى توراتية مزعومة، ويستعرض في أبواب كتابه «الذهنية اليهودية» مجلدات من المزاعم: أرض الميعاد، شعب الله المختار، الوعد الإلهي، بالأسانيد والشهادات من سياسيين ورجال دين وأكاديميين، وقد أفرد بابًا خاصا عن: لماذا الإصرار على المزاعم؟ والإلحاح على ترديدها!
ويصر على إلصاق صفة «الصعلكة» باليهود من عهد داود وإلى اليوم لأن اليهود دخلوا فلسطين أول مرة متسللين ببطء رعاة، متغربين ينتجعون الكلأ والماء في أرض وفَّر أصحابها الأمان لهؤلاء الرعاة.
يخلص الكاتب إلى أن اليهود اختلفوا أو ابتدعوا أو اخترعوا مملكة قديمة وركَّبوا تاريخًا لتلك المملكة على اعتبار أن الدولة المختلفة والتاريخ المركب لها هما وحدهما اللذان يبرران الحق في امتلاك أرض فلسطين وإعادة بناء دولة يهودية تكون امتدادًا واستمرارًا للدولة اليهودية.
الشعب المختار
«الشعب المختار»، الأسطورة التي شكلت إنجلترا وأميركا: عنوان ألفه الإنجليزي «كليفورد لونجلي» وصدر في يناير 2002م من ثلاثة أجزاء وقام بترجمته إلى العربية د.قاسم عبده قاسم. «لونجلي» المؤلف والصحافي والإذاعي الذي يكتب في جريدتي التايمز والديلي تلجراف، يرى أن أسطورة الشعب المختار التي اختلقها اليهود من أجل السيطرة على فلسطين انتقلت عدواها إلى ثقافة الإنجلو ساكسون- (إنجلترا أولًا ثم أميركا بعدها) وشكلت الثقافة والدعامة في هجرة البيوريتاتز لأميركا وما تلاها من حرب أهلية في أميركا.. قادت إلى الاستقلال.
كما أنها بررت للرجل الأبيض استعمار أجزاء واسعة من العالم في آسيا وإفريقيا بحجة التمدين واستعباد الزنوج بحضارة الرجل الأبيض.
انتقلت عدوى وامتياز «الشعب المختار» بأجزائه الثلاثة مصداقية أو كذب هذه الأسطورة، فقد أقر بكذبها حين أسماها أسطورة Chosen People:The big idea that shaped England and America بل كتب أن هذه الفكرة- الكذبة- ولدت كذبة أخرى شكلت سياسة إنجلترا أولًا ثم أميركا بعدها التي حاولت- وما تزال - أن تفرض قيمها ونمط الحياة الأميركية على الشعوب الأخرى خصوصًا في الشرق الأوسط لتأمين مصالحها، مدعومة بالصهيونية (المسيحية واليهودية) العالمية.
حائط البراق.. (المبكى)
إن أسطورة الشعب المختار، عززت أسطورة أخرى هي: «أرض الميعاد» وهذه بدورها خلقت أكذوبة ثالثة هي «حائط المبكى» وهو في الواقع الحائط الغربي للمسجد الأقصى في القدس والذي يرتبط بقصة الإسراء والمعراج الواردة في القرآن الكريم، وهو المكان الذي ربط فيه رسول الله "صلى الله عليه وسلم" دابة «البراق» التي صعدت به إلى السماء، فقد كان اليهود يؤدون صلواتهم في عدة أماكن - بعيدًا عن أعين المسلمين- فأمر السلطان العثماني سليمان القانوني المهندس المعماري الشهير «سنان باشا» ببناء سور لليهود في الناحية الغربية من المسجد ليؤدوا صلواتهم خلفه! وفي مطلع القرن العشرين تم توظيف هذه الأسطورة لأغراض سياسية اخترعتها الصهيونية - وهي تثبيت الحق اليهودي في فلسطين بادعاء أن الحائط الغربي - البراق- هو من بقايا معبد سليمان مما دعا أبناء فلسطين إلى ثورة عارمة عرفت بثورة البراق، و قد قامت سلطات الاحتلال البريطاني بقمعها بوحشية- ومنذ عام 1948م - عام قيام دولة إسرائيل، وحتى عام 1967م بقي حائط المبكى (البراق) شبه مهجور لوقوعه في الجزء الشرقي من القدس والذي أشرفت على إدارته المملكة الأردنية الهاشمية مع باقي ما عرف بالضفة الغربية للأردن.
وبعد عام 1967م وسقوط الضفة الغربية ومعها القدس بيد الاحتلال الإسرائيلي قامت إسرائيل بإزالة حي «المغاربة» المحاذي للسور وتوسعة الساحة ورصفها الجهة المواجهة للحائط، ومنعت المسلمين من الاقتراب منها.
بل وصلت بهم الجرأة، بعد هزائم العرب أمامهم وتخاذلهم، وتعاظم قوتهم العسكرية ووقوف المعسكر الغربي- الولايات المتحدة وأوروبا- معهم إلى إظهار «مجسم» لهيكل سليمان في القنوات الفضائية والصحف والمجلات- بل أظهروا حجر الأساس، الذي سيقوم عليه هذا الهيكل..! محمولًا على عربة، وهم يحتفظون به في مكان قريب من المسجد الأقصى، علما بأنه قد حكمت لجنة دولية من عصبة الأمم بملكية المسلمين لهذا الحائط.
المسيح الأميركي الصهيوني
يقول «رضا هلال» في دراسته «المسيح الأميركي الصهيوني» والتي نشرت في مجلة العصور الجديدة 1999م أن المستعمرين البروتستانت وصلوا إلى «العالم الجديد» تحركهم تصورات الإسرائيليين القدامى فأطلقوا على أميركا اسم «أرض الميعاد» و«إسرائيل الجديدة»، وأنهم «الشعب المختار الجديد»، وزادت هذه النزعة المسيحية المتهودة مع «البيورتيان» المتطهرين (مذهب جون كالفن) وهي أشد الطوائف المسيحية تطرفًا من ناحية الاعتقاد في حرفية الكتاب المقدس ونبوءات العهد القديم، وهكذا فإن الانتماء الصهيوني لدى الأميركيين قد تغلغل في روحهم قبل الظهور (اللوبي اليهودي)!
وخلص في دراسته إلى عدة حقائق أهمها:
1- المسيحيون البروتستانت جاءوا إلى العالم الجديد بروح إسرائيلية.
2- الأميركيون أصبحوا «شعب الله المختار» الجديد.
3- الحركة المسيحية الصهيونية سبقت الحركة الصهيونية اليهودية!
4- الأميركي الحقيقي لابد أن يكون صهيونيًا.
5- حرب عام 1967م أعطت روحًا جديدة للمسيحية الصهيونية.
6- احتلال القدس أهم من قيام إسرائيل!
خاتمة
وبعد! هل نعي نحن الفلسطينيين خاصة والعرب والمسلمين عامة هذه العلاقة الحيوية التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل! وهل نعرف عدد وأهداف الجمعيات والمؤسسات الأميركية التي تؤازر وتساعد إسرائيل؟
ومنها مؤسسة «جيل المعبد» التي تهدف إلى إقامة الهيكل مكان المسجد الأقصى ومؤسسة السفارة المسيحية الدولية التي تهدف إلى تهويد القدس.. - العاصمة الأبدية لإسرائيل بزعمهم - والمصرف المسيحي الأميركي لأجل إسرائيل وغيرها كثير! وهل نعرف عدد المرات التي اتخذت فيها أميركا حق النقض (الفيتو) لمشروعات قرارات لصالح القضية الفلسطينية تأييدًا لإسرائيل! وآخرها الفيتو المعلن قبل صدوره بحق انضمام دولة فلسطين إلى هيئة الأمم المحدة.
وهل ندرك ضخامة تأثير اللوبي اليهودي الصهيوني، في أميركا؟ وآخرها مشروع القرار الذي تقدم به 30 نائبًا في الكونغرس الأميركي من الحزبين معًا- الجمهوري والديمقراطي «باعتبار الأسرى الفلسطينيين الذين تحرروا الفترة الماضية من سجون إسرائيل مقابل الجندي الإسرائيلي، «شاليط» اعتبارهم خطرين على أمن إسرائيل وأميركا واعتبارهم إرهابيين، وأخيرًا لماذا كتب أميركيان هما «ويريل دين ديفيز» و«ضياء الذين سرداد» كتابهما «لماذا يكره العالم أميركا؟»؟ Why do people hate America والذي سجلا فيه كل جرائم الولايات المتحدة الأميركية في القارات الست باعتبارها شعب الله المختار الجديد.
كاتب فلسطيني
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي